يقتلونهم ويُنكّلون بجثتهم: وزير الأمن الإسرائيليّ يُصدِر تعليماته باحتجاز جميع جثامين الشهداء الفلسطينيين كخطوةٍ عقابيّةٍ وورقة مُساومة ومركز عدالة القانونيّ: “الكيان يُتاجِر بالأشخاص وينتهِك القانون الدوليّ”
<!--<!--
الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
قال مدير مركز عدالة، المركز القانونيّ للدفاع عن فلسطينيي الداخلٍ المُحامي حسن جبارين، قال إنّ التعليمات التي أصدرها وزير الأمن الإسرائيليّ، نفتالي بينيت، هي محاولة للتجارة بجاثمين أشخاص لها الحق بالاحترام والدفن، لا يوجد دولة في العالم تسمح لنفسها باستعمال جثامين كورقة للتفاوض والمساومة السياسية، هذه الممارسات لا تخالف القانون الدولي فقط، بل تخالف كذلك قوانين الشعوب الشرعية (Law Of Nations)، وعلى رأسها المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب، التي تحظر بشكل مطلق الممارسات الوحشية وغير الإنسانية ضد أي شخص كان، على حدّ قوله.
وأكّد جبارين، الذي مثل عائلات الشهداء المحتجزة جثامينهم أمام المحاكم الإسرائيلية على أننا سنعمل على مواجهة هذا القرار وإبطال هذه التعليمات على الصعيد الداخلي والخارجي، الداخلي أمام المحاكم والجهاز القضائي في إسرائيل، والخارجي من خلال التوجه للجان حقوق الإنسان في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المختلفة، طبقًا لأقواله.
وكان مركز عدالة قد نجح في استصدار أمر من المحكمة العليا يوم 14.12.2017 يمنع احتجاز الجثامين ويعتبره غير قانونيّ، إلا أنّ المحكمة أمهلت سلطات الاحتلال ستة أشهر لتحرير الجثامين، يُمكنها خلالها إيجاد مسوّغات قانونيّة تجيز الاحتجاز. بعد أن قرر المجلس الوزاريّ المصغّر “الكابينيت” في كانون ثاني 2017 استخدام سياسة احتجاز الجثامين كورقة للمساومة والتفاوض.
لكن، قبلت المحكمة الإسرائيليّة العليا يوم (19.2.2018) الطلب الذي تقدّمت به النيابة العامة لإعادة النظر بقرار المحكمة السابق، والذي منع احتجاز جثامين الشهداء بيد الاحتلال الإسرائيليّ. وقرّرت المحكمة الإسرائيليّة أن تعيد النظر في قرارها، وذلك بهيئةٍ قضائيّةٍ موسّعةٍ تتألّف من سبع قضاة، كما أصدرت أمرًا احترازيًا يمنع تحرير الجثامين حتّى صدور قرارها.
ويوم 9.9.2019 سمحت المحكمة العليا للجيش الإسرائيلي بمواصلة احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين. في قرارها، ادعت المحكمة بأن قانون الطوارئ الإسرائيلي يسمح للحاكم العسكري بدفن جثامين من أسمتهم بالأعداء، من أجل إعادة الجثامين والجنود الإسرائيليين المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية، وذلك استنادًا إلى معايير وصفها القضاة بالأمنية والتي تخدم أمن الدولة وسلامة مواطنيها.
وتحتجز السلطات الإسرائيلية جثامين الشهداء الفلسطينيين ضمن سياسةٍ ممنهجةٍ، منذ سنواتٍ طويلةٍ، تسعى من خلالها لتحقيق أهدافٍ عدّة في اتجاهين، أوّلهما مُحاولة ردع غيرهم من الفلسطينيين ممّن يعتزمون تنفيذ عملياتٍ فدائيّةٍ، عبر إرهابهم بأنّ جثمانهم سيُحتجز كغيرهم من الفدائيين، وسيُوجعون قلوب أهاليهم عليهم، فيما يتركّز الهدف الآخر على استخدام هذا الأمر كورقةٍ سياسيّةٍ للضغط على فصائل المقاومة الفلسطينيّة في ملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لديها، لإنجاز صفقة تبادل.
وعلى مدار سنوات عبّرت العديد من الأوساط الإسرائيلية عن معارضتها لهذه السياسة، لاعتبارها غير مُجدية في تحقيق الأهداف التي تُطبَّق من أجلها، فلا هيّ تردع الفلسطينيين عن تنفيذ العمليات ضد إسرائيل، ولا هي حققت تقدمًا في ملف الجنود الإسرائيليين المأسورين في غزة، فضلاً عن رؤيتهم بأنّ احتجاز الجثامين يزيد من حالة الاحتقان لدى الفلسطينيين، وهو ما يُهدد برفع مستوى التوتر الأمنيّ.
وإلى جانب معارضة هذه الأوساط، قال البيان الصادِر عن مركز (عدالة)، والذي تلقّت (رأي اليوم) نُسخةً منه، قال إنّه كانت هناك معارضة من المستوى القضائي في إسرائيل، لما تتسبب به سياسة احتجاز الجثامين من زيادة الحرج للكيان، دوليًا، كونها تُعد جريمة ضدّ الإنسانية، وخرقًا فاضحًا للنصوص الدوليّة والقانون الدوليّ الإنسانيّ، فكان القضاء يتّجه دومًا إلى الطلب من الشرطة والسلطات الإسرائيليّة العمل على سنّ تشريعات تُبيح الإقدام على مثل هذه السياسات المُثيرة للجدل، على حدّ تعبير بيان مركز (عدالة).
ويُمكِن القول إنّ الموت هنا في فلسطين صار شكلاً آخر من أشكال الابتزاز التي يُمارِسها الاحتلال الإسرائيليّ بحقّ الشعب العربيّ-الفلسطينيّ، إذْ عمد منذ حزيران (يونيو) من العام 1976 إلى احتجاز جثث الشهداء بمناطق عسكرية مغلقة تُعرف باسم “مقابر الأرقام”، لا يُسمح لأيّ جهةٍ بالاقتراب منها، الدخول إليها، أوْ تصويرها، وهي خاضعة لسيطرة وزارة الأمن الإسرائيلية.
ويُشار في هذا السياق إلى أنّ إسرائيل تتعامل مع هذه الجثث كورقة مساومةٍ في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية أوْ العربية، في حال وقوع جنودها أسرى لدى فصائل المقاومة، وهي بذلك تنتهك القوانين والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، التي تنص صراحةً على احترام كرامة الموتى في حالة الحرب.
ساحة النقاش