تهديد روسي صارم لأردوغان وقصف جوي يغير شكل اللعبة في إدلب
<!--<!--
الجمعة ٢١ فبراير ٢٠٢٠ - ٠٤:٥٦ بتوقيت غرينتش
أعطى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الضوء الأخضر للفصائل المتشددة بشن هجمات على مواقع للجيش العربي السوري استعادها مؤخرا في ريف مدينة إدلب، الأمر الذي أشعل فتيل مواجهة عسكرية ربما تقود إلى حرب شاملة.
العالم - سوريا - رأي اليوم - عبد الباري عطوان
لا نعرف ما إذا كان هذا الهجوم العسكري المفاجئ للفصائل السورية "المعارضة" الحليفة لتركيا، والمدعوم بقصف مدفعي من الجيش التركي الذي يبلغ تعداد وحداته في إدلب حوالي 15 ألف جندي، ومئات الآليات العسكرية المدرعة هو التطبيق الميداني لتحذيرات الرئيس أردوغان إلى الجانب السوري بالانسحاب من جميع المناطق التي استعادها في إدلب وتصل مساحتها إلى 600 كيلومتر مربع، وتضم عشرات القرى والبلدات ومدن كبرى مثل خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب، وإلا سيستخدم القوة لفرض الانسحاب، وإذا كان الحال كذلك فإن النتائج جاءت حتى الآن عكس ما كان يتوقع، فقد اعترفت وزارة الدفاع التركية بمقتل جنديين وإصابة خمسة آخرين، وربما يكون العدد أكبر، وأكدت وزارة الدفاع الروسية أن الجيش العربي السوري تصدى لهذه الهجمات والاختراقات لمواقعه في ريف إدلب، وبلدة النيرب بكفاءة عالية، الرئيس أردوغان يتبع سياسة "حافة الهاوية" لرفع سعر مطالبه والحصول على تنازلات ميدانية، وهذا النهج لم يعد يعطي ثماره من كثرة تكراره ومن غير المستبعد أن تكون نتاج التصعيد الحالي أشبه بمثيلاتها في حلب والغوطة ومدن أخرى.
***
رد الفعل الروسي على هذا التصعيد التركي جاء صارما، حيث نفذ سلاح الجوي الروسي سلسلة من الهجمات ضد مواقع المسلحين المصنفين على قائمة الإرهاب، وبدءوا بقصف المواقع السورية، في تزامن مع توجيه القيادة الروسية إنذارا شديد اللهجة إلى نظيرتها التركية بوقف الهجمات فورا وإلا فإن قواتها في إدلب ستتعرض للقصف، حسب ما جاء في بيان رسمي روسي، ومصادر سورية شبه رسمية، فبعد هذا الإنذار صمتت المدافع، وتوقف القصف فورا.
وزارة الدفاع الروسية اتهمت الجانب التركي علنا بخرق تفاهمات سوتشي عام 2018، بدعمها لفصائل "المعارضة السورية" المصنفة إرهابيا، وإصدار الأوامر بقصف مواقع الجيش السوري بصواريخ تركية جديدة ومتطورة نجحت في إسقاط مروحيتين سوريتين، الأمر الذي أثار غضب الروس لما يمكن أن يترتب على ذلك من تغيير في شروط الاشتباك ومعادلاته على الأرض.
يصعب علينا التكهن بالتطورات القادمة في المشهد السوري، وفي مدينة إدلب وريفها على وجه الخصوص، ولكنها قد لا تكون في صالح الجانب التركي، في ظل تصاعد المعارضة الداخلية التركية لهذا التورط العسكري ليس مع الجانب السوري فقط، وإنما مع الحليف الروسي أيضا.
السيد عبد الله غول، الرئيس التركي السابق، وأحد أبرز مؤسسي حزب العدالة والتنمية الحاكم، خرج عن صمته أمس، ووجه انتقادات عنيفة جدا للرئيس أردوغان وسياساته من بينها تأكيده أن الإسلام السياسي الذي يراهن عليه الأخير (أردوغان) انهار، وأنه، أي غول، يدعم عودة النظام البرلماني، وقال في حديث لصحيفة تركية (قرار) إن العلاقات بين تركيا وجوارها العربي في أسوأ مراحلها، وشدد على ضرورة المصالحة مع مصر، وطالب بعدم خوض أي حرب شاملة مع سوريا، بالإشارة إلى حالة التوتر في إدلب.
أعداد القتلى في صفوف الجيش التركي المتواجدة وحداته في إدلب تتصاعد، وربما تتصاعد أكثر إذا حدث صدام مع القوات الروسية إلى جانب القوات السورية، مما يؤدي إلى اقتحام مليون لاجئ سوري للحدود التركية طلبا للسلامة، ومن غير المعتقد أن الرأي العام التركي سيظل صامتا وهو يتابع هذه التطورات، بالنظر الى رفض نسبة كبيرة منه للحرب وللمزيد من اللاجئين السوريين.
ثلاث اجتماعات بين وفود تركية وروسية جرت في غضون أسبوعين حول إدلب في أنقرة وموسكو باءت جميعا بالفشل، لأن الجانب الروسي يدعم تقدم الجيش العربي السوري في إدلب باعتبار تقدمه تطبيقا لاتفاق سوتشي الذي لم تلتزم به تركيا، وينص على الفصل بين "الجماعات المتشددة والأخرى المعتدلة" في إدلب، وإعادة المدينة إلى حضن الدولة السورية.
***
لقاء القمة الذي طالبت به القيادة التركية أكثر من مرة بين الرئيسين أردوغان وبوتين لتسوية الأزمة ووقف التصعيد في إدلب لم يجد أي ردود فعل إيجابية في موسكو، بل الرفض المطلق حتى الآن، ونعتقد أن فرص هذه القمة تتراجع في ظل مطالبة الرئيس أردوغان أمريكا بإرسال صواريخ "باتريوت" للتصدي للطائرات والصواريخ الروسية مما يعني أن القيادة في موسكو أبطلت تفعيل بطاريات صواريخ "إس 400" التي اشترتها أنقرة مؤخرا وأثارت غضب أمريكا وحلف "الناتو".
لا خيار أمام الرئيس أردوغان غير الاعتراف بأن تهربه من تطبيق تفاهمات قمة سوتشي دون تلكؤ حتى لو تطلب هذا الأمر استخدام القوة، فإدلب مدينة سورية ويجب أن تعود إلى سيادة الدولة السورية مثل كل المدن الأخرى، ومن يتابع وسائل الإعلام الروسية، وقناة "روسيا اليوم" باللغتين العربية والإنكليزية يتوصل إلى هذه القناعة المذكورة آنفا.
إدلب ستكون المدينة التي لن تحدد مستقبل سوريا، ونهاية "المعارضة" المسلحة، المعتدلة أو المتطرفة فقط، وإنما مستقبل الرئيس أردوغان كزعيم لتركيا وطموحاته بإعادة بعث الدولة السلجوقية، أو العثمانية الجديدة.. والله أعلم.
ساحة النقاش