هزيمة «السلطان» أردوغان الانتخابية في اسطنبول ما دلالاتها وتداعياتها؟
يونيو 29، 2019
<!--<!--
البناء = د. عصام نعمان* وزير سابق
اسطنبول كانت عاصمة سلطنة بني عثمان لأكثر من 400 سنة. السلطان العثماني كان أيضاً خليفة المسلمين مع أنّ أيّاً من سلاطين بني عثمان حجّ بيت الله الحرام.
أنهكت الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 السلطنة المترهلة، فكان أن أجهز عليها ضباط علمانيون بقيادة مصطفى كمال الذي أضحى، عقب إعلان الجمهورية العام 1923، رئيساً لها وأباً للأتراك أتاتورك .
بعد نحو قرن من الزمن تخللته حربٌ عالمية ثانية وحروب إقليمية متعددة، تربّع على قمة السلطة في الجمهورية العلمانية سلطان من طراز عثماني مغاير. إنه رجب طيب أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وهو طراز حديث من الإخوان المسلمين. «الإخوان» الأتراك سيطروا على الدولة منذ العام 2003، وفازوا في جميع الانتخابات النيابية التي جرت منذ ذلك التاريخ.
في الانتخابات البلدية الأخيرة آذار/ مارس الماضي فَقَد «الإخوان» الأتراك العاصمة أنقرة والعاصمة الاقتصادية اسطنبول والعاصمة التجارية والسياحية أزمير. شقّ على «السلطان» أردوغان خسارة اسطنبول التي سيطر حزبه على بلديتها طوال 25 سنة، فكان ان نظّم حملة واسعة لإعادة إجراء الانتخابات البلدية فيها بدعوى حصول تزوير ومخالفات متعددة في دورتها الأولى. حزب الشعب الجمهوري، الذي كان فاز مرشحه أكرم إمام أوغلو برئاسة البلدية، قَبِل التحدي وخاض المعركة متزعّماً جبهة عريضة تضمّ معظم الأحزاب المناوئة لأردوغان وحزبه.
لإسطنبول، البالغ عدد سكانها 15 مليوناً، أهمية سياسية واقتصادية كبيرة. لم يكن «السلطان» مغالياً عندما أعلن في ذروة دورة الانتخابات البلدية الأخيرة أنّ «من يفز في اسطنبول يفز بتركيا». لذلك بذل حزبه جهوداً مضنية لحشد الناخبين المحافظين الذين امتنع بعضهم، كما الناخبون الأكراد، عن التصويت في الدورة الأولى. اللافت والغريب قيام حزب العدالة والتنمية بتلطيف نبرته السياسية والإعلامية في شأن المسألة الكردية لدرجة أنّ مرشحه لرئاسة بلدية اسطنبول بن علي يلدريم ذهب إلى حدّ ذكر «كردستان»، وهي كلمة محظورة في أوساط معسكره. وكان أردوغان وكذلك وسائل إعلام رسمية أشارت إلى رسالة وجهها الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان من سجنه داعياً فيها أنصار حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد إلى الحياد. لكن الحزب المذكور ندّد بمناورةٍ قال إنّ السلطات الحكومية تقوم بها وتهدف إلى تقسيم الناخبين، داعياً إلى التصويت لمرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو.
ما دلالات سقوط مرشح السلطان «الإخواني» وتداعياته؟
أولى الدلالات دور الوضع الاقتصادي الصعب في هزيمة حزب العدالة والتنمية الحاكم. فقد بلغت نسبة التضخم 20 في المائة، بالإضافة إلى انهيار الليرة التركية وارتفاع نسبة البطالة.
ثانية الدلالات نشوء جبهة معارضة واسعة لأردوغان، في مقدّمها حزب الشعوب الديمقراطي ومن ورائه المجتمع الكردي بملايينه الـ18. ولا شك في أنّ الاتساع المضطرد في شعبية أحزاب المعارضة سينعكس سلباً على حزب أردوغان في الانتخابات النيابية المقبلة.
ثالثة الدلالات أنّ فوز مرشح المعارضة في اسطنبول بتأييد ملحوظ من الناخبين الأكراد عزّز وضع الأكراد السوريين الذين يتعاون بعضهم مع أميركا، ولا سيما تنظيمهم العسكري المعروف باسم «قوات سورية الديمقراطية»، الأمر الذي يزيد من مخاوف الحكومة التركية الرافضة لأيّ شكل من أشكال الحكم الذاتي للأكراد عموماً سواء في تركيا أو سورية أو العراق ويدفعها إلى التخفيف من مناوأتها للحكومة السورية وربما إلى الحدّ من دعم أنقرة الوازن لبعض التنظيمات الإرهابية المعادية والناشطة في محافظة إدلب السورية.
رابعة الدلالات أنّ هزيمة أردوغان في انتخابات اسطنبول البلدية ربما تدفعه إلى التعاون بفعالية أقوى مع الحكومة الروسية في سياستها الرامية إلى منع تقسيم سورية ولاستعادة سيادتها على كامل ترابها الوطني.
خامسة الدلالات أنّ هزيمة حزب العدالة والتنمية الإخواني في انتخابات اسطنبول البلدية يعزز معنويات قوى المقاومة في لبنان وسورية وفلسطين المحتلة وربما يدفع أردوغان إلى الانفتاح على سورية بعد طول عداء من جهة، والتعامل مع حكومتها القائمة من جهة أخرى بما يعزز جهودها ضدّ المسلحين من شتى التنظيمات الإرهابية، لا سيما تلك التي تدعمها أميركا و»إسرائيل».
هل يتعقل «السلطان» المأزوم؟
ساحة النقاش