تحليل: أميركا وطالبان والإسلام السّياسيّ: قصّة غرام لا تنتهي
<!--<!--
الميادين نت = حسني محلي*باحث علاقات دولية ومتخصص بالشأن التركي
جاء الاتفاق الأميركي مع طالبان "بوساطة" قطرية مدعومة من تركيا، ليحمل في طياته العديد من المعاني، أهمها الاستمرار في الرهان على ورقة الإسلاميين، على الرغم من كلّ ما قاله ترامب ضدهم قبل انتخابه رئيساً، وفي العام الأول من حكمه.
نشطاء إسلاميون (الصورة) في كويتا الباكستانية يحتفلون بالاتفاق بين طالبان وأميركا (أ ف ب)
كعادته، فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب العالم عندما اتّصل هاتفياً بزعيم حركة طالبان، عبد الغني برادر، وقال أنّ "الحوار كان مفيداً جداً". جاء هذا الاتصال بعد الاتفاقية التي وقّعت عليها طالبان وأميركا، في ما يتعلق بحل المشكلة الأفغانية خلال فترة أقصاها 18 شهراً، وهو الموعد النهائي لانسحاب القوات الأميركية التي تحتلّ هذا البلد الإسلاميّ منذ تشرين الأول/أكتوبر 2001، بعد مرور شهر على اعتداء 11 أيلول/سبتمبر الشهير.
والسّؤال المطروح: لماذا نُفّذت هذه المصالحة الأميركية مع طالبان، في حين حاربت واشنطن، ولا زالت، داعش وأمثالها في سوريا والعراق، وهي مقرّبة عقائدياً من طالبان؟ فهل المتطرفون العرب أقل محبةً لأميركا من المتطرفين الأفغان أو للموضوع علاقة بخيارات واشنطن وحساباتها الجديدة في مناطق النفوذ التقليديّة؟
لقد ساهمت قطر بقواعدها الأميركية الضّخمة وإعلامها في المصالحة بين طالبان وواشنطن، فيما كانت السعودية، وهي وهابية كقطر، الراعي الأول والحقيقي لطالبان ومعظم المجموعات الجهادية الأفغانية التي تبنّتها المخابرات الأميركية لتقاتل ضد الاحتلال السوفياتي في أفغانستان خلال الفترة الممتدة بين العام 1979 والعام 1989، فقد موَّل آل سعود، وأحياناً آل نهيان، هذه المجموعات الجهادية الّتي راحت تقاتل بعضها البعض بعد خروج السوفيات، ما دفع المخابرات الأميركية إلى البحث عن بديل لها، تمثّل بحركة طالبان التي تأسَّست في العام 1992، ثم أوصلها الأميركيون إلى السّلطة في نيسان/أبريل 1996.
وكانت كلّ هذه الفترة كافية لنشر الفكر الإسلاميّ السياسيّ المتطرّف في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشيشان لإزعاج روسيا، والبوسنة لتمزيق يوغسلافيا، وهو ما حقَّقته أميركا التي دعمت هذه الحركات بأموال آل سعود. وقيل إنَّهم صرفوا أكثر من 300 مليار دولار على هذه الحركات والأحزاب والمنظَّمات والمدارس والجوامع والمشايخ، ليكونوا جميعاً "عسكر أميركا" في الحرب ضد إيران والشيعة والشيوعيين "الكفار".
وجاءت أحداث 11 أيلول/سبتمبر، وقبلها الخلاف بين بن لادن وواشنطن، ليخدما المخطّطات الأميركية أكثر فأكثر، فاحتلَّت أميركا أفغانستان في تشرين الأول/أكتوبر2001، وهو ما ساعدها لمجاورة الصين وإيران، وكلٍّ من طاجاكستان وأوزبكستان وتركمانستان، وهي الحديقة الخلفية لروسيا، وفيها 25 مليون مسلم.
قد تكون المصالحة مع طالبان وإيصالها إلى السّلطة ضمن الخطَّة نفسها التي وضعها الأميركيون باحتلال أفغانستان، وهي هناك منذ 19 عاماً، استطاعت واشنطن خلالها أن تحقّق الكثير من أهدافها السياسية والإستراتيجية، وبالطبع العقائدية، باسم الإسلام المتطرف الذي كان، وما زال، في خدمة "السيد الأكبر" أميركا.
ويفسّر ذلك احتلال العراق، بحجَّة علاقة صدّام حسين مع القاعدة، وقصف السودان وتقسيمه وجرّه إلى الحرب الأهلية، ثم إجباره على المصالحة مع "إسرائيل" بعد الإطاحة "بممثل الإسلام السياسي" عمر البشير.
وجاء ما يُسمى "الربيع العربيّ" بعد الإعلان عن مشروع الشرق الأوسط الكبير في حزيران/يونيو 2004، ليمنح واشنطن فرصاً أكبر لفرض هيمنتها على المنطقة بتدمير 4 دول عربية مهمة جداً بالنسبة إلى "إسرائيل"، هي العراق وسوريا واليمن وليبيا، وشلّ حركة لبنان ومصر.
بدأت القصَّة بالعمل على تسويق ما يُسمى "الإسلام المعتدل"، وكان حزب العدالة والتنمية نموذجه العمليّ في تركيا، وريثة الدولة العثمانية التي حكمت المنطقة باسم الخلافة الإسلاميّة التي تبنّاها الرئيس أردوغان، وساعده في ذلك الرأسمال القطري، بموافقة أميركية طبعاً، وكان الهدف إيصال المعتدلين، أي الإخوان المسلمين، إلى السّلطة في العديد من الدول العربية.
وجاء انقلاب الجنرال السيسي على محمد مرسي، وإعلان مصر، ومعها السعودية والإمارات والبحرين، الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً، ليغيّر معادلات الإسلام السياسي الذي انتقل من الاعتدال إلى التطرف، فجرّبته أميركا في سوريا على وجه الخصوص، نظراً إلى موقعها الاستراتيجي إقليمياً ودولياً.
وكان هذا التطرف كافياً لتدمير سوريا، بدعم من جميع دول المنطقة، وهي السّعودية والإمارات والبحرين، التي أعلنت الإخوان تنظيماً إرهابياً، وكلٍّ من قطر وتركيا اللتين تبنّتا هذه الحركة، على الرغم من أن هذا التوجّه اكتسب، وما زال، طابعاً إرهابياً، كما هو الحال في إدلب الّتي لم يعد الإسلام فيها أداةً لتنفيذ أجندات سرية وعلنية لأطراف مختلفة، وكما هو الحال في الاحتلال الأميركيّ لشرق الفرات، بعد أن جاءت أميركا إلى المنطقة بحجّة محاربة داعش، فتبنَّت الكرد وهم علمانيون، وتحجَّجت تركيا أيضاً بداعش، فدخلت جرابلس في آب/أغسطس 2016 بموافقة أميركية روسية، وهي الآن في الداخل السّوري على طول الشريط الحدوديّ من إدلب إلى رأس العين، وفيها الكرد المدعومون أميركياً.
وقد أثبت "الذكاء الأميركيّ" قدرته على التلاعب بمعطيات المنطقة في غياب الإرادة الوطنيّة للأنظمة الموجودة، وهو ما يفسّر تهرّب واشنطن من إعلان الإخوان تنظيماً إرهابياً، بعد أن وعد الرئيس ترامب الرئيس السيسي بذلك حتى قبل انتخابه في أيلول/سبتمبر 2016.
وكان هذا الموقف الأميركي مؤشراً واضحاً على استمرار الإدارة الأميركية بكلِّ مؤسّساتها في استخدام ورقة الإسلام السياسي بكلّ أطيافه ومضامينه، ما دام يخدم أهداف المشاريع الأميركية الآنية والمستقبلية.
وجاء الاتفاق الأميركي مع طالبان"بوساطة"قطرية مدعومة من تركيا، ليحمل في طياته العديد من المعاني، أهمها الاستمرار في الرهان على ورقة الإسلاميين، على الرغم من كلّ ما قاله ترامب ضدهم قبل انتخابه رئيساً، وفي العام الأول من حكمه.
وقد تراجع ترامب عن هذا الموقف بعد أن أقنعه مستشاروه، وأهمّهم صهره جاريد كوشنر، بأنَّ الإسلاميين كانوا، وما زالوا، في خدمة أميركا بحكم المحافظين الجدد منذ عهد روزفلت، عندما التقى الملك السعودي عبد العزيز في 14 شباط/فبراير 1945، كما أنهم في خدمة "إسرائيل" التي قامت على أرض فلسطين بعد هذا اللقاء بثلاث سنوات، فقد تبنّت السعودية بعد ذلك التاريخ جميع الحركات الإسلامية في العالم، وقدَّمت لها ما تحتاجه من الأموال من أجل محاربة الشيوعية واليسار والعلمانيين "الكفّار".
كما دعمت السّعودية في بدايات "الربيع العربي" وحتى نهاية العام 2013 جميع حركات الإسلام السياسي، المعتدلة منها والمتطرفة، من فكر الإخوان وطالبان والقاعدة، ثم تركت الساحة لعدوّتها التقليدية التاريخية العثمانية تركيا.
وجاء مقتل بن لادن في أيار/مايو 2011 على يد المخابرات الأميركية ليثبت مضمون المخطَّطات الأميركية الجديدة وأهدافها بإضاءة الضوء الأخضر للجولاني لتشكيل تنظيم النصرة في سوريا، وللبغدادي لتشكيل داعش في العراق، ليخدما معاً المشروع الأميركي - الإسرائيلي بشكل مباشر أو غير مباشر، وإلا كيف لنا أن نفسّر عدم قيام داعش أو النصرة وأمثالهما بأيِّ عمل "إرهابي" ضدّ "إسرائيل"، وهو ما فعلته داعش في بعض الدول الأوروبية وغيرها!؟ وكيف لنا أن نفسّر نقل المئات من الإرهابيين في الجبهة الجنوبية السوريّة إلى المستشفيات الإسرائيليّة، وانضمام المئات من عناصر "حماس" كانتحاريين إلى المجموعات الجهادية التكفيرية للقتال ضد الدّولة السورية، التي لولاها لما كانت حماس أو غيرها موجودة بوضعها الحالي.
ولا ننسى قصّة المئات من عناصر الخوذ البيضاء، من عملاء المخابرات البريطانية الأميركية، الَّذين استنجدوا بالجيش الإسرائيلي، فجاء لينقذهم في منطقة الجولان عندما حاصرهم الجيش السوري الذي تعرَّض لأكبر هجمة إمبريالية صهيونية رجعية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.
وما زالت هذه الهجمة مستمرة في إدلب، والأهمّ بصفقة القرن، التي تتآمر فيها الأنظمة "المؤمنة"، ليس على فلسطين وسوريا فحسب، بل على الجغرافيا بأكملها، وعلى دينها الحنيف، وسلاحها في ذلك الإسلام السياسي، العربيّ منه وغير العربي، وبكلّ نماذجه ومضامينه الأميركية!.
ساحة النقاش