هزيمة نتنياهو… وورقة التوت السلطوية الفلسطينية
<!--<!--
“رأي اليوم” د. باسم عثمان *كاتب وباحث سياسي
إن المعركة الانتخابية الحالية للكنيست الإسرائيلي تختلف عن سابقاتها فهي أشد حدة وتنافساً بين الأحزاب السياسية ومن حيث نتائجها الدراماتيكية بالنسبة لنتنياهو ومعسكره اليميني المتطرف، وكما أنها تميزت بتمحورها حول نتنياهو ومستقبله السياسي لاسيما وأنها تتزامن مع اقتراب الموعد الذي حدده المستشار القانوني للحكومة للاستماع لأقواله حول قضايا الفساد الموجهة ضده أمام لجنة قانونية خاصة قبل إصدار قرارها النهائي.هذه الحقيقة يدركها نتنياهو جيداً ويعتبر فوزه في الانتخابات “وهذا لم يحصل” كملاذه الأخير، ويتمكن من تشكيل حكومة تُقدم له طوق النجاة وتساعده على تمرير قانون الحصانة الذي يمنع تقديمه للمحاكمة طيلة فترة ولايته رئيساً للحكومة.
هذه النتائج لانتخابات الكنيست الإسرائيلي شكلت صفعة لبنيامين نتنياهو، الذي ركب في دعاية حملته الانتخابية موجة عالية من التطرف اليميني بدءاً من استرضاء المستوطنين بإعلان نيته ضم الأغوار الفلسطينية ومنطقة شمال البحر الميت ومناطق جنوب الخليل، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها كخطوة أولى على طريق ضم الكتل الاستيطانية والمستوطنات والبؤر الاستيطانية إلى “دولة الاحتلال الإسرائيلي”، وانتهاء بلجوئه إلى أكثر أشكال الانحطاط في التحريض العنصري ضد المواطنين العرب الفلسطينيين في “إسرائيل”.
لا سيما ان الخارطة السياسية في “إسرائيل” دخلت في مرحلة تشكيل جديدة صعبة ومعقدة بعد فشل نتنياهو ومعسكره اليميني الاستيطاني والعدواني المتطرف والعنصري في انتزاع فوز يوفر له حصانة من تهم الفساد ويمكنه من تشكيل حكومة مستوطنين معادية للوجود الفلسطيني على أرضه، لذلك, يجب عدم الوقوع في الحسابات السياسية الغامضة فلسطينيا، وإرسال رسالة سياسية واضحة للإدارة الأميركية برفض مشاريعها لتصفية القضية الفلسطينية مهما اتخذت من تسميات وعناوين، ورسالة واضحة لجميع المعسكرات السياسية في “إسرائيل” بأن الجانب الفلسطيني ماض في خياراته السياسية والوطنية، وإعادة بناء العلاقة مع “إسرائيل” وفقاً لرؤية وطنية استراتيجية باعتبارها دولة احتلال كولونيالي استيطاني وكيان تمييز عنصري وتطهير عرقي، والعمل على فك الارتباط بسلطات الاحتلال بدءاً من الورقة السياسية أولا، بسحب الاعتراف “بدولة إسرائيل”،ووقف التنسيق الأمني المشترك، إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967 بما فيها القدس وانتهاء بفرض المقاطعة على جميع البضائع الإسرائيلية، التي لها بديل وطني أو عربي أو أجنبي ومواصلة العمل على الساحة الدولية لكسب مزيد من الاعتراف الدولي بدولة فلسطين تحت الاحتلال وانضمام هذه الدولة إلى جميع منظمات ووكالات الأمم المتحدة.
في هذا السياق، السلطة الرسمية الفلسطينية قررت – وعلى ما يبدو إعلاميا واستعراضيا فقط – أن الإقدام على ضم الضفة العربية ومستوطناتها سيؤدي إلى إنهاء كل الاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي، ولكن من دون استعدادات جدية وعملية على الأرض لتحقيق ذلك: لا تحركات سياسية ولا اقتصادية ولا قانونية ولا شعبية كفاحية بمستوى خطورة الإعلان، ولا بمستوى خطورة ما يجري على الأرض، وهو أخطر بكثير من الإعلان؛ كونه يجسد الضم الزاحف الذي يمهد لإنجاز الضم القانوني وعلى الطريقة الإسرائيلية.
كما ظهر في الأفق السياسي الفلسطيني الرهان على خسارة نتنياهو في الانتخابات الحالية، وخسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة، وبالتحليل السياسي، فان الرهان على الغير لا يمثل أكثر من الإقرار بالهزيمة السياسية والانخراط في المشروع المعادي.
إضافة إلى ما سبق، علينا ان ندرك أنّ هناك (لاءات) إسرائيلية كبيرة بخصوص المشروع الوطني الفلسطيني تتحكم بسياسة جميع الأحزاب الإسرائيلية وعلى اختلاف مشاربها الأيديولوجية والموقعية، وأنّ الرهان على الخلافات في ما بينها في الموضوع الفلسطيني ليس أكثر من مجرد أضغاث أحلام “وحلم إبليس بالجنة”، لأن الأولوية في ملعب الفلسطينيين (ذاتيا وموضوعيا) ما تستدعي بناء متطلبات واليات المشروع الوطني الفلسطيني وإستراتيجيته الكفاحية للكل الفلسطيني بدون استثناء وعلى كامل امتداد جغرافية تواجده في الداخل والشتات.
يقول واقع الحال أنّ من أوصلنا إلى الكارثة الوطنية في الحالة الفلسطينية الراهنة لا يزال مقتنعًا أن أوسلو بنتائجه المدمرة هو خياره الوحيد، ويتغطى خلف شعارات شعبوية واستعراضية تخدم مصالحه البيروقراطية وأجندة امتيازات سلطته الفئوية، بحجة الخروج عنه أو إلغائه سيخدم ”إسرائيل”؟!، وأن المخرج منه سيقود إلى إعادة إنتاج شبيه له والعودة إلى دوامة المفاوضات العبثية؟!، مع أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تخلت عنه منذ فترة طويلة ولا تريد إلغاءه حتى لا تتحمل المسؤولية عن ذلك، وحتى تبقي الفلسطينيين مقيدين بالتزاماته. فعملية السلام ماتت منذ زمن بعيد ويجب دفنها، ويجب على الكل الفلسطيني وخاصة السلطة الرسمية الكف عن اجترار ذات النغمة التبريرية أن هذه الخطوة أو تلك أدت إلى نسفها، مما يعكس استمرار التعلق بأوهام أوسلو وتعبيرا عن الإفلاس السياسي.
إن إعلان نتنياهو الأخير، وهو برسم كل المنظومة الأيديولوجية للأحزاب الإسرائيلية، بات يمثل بداية جديدة لمرحلة جديدة، سياسة تهويدية وميدانية للأراضي الفلسطينية، خاصة بعد أن تم فرض قوانين جديدة من قبل “الإدارة المدنية” في أساليب التعامل مع السكان الأصليين، وهو ما تتجاهله “القيادة الرسمية”، وبدلا من الذهاب لاتخاذ قرارات فعل ميدانية خرجت لتشرح أن القرار يمثل خرقا للقانون والاتفاقات، في الوقت الذي بدأ فيه نتنياهو بتنفيذ الخطة الأمريكية “مسبقة الصنع” بطريقته الإسرائيلية الخالصة، محددا “واقع سياسي وميداني” جديد، وما على السلطة الفلسطينية إلا التكيف معه ؟!!.
ان موقف السلطة الرسمية الفلسطينية بات واضحا، لا لخطوة تصعيدية في وجه نتنياهو وسياساته، وإنما الاستسلام للأمر الواقع وأمام هذا المشهد من الحالة الفلسطينية الراهنة تبرز الحاجة الملحة لتبني استراتيجية فلسطينية شاملة، تعمل على استنهاض كل عناصر القوة داخل المجتمع الفلسطيني، وإعادة الاعتبار لقضيته الوطنية، وترتكز على فكرة مواصلة النضال والمقاومة الوطنية بكافة أشكالها، بحيث إذا أخفق مسار كفاحي معين، يتوجب تبني مسار بديل، وأن يتأسس برنامج النضال الوطني على فكرة تعزيز صمود الشعب الفلسطيني فوق أرضه، وممارسة كافة أشكال المقاومة، والنضال ضد كل تجليات سياسات الاحتلال الاستيطانية والعنصرية، وأن تتواكب المقاومة الوطنية الفلسطينية في مساراتها الموازية والمتصلة على امتداد جغرافية التواجد الفلسطيني في الداخل والشتات، فإذا كان الهدف المعلن لفلسطينيي الأرض المحتلة هو إقامة دولة مستقلة، وكانت مطالب فلسطينيي 48هي المساواة والعدالة وضد سياسة التمييز العنصري، ومطالب فلسطينيي الشتات هي العودة؛ فإن الإستراتيجية الفلسطينية الشاملة، يجب أن تتضمن هذه الأهداف العادلة، وتصوغ برامجها الكفاحية على أساسها، بحيث تحافظ على وحدة الشعب وقضيته من خلال وحدة حقوقه لأن تهميش أي فئة من فئات الشعب الفلسطيني داخل الوطن أو خارجه ستؤدي إلى تقويض الهوية الوطنية الجامعة.
ان مرور26 عامًا على اتفاق أوسلو؛ أوجد بنية كاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وأمنية، ويغذيها ويقويها أصحاب المصالح الذين نموا في ظل الاحتلال والانقسام، وانتشروا في ظل غياب البدائل الوطنية الحقيقية، وهم يرون أن استمرار الاتفاقات والالتزامات هي بمنزلة بوليصة تأمين على الحياة لاستمرار السلطة وامتيازاتهم.
ان ما يجري في المنطقة وعلى امتداد العالم، يشير إلى أن العالم مقبل على نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، منظومة عالمية وإقليمية يتشكلان من جديد، ويمكن جدًا أن يكون للفلسطينيين حضورهم القوي والمميز إذا استطاعوا توفير مستلزمات الحضور المطلوبة.
ان فاز نتنياهو أو خسر الانتخابات، فان رهان الشعب الفلسطيني يجب ان يكون خارج هذه المعادلة, ويتمركز في وحدته وبرنامجه الوطني التوافقي والتزاماته البديلة عن أوسلو واستحقاقاته الفلسطينية، لأن جوهر المشروع الصهيوني وعلى اختلاف حكوماته المتعاقبة، يقوم على إلغاء المشروع الوطني الفلسطيني وخلق الحقائق على الأرض – استيطانا وزحفا وضما – ثم ترسيمها قانونيًا ومؤسسيًا في الوقت المناسب ويدعي أن هذا هو واقع الحال.
ساحة النقاش