القوة الناعمة الإیرانیة.. والغطرسة الأمریکیة في الشرق الأوسط
<!--<!--
“رأي اليوم” محمد سعد عبد اللطیف* کاتب مصري وباحث فی الجغرافیا السیاسیة
نجحت إیران فی تغییر مفهوم العمل الدبلوماسي التقلیدي ولم یُعد یقتصر علی التعاملات الرسمیة مع الحکومات وأجهزتها الرسمیة بل جعلت الشعوب تدور فی فلك عملهم..
فمنذ عام 1979م، وقیام ولایة الفقیه كثورة إيديولوجية، بدأت تُستخدم دبلوماسیة جدیدة بفعالية أدوات القوة الناعمة، ولكي يتم تصدير مفهوم الثورة الإسلامية تحت تسميات مختلفة، يجب أولًا أن تصل إلى عقول الشعب المستهدف، ولذلك فإن الدبلوماسيين الإيرانيين هم أكثر انفتاحًا مع شعوب المنطقة، وتحديدًا في النشاطات المجتمعية والثقافية التي تعتبر عماد القوة الناعمة الإيرانية، إذ يستخدم الدبلوماسيون الإيرانيون كل الأدوات المتاحة لخلق صورة إيجابية عن إيران في العواصم التي تقع فيها السفارات الإيرانية، فهناك ممثلون ثقافيون ومسئولون عن الدبلوماسية العامة، وهذا دليل على أن صانع القرار في إيران يخطط لهذه الدبلوماسية بشكل دقيق ومنظم. وفی أواٸل ثمانیات القرن المنصرم، وبعد انتهاء الحرب الأهلیة فی لبنان، کان الوجود الإیراني فی الضاحیة الجنوبیة لبیروت وفی الجنوب اللبناني من تصدیر الثورة فی زراعة جناح عسکري موالي له، وقد تخطت الدبلوماسیة الإیرانیة المفهوم القدیم من اقتصار الفاعلين الدوليين على الدول وهي الصورة النمطية أو الكلاسيكية التي كان ينظر بها للفاعلين الدوليين في العقود الماضية. فبجانب الدول هناك نوعان من الأطراف الدولية الأخرى التي تتشابك وتتفاعل في محيط العلاقات الدولية لدرجة لا يمكن معها تجاهلها طبقاً للنظرة التقليدية للفاعلين الدوليين. والنوع الأول: من الفاعلين الدوليين هم أطراف أو فاعلين دون مستوى الدول في بعض الأحيان مثل الجماعات ذات السمات السياسية أو العرقية التي قد تخرج عن إطار الدولة لتقيم علاقات مع وحدات دولية خارجية بغض النظر عن موافقة أو عدم موافقة الدول التي ينضمون تحت لواءها مثل الجماعات الانفصالية وجماعات المعارضة المسلحة، فضلاً عن العلاقات الدولية لحركات التحرر التي لم ترق بعد إلى مرتبة تكوين أو تمثيل دولة. أما النوع الثاني: من الفاعلين فهو يتمثل في التنظيمات التي تخطت إطار الدولة لتضم في عضويتها عدة دول، سواء كانت هذه المنظمات هي منظمات دولية أو إقليمية، وسواء كانت تلك المنظمات هي منظمات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية أو حتى تلك التي تقوم بغرض تعزيز روابط الإخاء الديني. هکذا نجحت إیران بهذا النموذج الحديدي من الدبلوماسیة الإیرانیة أدوار غیر تقلیدیة فی سیاستها الخارجیة۔ فی منطقة الشرق الأوسط فی العراق۔وسوریا۔والیمن۔لبنان۔ حتى علاقتها مع دول شمال إفریقیا۔
إذ يستخدم الدبلوماسيون الإيرانيون كل الأدوات المتاحة لخلق صورة إيجابية عن إيران في العواصم التي تقع فيها السفارات الإيرانية، فهناك ممثلون ثقافيون ومسئولون عن الدبلوماسية العامة، وهذا دليل على أن صانع القرار في إيران يخطط لهذه الدبلوماسية بشكل دقيق ومنظم.
فبعد ثورة 1979 تم تغيير اسم وزارة الإعلام والسياحة إلى وزارة الإرشاد القومي، کما حدث فی الحقبة الناصریة۔ وبعد ذلك بعامين أصبح يطلق عليها وزارة التوجيه الإسلامي، كما أن وزارة الثقافة هي الأخرى قد تم دمجها في وزارة التوجيه، وفي عام 1987 تحولت وزارة التوجيه إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إذ تتكون الوزارة من أقسام تلعب أدوار خارج حدودها الجغرافیة، ولها إعداد کبیرة داخل سفارات إیران بالخارج.
وفي إيران نجد أن الاضطلاع بمهام الدبلوماسية العامة ليس فقط من قِبل الخارجية الإيرانية، وإنما تلعب وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي دورًا مهمًّا في هذا المجال أيضًا، وبعبارة أخرى فإن وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ليست مسئولة عن الشؤون الثقافية فحسب، ولكن أيضًا عن نشر «الإسلام الشيعي»، وتقوم الوزارة بهذا الواجب سواء في الخارج أو في الداخل، من خلال المؤسسات التابعة لها. ومن أبرز هذه المؤسسات: مؤسسة الثقافة والتبليغ الإسلامي؛ مؤسسة الإمام الرضا الدولية؛ وكالة الأنباء الإسلامية «إيرنا»؛ المعهد العالي للثقافة والفنون؛ المؤسسة الإيرانية للسينما والعلاقات السمعية والبصرية؛ منتدى الثقافة الشعبية؛ مركز الثقافة والفنون التطبيقية.
كل هذه المؤسسات تعمل في الداخل والخارج، ويتم التنسيق بين هذه المؤسسات من قبل مؤسسة الثقافة والتبليغ الإسلامي بالتعاون مع وزارة الخارجية الإيرانية. فعلى الرغم من الخلافات الفكرية التي اعترت العلاقة بين إيران والتيارات الإسلامية السنية، فإنهما ظلا ينظران بعضهما إلى بعض على أن الآخر يمثل عمقًا استراتيجيًّا للآخر، إذ إنه وعلى الرغم من الدور السلبي الإيراني في أغلب ساحات الشرق الأوسط، إلا أن أغلب حركات الإسلام السياسي السني لم تصدر حتى اللحظة بيان إدانة واحدًا ضد إيران، فتسويق خامنئي لصعود حركات الإسلام السياسي في مصر وتونس على أنها جزء من صحوة إسلامية، وأنها ستشكل الأساس لإقامة شرق أوسط إسلامي بقيادة إيران، لم يأتِ من فراغ، وهو إن دل فإنما يدل على مدى التقارب في الأهداف.
ومن أجل الذهاب أبعد في سياسة التأثير الإيراني في الوسط الاجتماعي العربي، أنشأت إيران العديد من المراكز الثقافية والاجتماعية، هذا إلى جانب إقامة العديد من النشاطات الدينية والثقافية، وتأسيس العديد من منظمات المجتمع المدني، وفتح كثير من القنوات الفضائية والصحف والمجلات والإذاعات، التي تمول أغلبها من قبل السفارات والقنصليات الإيرانية في الخارج، والتي يهدف أغلبها إلى تسويق الصورة الإيرانية، وجذب العديد من الشباب، ومن أجل تحقيق هذه الغاية ذهبت إيران أيضًا باتجاه فتح العديد من البرامج الدراسية للدراسة داخل إيران، كما أنها أطلقت العديد من البرامج الخاصة بتسهيل فرص الحج والعمرة، عن طريق فتح كثير من المكاتب الخاصة بهذا الشأن في الدول العربية والإسلامية، فهي تزود أغلب العوائل البسيطة غير القادرة على الحج ببطاقات مجانية للحج، وإلى جانب هذا تقوم بتزويدهم بالعديد من الكتب والكراسات التي تسترشد بسيرة الخميني وخامنئي، من أجل خلق عناصر تأثير في النفسية العربية والإسلامية.
ومن هنا، يعمل سفراء إيران في الخارج، إلى جانب القنصليات الثقافية، والعلاقات السياسية مع التنظيمات والحركات الإسلامية، كمراكز قوة مهمة في الدبلوماسية العامة الإيرانية، لذلك فمن أجل فهم القوة الناعمة التي تخلقها إيران من خلال الدبلوماسية العامة في بلد ما، نحتاج إلى النظر في عدد التمثيل الثقافي الإيراني في ذلك البلد وأنشطته.
أمضت إيران أربعين عاما منذ قیام الثورة من الصمود والبناء وامتلكت اقتصادا ذاتيا، وخاضت رغم الاستنزاف والحصار وبوسائلها الوطنية الخاصة ثورة صناعية وتكنولوجية جبارة أتاحت لها التمكن من تنويع الموارد وتنمية الثروة الوطنية وتطوير الخبرات المتقدمة بعد توطينها والحصول عليها من أي مصدر متاح بما في ذلك دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة وشركاء الشرق في روسيا والصين والهند وكوريا.
بينما خصوم إيران من العرب أقرب إلى مستعمرات تابعة، تستنزف واشنطن مواردها النفطية بصفقات سلاح عملاقة ومكلفة ۔
الصمود الإيراني يستند إلى الوحدة الوطنية وإلى وحدة الإرادة الشعبية التحررية الصلبة وإلى الثقة المتزايدة بحكمة القيادة في إدارة الصراع بثبات وحزم وقد أثبت الإيرانيون بجميع اتجاهاتهم المعبر عنها بحرية في وسائل الإعلام وداخل البرلمان المنتخب أنهم متمسكون بدولة الاستقلال والتحرر الوطني التي أسسها النظام الجمهوري بعد الثورة، وهم يفاخرون بعظمة بلادهم وبانتشالها من عهود المهانة والخضوع المذل للسيد الأميركي لتصبح قادرة على انتزاع مكانة تليق بها كقوة صانعة للمعادلات الكبرى في العالم والمنطقة. ورغم عملیات التحریض للشارع الإیراني، الذي ظهر فی حالة تماسك بعد مقتل الجنرال سلیمانی، وهذا ما يخشاه المخططون الأميركيون ويكشف عجزهم عن لجم اندفاعات قطب شرقي جديد، يجبرهم على الاعتراف به لاحقا والتعايش معه في المنطقة وهم خائفون من التداعيات والنتائج في جبهة الحكومات التابعة، التي استنفدوا قدراتها في مغامرات خاسرة كحرب اليمن والعدوان على سورية بينما وقفت إيران على الضفة الأخرى داعمة لقوى التحرر والمقاومة. وفي حين تتمسك طهران بدعم حقوق الشعب الفلسطيني وحلمه بالتحرير والعودة، تعيش واشنطن خيبة صفقة جاريد كوشنر، وعجزها عن التحول إلى مشروع ينال أي مساندة فلسطينية جدية، فتسعى إلى التعويض على الدولة العبرية بوفود المطبعين الهزيلة.
إيران في طريق الصعود، وكما حصل مع الصين تاريخيا، سيرغم الغرب الأطلسي على الاعتراف بها والمساكنة معها بالشروط التي ترضاها وتضمن مصالحها ومصالح حلفائها في محور المقاومة، وهذا ما تقوله دروس التجارب القريبة والبعيدة.. بالأمس شرق آسيا واليوم غربها والیوم شرق أوسط جدید من صنع إیران.
3 تعليقات
عبدالله كاظمToday at 9:43 pm (34 minutes ago)
لقد قلت الحقيقة التي لا يريد سماعها بعض العرب…إيران قدمت نموذجا ناجحا للشعوب الطامحة في الاستقلال والحرية والتقدم وقد قدمت قرابين كبرى في هذا المجال ودعني اختلف معك عزيزي قليلا بخصوص مهمة الملحقات الثقافية فهي لم تبشر على الإطلاق للمذهب الشيعي وإنما هدفها الأساس صناعة روح المقاومة حتى مع غير المسلمين في فنزويلا وغيرها وتجربة إيران مع حماس والجهاد الإسلامي خير برهان على عدم وجود تبشير شيعي وكذلك حسن العلاقة مع تيار الإخوان في المنطقة - تحياتي لك من القلب ورجائي لك المزيد من التألق.
عبدالسلام المغتربToday at 5:19 pm (4 hours ago)
أذلونا العرب الساقطين في التعايش بين الأمم يا خسارة عليهم.
عبدالسلام المغتربToday at 4:05 pm (6 hours ago)
قال الله تعالى قل إعملوا فسيري أعمالكم وكل شيء ممكن وقابل التطبيق والوصول لهدف يطمح إليه صاحبه.
ساحة النقاش