الأميركيّون يحوّلون العراق قاعدة كبرى لحركتهم الإقليمية!
أكتوبر 25، 2019
<!--<!--
البناء = د. وفيق إبراهيم
بدا الأميركيون واثقين من قدرتهم من تجميع قواتهم المنسحبة من سورية في العراق من دون اعتراضات حاسمة من قواه السياسية. وبالفعل كان كلامهم دقيقاً، فها هو وزير الدفاع العراقي الشمري يعترف بدخولهم مؤكداً بشكل لم يصدقه احد، بأن الأميركيين الذين دخلوا إلى منطقة الأنبار العراقية لن يبقوا إلا بضعة أسابيع قبل مغادرتهم العراق نحو بلاد أخرى.
من جهتها محافظة كردستان التي تتمتع بحكم ذاتي قالت أنّ قوات أميركية دخلت نواحي إدارتها وأن الدولة المركزية في بغداد هي التي سمحت لهم بالدخول.
إن هذا الالتباس في وضعية القوى السياسية التي تدير الحكومة ورئاستي الدولة ومجلس النواب يكشف عن ضعف سياسي كبير تجاه الأميركيين في العراق.
فإذا كان هناك معاهدة أمنية فهي اتفاقية ثنائية يجب أن تخضع لها كل الحركات العسكرية بشكل مسبق، فكيف تدخل وحدات من الجيش الأميركي أراضي عراقية قبل موافقة أصحاب السيادة النظرية عليها وهي دولة العراق.
وهل من باب المصادفة دخول هذه القوة إلى العراق بعد تصريح للرئيس الأميركي ترامب كشف فيه أن بلاده بصدد استعمال العراق مركز مراقبة لكامل الإقليم. وهذا الرئيس سبق له وزار القاعدة الأميركية في العراق من دون أن يلتقي بأي من مسئوليه داعياً في أثنائها رئيس مجلس الوزراء العراقي إلى لقائه في القاعدة، والطريف أن رئيس الحكومة تذرع بانشغالاته للتهرّب من لقاء رئيس أميركي في قاعدة أميركية في بلده العراق.
ماذا يجري في العراق؟
الأميركيون المتقهقرون من سورية يواصلون حشد قواتهم في الخليج للزوم حصارهم لإيران وإثارة رعب دول الخليج منها.
وفي محاولة لمنع التنسيق السوري العراقي والربط الإيراني معهما، يريدون إقفال الحدود السورية العراقية وتجميدها عند حركة انتقال المواطنين بما يستند وظائفها الاقتصادية والسياسية والعسكرية. وهذا يتطلب نصب قواعد أميركية عند النقاط الإستراتيجية من الأنبار وحتى حدود نينوى مع كردستان، فهذا يقطع نهائياً إمكانية افتتاح الخط الجيوبوليتيكي الضخم بين روسيا ذات الخلفية الصينية بإيران والعراق وسورية.
العراق إذاً في قلب الحركة الأميركية التي تجعل منه معوقاً يحول دون انفتاح الإقليم على بعضه بعضاً، كما تستنزف دوره الإقليمي وخصوصاً لجهة حدوده مع السعودية في مرحلة يجد آل سعود أنفسهم مهزومين ومتروكين لقدرهم، فيلعب الأميركيون ورقة إضعاف العراق لتزويد السعودية بوافر من الثقة.
هناك عناصر أخرى تزود الأميركيين بمكامن قوة تلجم أي محاولة لإنعاش الدور العراقي. والدليل أن السياسة الأميركية لا تزال تمسك بورقة التباينات الداخلية العراقية المذهبية والعرقية، حتى أنها دعمت صراعات داخل الشيعة وبين القوى السنية فيما تحافظ على تفرد آل البرزاني بحكم كردستان فتستعمل هذه الصراعات الداخلية لمنع صدور موقف عراقي موحد يطالبها بالانسحاب من البلاد.
إلا أنّ العنصر الأساسي الذي يحرص الأميركيون على الإمساك بأرض الرافدين هو مجاورته لإيران التي يجمعها بغالبية العراقيين قواسم مشتركة في التاريخ والجغرافيا ووحدة الموقف من النفوذ الأميركي.
يبدو بالمحصلة أن الأميركيين يريدون بناء تموضع كبير في العراق أسسوا له وجوداً عسكرياً يمتلك أحدث معدات الرقابة والتطور العسكرية مع وضعية سياسية ضعيفة لداخل عراقي متنوّع لا يتفق على قرار واحد.
وبدلاً من إطلاق مشروع وطني عراقي يتساوى فيه أهل الرافدين في السياسة والاقتصاد والاجتماع ذهب الأميركيون نحو اختراق حراك شعبي عراقي طالب بوقف الفساد وتأمين الخدمات الاقتصادية لمواطنين أصبحوا جياعاً، وبدلاً من تأمين مطالبهم أطلق الجيش العراقي النار على المتظاهرين مردياً نحو مئة وخمسين بالإضافة إلى آلاف الجرحى.
وهذا ما عمق من حدة التباينات الداخلية كما أراد الأميركيون تماماً.
فهل يستطيع العراق في هذه الأوضاع مقاومة الاحتلال الأميركي؟
لا بد من العودة إلى المشروع الوطني الذي يوحد بين العراقيين قافزاً فوق التباينات المذهبية والدينية والعرقية نحو المواطنة العراقية.
وعندها يصبح بإمكان العراق الطلب من الغزاة الأميركيين الرحيل عن أراضيه وبناء دولة تلبي حاجات الداخل وتنسق مع الإقليم، خصوصاً سورية التي تترقب بدورها هذا الوضع بكثير من الاهتمام، لأنها تعرف أن التنسيق السوري العراقي هو الحركة الإستراتيجية الوحيدة التي تقف في وجه كل الطامعين الأميركيين والإسرائيليين وبعض المتخلفين من العرب الذين يعملون منذ سبعين عاماً في خدمة الأجنبي وهيمنته على المنطقة العربية.
ساحة النقاش