معركة إدلب المنتظرة… هل توقف تركيا دعمها للفصائل الجهادية؟
<!--<!--
-“رأي اليوم”- عمر الردّاد* كاتب أردني
رغم مظاهر التصعيد الذي تشهده أرياف إدلب وريف حلب الغربي،باستئناف العمليات العسكرية والضربات التي تشنها القوات الروسية بالتعاون مع الجيش السوري ضد الجماعات المسلحة في هذه الأرياف، والاستعدادات التي تجري على قدم وساق من قبل تلك الجماعات المدعومة من قبل تركيا،إلا أن معطيات كثيرة تشير إلى أن ما يجري في إدلب ربما لا يتعدى محاولة لتحريك الأوضاع”الراكدة” فيها، استعدادا للمعارك البرية الحاسمة التي يبدو أن السياقات الموضوعية لم تنضج بعد للبدء بها،ودون أن يخفي هذا التصعيد أنّ هدف روسيا ومعها الحكومة السورية إنهاء الأوضاع في إدلب بصورتها القائمة،بوصفها “وكرا” للجماعات الإرهابية المسلحة،وأنها المنطقة الوحيدة التي لم تتم استعادتها لسيادة الدولة السورية.
وبوصفها آخر المعارك العسكرية الكبرى في سوريا،وتؤسس للعناوين الكبيرة التي ستكون عليها سوريا الجديدة، بما في ذلك مواقف الأطراف الفاعلة في الملف السوري، فإنّ معركة “تحرير” إدلب لن تكون قرارا فرديا يتخذه تحالف”روسيا، إيران وسوريا”، دون الطرف التركي”الحليف العدو” لهذا التحالف، إضافة للولايات المتحدة والقوى التابعة لها، وعلى غرار العمليات التي تمت شرق الفرات “نبع السلام التركية”، التي ما كانت لترى النور لولا اتفاقا “صفقة” بين الرؤساء الثلاثة”ترامب، بوتين وأردوغان”، تبعها تسليم قواعد أمريكية لروسيا في شمال شرق سوريا، والسماح لتركيا بإقامة المنطقة الآمنة، وتسليم رأس البغدادي للرئيس الأمريكي، بمساهمة من تركيا.
مسارات إدلب مرتبطة بتطورات الملف السوري في أطره الثلاثة ”المحلية، الإقليمية والدولية” بما في ذلك تداعيات عملية نبع السلام شرق الفرات، واللجنة الدستورية، وتجدد قضيتي المساعدات الإنسانية وتوطين اللاجئين السوريين في المنطقة التي أعلنت عنها تركيا بعد عملية نبع السلام، واتجاهات العلاقات الروسية مع الولايات المتحدة، وعنوانها الجديد ”قانون قيصر” الأمريكي من جهة، وبين الحليفين السوري والإيراني” مؤشرات على حالة من عدم الرضا الروسية على الرئيس بشار الأسد، ومخاوف إيرانية من توسع نطاقات التنسيق الروسي مع إسرائيل وأمريكا”.
ربما لا نبالغ إذا قلنا أنه رغم تعقيدات مشهد إدلب وارتباطاته وأبعاده الدولية والإقليمية، إلا أنه سيبقى أسيرا لمقاربتين،الأولى: اندفاعه روسية وسورية لتحرير إدلب لاستكمال السيطرة على مناطق الدولة السورية والقضاء على الإرهاب، والثانية: ما يرجح أنها تعهدات تركية قدمت للحليف الروسي وبمعرفة أمريكية، على هامش الحوارات التي سبقت نبع السلام التركية، يعززها رغبة تركية ب”دحر” جبهة النصرة المتمردة على أنقرة، وبشواهد وحيثيات قدمت تركيا خلالها معلومات مهمة لأمريكا، أسهمت في توجيه ضربات موجعة للنصرة وفصائل جهادية متمردة أخرى”حراس الدين”، في بداية أيلول الماضي، وهو ما يعزز فرضيات ترجح أن تركيا ستتخذ مواقف جديدة في معركة إدلب القادمة، عنوانها التعاون المباشر مع روسيا وغير المباشر مع سوريا، وبتنسيق كامل مع الولايات المتحدة، بما في ذلك الاستثمار التركي لعمليات اللجوء المتوقعة من إدلب، والتي بدا الرئيس أردوغان يتحدث عنها مجددا، في إطار إستراتيجية تركية قوامها استثمار اللاجئين في تحقيق التغيير الديمغرافي في سوريا، وكونها ورقة يمكن ابتزاز يمكن رفعها بوجه أوروبا بأية لحظة، خاصة وأن أعداد اللاجئين السورين” حوالي أربعة ملايين” توفر للرئيس أردوغان إمكانية الاستخدام المزدوج للاجئين.
إن انشغالات الرئيس أردوغان بملفات إقليمية ضاغطة،أبرزها العلاقة المتوترة مع أوروبا، وفي أكثر من ملف بما فيها الخلافات على مناطق التنقيب عن الغاز والنفط، والتدخل العسكري في ليبيا، إضافة لمناكفة المملكة العربية السعودية ومصر، خلال القمة الإسلامية في ماليزيا وبمشاركة إيرانية،لنزع الزعامة الإسلامية عن السعودية،ستدفعه لاتخاذ مواقف أكثر ليونة في ملف إدلب، حفاظا على الحليف الروسي، الذي لا يثق بشكل كاف بنوايا الرئيس أردوغان، وحقيقة انه يستخدم علاقاته مع الرئيس بوتين لمواجهة الضغوط الأمريكية،وانه في حال قدم الأمريكان له ما يمكن أن يحقق بعض أهدافه فسيتخلى بين عشية وضحاها عن تحالفه مع روسيا.
وبالخلاصة، فإنه على وقع الحسابات الإقليمية والدولية لكافة الأطراف، تجري الاستعدادات لمعركة إدلب القادمة،ومن الواضح أن كافة الأطراف تحصي حجم مكاسبها وخسائرها من مالأت إدلب، وأنه لم يتوصل لاتفاقات”صفقات” حاسمة حتى تاريخه بين الفاعلين في الملف السوري، وهو ما يفسر العمليات المحدودة من القصف الجوي واستعدادات الفصائل المسلحة لسيناريو عمليات واسعة في إدلب، في إطار تبادل الرسائل المشفرة، وإظهار كل طرف لقوته وقدراته التي يمكن أن يستخدمها في معركة لم يعد وقوعها بالصورة التي يتم التحذير منها أمرا مؤكدا، خاصة وان ما يميزها هذه المرة” إذا وقعت” أنها ستكون بموقف تركي جديد، عنوانه تخلي تركيا عن دعمها للفصائل الجهادية.
ساحة النقاش