الشرق الأوسط ضحية النفوذ الأميركي وتسييس الدين
<!--<!--
نشرت بواسطة: صحيفة البناء في ديسمبر 20، 2019
د. وفيق إبراهيم
هاتان سمتان عامتان تسيطران على المسرح السياسي في بلدان الشرق الأوسط وتضبطه في تخلف متواصل، يجعله ألعوبة أميركية ومسرحاً سهلاً لسيطرتها الاقتصادية.
هذا الاهتمام الأميركي ذهب في اتجاه اختراع آليات صراع غير حقيقية لا تعكس حاجات شعوب المنطقة بقدر ما تُلبي إصرار الأميركيين على ضبط شعوبها في تناقضات تنتج المزيد من التخلف.
فبعد استهلاك الخلافات القبلية والعشائرية بين آل سعود والهاشميين وخليفة وأئمة اليمن وآل ثاني وزايد؛ هذه الصراعات التي أنتجت معظم الدول العربية المعاصرة، برعاية فرنسية بريطانية؛ نسج الأميركيون على منوال اختلاف تعارضات أخرى مكرسين ذعراً إسلامياً من الغرب المسيحي ليستفردوا به باستبعاد أوروبا وريثة الصليبيين والرومان والفرنجة، ومقدمين أنفسهم وكأن لا علاقة لهم بهذا الإرث التاريخي ذي الواجهة الدينية السطحية والعمق الاستعماري الأوروبي الحقيقي لا المسيحي.
للإشارة فإن الولايات المتحدة هي أوروبية التأسيس إنما على أراضي الهنود الحمر أي أن لها حصة بتكوينها الشعبي من الاستعمار الأوروبي الذي شمل العالم بأسره في القرنين الماضيين.
وعندما بدأ العصر الأميركي فعلياً نقل أصحاب البيت الأبيض طبيعة الصراع في الشرق الأوسط إلى دائرة العداء الإسلامي ـ الشيوعي، الإسلامي ـ الاشتراكي، أو بين أنظمة قبلية في الخليج وقومية في سورية والعراق ومصر.
هنا شكل الاتحاد السوفياتي نموذجاً “للكفار” الذين أرادوا ضرب الإسلام وإلغائه، على حد زعمهم، متوصلين إلى بناء سد بين معظم المنطقة العربية وروسيا أدرك مستويات العداء. وكان المستفيد بالطبع هي الهيمنة الأميركية الإستراتيجية ـ الاقتصادية على الشرق الأوسط النفطي والاستهلاكي.
هذا السيناريو جابه أيضاً الفكر القومي العربي، فبالتعاون بين الأميركيين وأنظمة الخليج، أطلقت هذه الأنظمة مقولة تتهم مصر وسورية والعراق بأنها تروّج لفكر عنصري معادٍ لأممية الإسلام الذي يساوي بين كل الأمم التي ينتمي إليها المسلمون في العالم، متوصلين إلى إعادة القوميين إلى دوائر ضيقة.
لكن الأميركيين ومعهم أنظمة الخليج، أخذوا يبثون مواد إعلامية تتحدث عن الديانتين اليهودية والإسلامية ومعهما المسيحية هي ديانات سماوية متآخية لا يجب على الخلافات السياسية أن تدفع بها إلى حالات الاحتراب والاقتتال، وكأنهم أرادوا منذ ذلك الوقت إنهاء القضية الفلسطينية بتفكيك التأييد العربي والإسلامي، وحتى المسيحي لها.
لتأكيد هذا المدى الواسع الذي يلعبه النفوذ الأميركي في تسييس الإسلام عبر وكلائه الخليجيين في المنطقة، اخترع صراعاً بين سنة وشيعة للتعامل مع الصعود الإيراني في الجمهورية الإسلامية، مستغلين شيعة إيران، فليس بمقدور الأميركيين التهاون مع إيران التي تمكنت من اختراق هيمنتهم على الشرق الأوسط، عبر تأييد القضية الفلسطينية بالتمويل والتأييد السياسي والتسليح، ودعم الدولة السورية في وجه الإرهاب الكوني، والعراق أيضاً مع مد يد العون لليمن المستهدف أميركياً وخليجياً.
إيران هذه اخترقت أيضاً أفغانستان في الهزارة وطالبان وأمّنت مواقع في باكستان والهند وماليزيا، ما استجلب عليها، غضب الأميركيين واستياءهم في الحدود القصوى.
لذلك جاء الردّ على شكل محاولة تطويق إيران بعداء سني لها عبر إحياء الفتنة الشيعية ـ السنية أو الفارسية ـ العربية، حسب المطلوب أميركياً.
ولولا التأييد الفلسطيني لإيران لكانت السياسة الأميركية ـ الخليجية أفعل في مجابهتها. هذا يكشف مدى تمكن النفوذ الأميركي من تسييس الإسلام عبر الأنظمة العربية المحلية. فالأزهر الشريف أعلى موقع إسلامي تاريخي تُمسِك بقراراته الدولة المصرية منفردة، وتتدخّل لتصبح ملائمة لمصلحة التنسيق الخليجي الأميركي. وكذلك حال المراكز الدينية في المدى الإسلامي الموالي للأميركيين، بما يكشف العلاقة البنيوية بين النفوذ الأميركي في العالم الإسلامي وبين المراكز الإسلامية الكبرى.
أما لماذا تسييس الدين؟ لا يزال الدين العنصر الأساسي في الإقناع والتأثير على الناس، وتشكيل المحاور الكبرى. وهذه تبدأ من الخلافات الفقهية والتاريخية لتشكل تحشيداً يرتحل من الدين إلى السياسة والخلافات المذهبية والطائفية والقومية.
لبنان واحد من ضحايا هذه المعادلات الأميركية ـ الإسلامية ـ المسيحية، حتى أن مراكزه الدينية الكبرى السنية الشيعية والمسيحية والدرزية مرتبطة بشكل كامل بمواقع القوة السياسية في طوائفها، فتستجيب لكل ما تحتاجه من تأييد شعبي للتحشيد حول مصالحها، وهذا يشمل كل طوائف لبنان، ألم يصدر المفتي دريان حظراً يمنع فيه على أي سني بقبول رئاسة الوزراء باستثناء رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري؟ أهذا من الدين أو من السياسة؟
وهذا للأمانة، يشمل كل المراكز الدينية لطوائف لبنان التي تضع الدين في خدمة قواها السياسية في الداخل ـ وهذه بدورها تخدم المشاريع الكبرى للأميركيين ومنافسيهم في الإقليم.
فهل من مؤشرات على اقتراب موعد القطع مع تسييس الدين لخدمة المشاريع الخارجية؟ الدلائل متواضعة، ويحتاج الأمر إلى انتصار أكبر على المشروع الأميركي في الشرق الأوسط، من إيران إلى لبنان، وهذا أصبح ممكناً.
ساحة النقاش