إدلب…. مأزق تركيا المؤجل وعنوان خسارتها الجديدة في سوريا
<!--<!--
“رأي اليوم” عمر الردّاد خبير امن استراتيجي / مدير عام الطريق الثالث للاستشارات الإستراتيجية
لم يكن التصعيد الذي تشهده محافظة إدلب السورية، تحت عناوين الاشتباكات العسكرية بين الجيش التركي من جهة والجيش السوري وحلفائه من المليشيات الإيرانية والمدعوم بغطاء جوي واسع من روسيا مفاجئا، إذ كان مفهوما أنّ تلك المواجهة قادمة لا محالة، رغم اتفاقات خفض التوتر في إدلب التي أبرمت في جولات أستانا وسوتشي، وتم خلالها تجميع عناصر وعائلات كوادر وعناصر مسلحة في إدلب لدرجة أصبحت معها إدلب مركزا للفصائل المعارضة بما فيها الفصائل الجهادية، وتحولت المحافظة إلى مركز للفعل الجهادي، بدلالة أنّه وخلافا لكل التوقعات تم تصفية زعيم داعش”أبو بكر البغدادي” في إدلب وليس في حاضنة داعش”بمناطق البادية السورية، وشرق الفرات.
غياب عنصر المفاجأة حول ما يجري في إدلب اليوم من تصعيد مرتبط بالتناقض العميق بين الرؤى الإستراتيجية لحلفاء أستانا،هذا التحالف الهش والمؤقت،والذي فرضته مصالح كافة الأطراف في مرحلة سابقة من عمر الأزمة السورية،والقائم على عدم الثقة بين أطرافه،وتحديدا عدم الثقة بأهداف تركيا،وجوهرها الحيلولة دون إقامة كيان كردي على حدود تركيا الجنوبية، لأسباب مرتبطة بالأمن القومي التركي، انعكست على المفهوم التركي للإرهاب، والاحتفاظ بدور تركي مركزي بالأزمة السورية،بما في ذلك الحصول على حصة من الكعكة السورية عند إعادة الأعمار،بعد انجاز الدستور الجديد، فيما الإستراتيجية الروسية والسورية تقوم على أنّ من حق الحكومة السورية بسط سيطرتها على كافة أراضيها، وأنّ تركيا لم تلتزم بتعهداتها بخصوص الفصائل الجهادية التي تدعمها أنقرة، وأنّ ما يجري في إدلب يستهدف الفصائل المسلحة والإرهابية.
واضح أنّ التصعيد العسكري الذي تشهده إدلب اليوم مرتبط بكون معارك إدلب ربما تكون الأخيرة على الأقل من وجهة نظر روسيا والحكومة السورية، وهو ما تدركه تركيا أيضا،ورغم ما يبدو من تصعيد بين تركيا وروسيا، فان احتمالات مواجهة شاملة بين الجانبين التركي والروسي تبدو محدودة جدا، وأنّ ما يجري اليوم على الأرض في إدلب لا يتجاوز عناوين تحسين شروط التفاوض، رغم أنّ كل طرف أصبح يخرج ما لديه من أوراق، حيث ذهبت القيادة التركية لطلب المساعدة من أمريكا “باتريوت” وحلف الناتو،وهو مالا يتوقع أن يلقى استجابة لا من أمريكا ولا من الناتو،وفي الوقت الذي رفضت فيه تركيا السماح لطائرات روسية باستخدام المجال الجوي التركي مرورا إلى سوريا،طلبت من روسيا السماح لسلاحها الجوي باستخدام أجواء إدلب، وبالتزامن يستقبل الرئيس أردوغان في تركيا فايز السراج رئيس الحكومة الليبية،في الوقت الذي تستضيف فيه موسكو المشير خليفة حفتر،ويعلن قبوله بوقف إطلاق النار شريطة خروج القوات التركية من ليبيا.
إنّ الحقيقة التي لا يمكن تغييبها أنّ روسيا ومعها الجيش السوري تحقق المزيد من المكاسب على الأرض في إدلب،خاصة بالنسبة لروسيا التي يشكل الضغط التركي ورقة لصالحها أمام الإيرانيين والحكومة السورية، خاصة وأنّ روسيا تستند لدعم دولي لم يتحقق للقيادة التركية التي تطرح تساؤلات حول سياساتها وتحالفاتها في ظل خلافات عميقة مع عدة أحلاف دولية وإقليمية” الاتحاد الأوروبي، روسيا وإيران وسوريا، السعودية والإمارات ومصر، والتحالف الأمريكي الإسرائيلي”،وفيما إذا كانت تستطيع اللعب على التناقضات بين هذه الأحلاف وهو ما لم يتحقق حتى الآن، رغم انه أصبح مقبولا أن تقيم قوى إقليمية تفاهمات متزامنة مع واشنطن وموسكو.
ملف إدلب ورغم تشعباته،وتعدد سيناريوهاته بما فيها المزيد من التصعيد المحسوب، سينتهي بتوافقات جديدة بين القيادتين التركية والروسية، وستحقق تركيا بعض أهدافها ومطالبها، وبحدها الأقصى منطقة آمنة في إدلب بعمق لا يزيد عن ثلاثين كيلو مترا ولمدة مؤقتة متفق عليها، كالتي تقررت بعد عملية نبع السلام شرق الفرات مع الولايات المتحدة،لكن هذه المرة سيكون مطلوبا من تركيا تنفيذ التزامات سيتم إبرامها حول موقفها الحقيقي من الفصائل الجهادية،وباتجاه وقف دعمها لتلك الفصائل، ولن تفيد تركيا اليوم أنّ دعم تلك الفصائل كان بتوافق دولي في مراحل سابقة من الأزمة السورية.
ساحة النقاش