هل دخل قرار ردع إسرائيل في سوريا حيز التنفيذ؟ ملاحظات حول الغارة الإسرائيلية الجديدة على دمشق
<!--<!--
– “رأي اليوم” محمد النوباني* كاتب فلسطيني
بداية لا بد من الإشارة إلى ان الخبر الذي نقلته“سبوتنيك“الروسية عن مصدر عسكري سوري ومفاده ان وسائط الدفاع الجوي أسقطت الصواريخ التي أطلقتها القوات الإسرائيلية ليل أمس على أهداف قرب دمشق بما فيها طائرة إسرائيلية مسيرة دونما حاجة لاستخدام صواريخ منظومة ال إس-٣٠٠يؤكد من ناحية على صحة الخبر الذي كان مصدره إسرائيل قبل عدة أيام ومفاده انه تم تفعيل هذه المنظومة وبالتالي على وجود قرار استراتيجي سوري تم اتخاذه بردع إسرائيل في سوريا أسوة بغزة من ناحية أخرى
وكما هو معروف فقد شنت إسرائيل، ومنذ اندلاع الحرب في سوريا وعلى سوريا، في إطار دعمها للعصابات التكفيرية المسلحة المقاتلة من أجل إسقاط الدولة السورية أكثر من ٢٠٠غارة جوية وصاروخية على الأراضي السورية تارة تحت عنوان منع نقل أسلحة إيرانية كسارة التوازن إلى حزب الله اللبناني وتارة أخرى تحت عنوان منع التموضع الإيراني فيها وطورا لتدمير مراكز أبحاث وقتل علماء …الخ.
ولكن توقيت غارة الأمس التي قيل بأنها استهدفت مواقع إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله اللبناني قرب دمشق يشي بان هذا الاعتداء جاء لاختبار جاهزية منظومة ال إس-٣٠٠ كما ان له علاقة بالتوتر الحاصل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وبتفجيرات ناقلات النفط في الفجيرة وهجوم الطائرات الحوثية المسيرة على مواقع نفطية وحيوية سعودية في الرياض قبل أيام قليلة
فإسرائيل لها مصلحة بان يفضي هذا التوتر بين الولايات المتحدة وإيران إلى اندلاع حرب طاحنة بين البلدين تخرج إسرائيل منها الرابح الأكبر. وليس إلى مفاوضات تكرس إيران قوة إقليمية كبرى
ولذلك قد لاحظ المراقبون السياسيون أن الغارة الإسرائيلية الجديدة جاءت تزامنا مع الزيارة التي يقوم بها قاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني لبيروت بعد انتهاء زيارة مماثلة لبغداد قيل بأنها تهدف لتنسيق المواقف بين إيران وحلفائها في محور المقاومة للرد على إسرائيل في حال شنت أمريكا الحرب على إيران وبعد عدة ساعات من التصريح الناري الذي أدلى به رئيس اللجنة النووية في البرلمان الإيراني مجتنبي ذو النور وهدد فيه بمحو إسرائيل عن الخارطة خلال ثلاثين دقيقة فيما لو شنت أمريكا أي عدوان على إيران
وهذا يعني بان غارة الأمس وبصرف النظر عن طابعها الروتينية المعتاد كان من ضمن أهدافها أيضا تعمد إهانة وإذلال البرامان والحكومة والقيادة العسكرية الإيرانية وضرب مصداقيتها أمام الشعب الإيراني وأمام شعوب أطراف محور المقاومة من دون ان ننسى بطبيعة الحال ان في تلك الغارة ربما تكون رسالة من نتنياهو لحكام السعودية والإمارات مفادها أن إسرائيل معهما في خندق واحد ضد إيران
ولا أريد ان استبق الأحداث ولكن ثمة إحساس لدي ان غارة الأمس الإسرائيلية على دمشق شنت لحسابات إسرائيلية محضة وليس لحساب أمريكا التي لا تريد من نتنياهو القيام بأي عمل من شأنه أن يؤثر على جهودها الهادفة إلى ممارسة الحد الأقصى من الضغوط على إيران لإجبارها على الاستسلام لواشنطن من خلال الجلوس إلى طاولة المفاوضات وليس من خلال الحرب التي تقاتل فيها أمريكا نيابة عن إسرائيل كما يريد نتنياهو
لقد بنى نتنياهو سياسته العسكرية إزاء سوريا على أساس ان عدم رد سوريا ومحور المقاومة على الاعتداءات الجوية الإسرائيلية على الأراضي السورية سيبقى هو سيد الموقف ولكن إدراك الدولة السورية ان مواصلة سياسة ضبط النفس سوف يفتح شهية إسرائيل لمواصلة اعتداءاتها على سوريا كما يحلوا لها وبالتالي يجب تغيير قواعد الاشتباك معها مهما كلف ذلك من ثمن..
ناهيك عن أن استمرار الصمت على تلك الاعتداءات من شأنه في ان يقوي صقور الإدارة الأمريكية وموقف الثلاثي بولتون كوشنير ونتنياهو الداعي إلى اعتماد الخيار العسكري وليس المفاوضات أسلوبا وحيدا للتعامل مع إيران
لقد كان لسياسة الصبر الاستراتيجي التي اعتمدها محور المقاومة في التعامل مع الاعتداءات الجوية الإسرائيلية على سوريا ما يبررها حين كانت الأولوية يجب ان تعطى لاستكمال معارك الداخل السوري ولكن الأمور تغيرت اليوم بعد النجاحات العسكرية الكبيرة التي تحققت وانتقاء المسلحين عن معظم الجغرافيا السورية
والتقدير السائد في دمشق ان إسرائيل لم يعد بمقدورها عرقلة جهود الدولة السورية والحلفاء الهادفة إلى تحرير محافظة إدلب وريف حماة الشمالي الشرقي وريف اللاذقية وقاعدة التنف وشمال شرق الفرات وبالتالي فان الرد على اعتداءاتها بات ممكنا. ..
وهذا بعني بأنه يجب أيضا تجاوز تبرير عدم استخدام منظومة الدفاع الجوي السوري من طراز إس-٣٠٠ بدواعي عدم الرغبة في كشف وقدرات تلك المنظومة، وترك،ذلك إلى مواجهة أكثر واهم تختار سوريا وحلفاؤها زمانها ومكانها وليس إسرائيل لان الرد يمكن ان يكون من خلال استخدام أسلحة ردع إذا كانت ضرورات ميدانية علمانية تحول دون ذلك لغاية الآن.
باختصار فان الاعتقاد يراودني بان الغارة الإسرائيلية على دمشق هي دخول إسرائيلي على خط الأزمة الإيرانية الأمريكية في محاولة لتقوية وتعزيز الجهة المؤيدة للحرب مع إيران داخل الإدارة الأمريكية وهذا يتناقض مع ما ذكر أمس بان واشنطن طلبت من إسرائيل عدم الدخول على خط الصراع مع إيران أسوة بما طلبته إدارة بوش من حكومة شامير بعدم الدخول عل خط الحرب مع العراق أيام جورج بوش الأب.عام ١٩٩١
فنتنياهو يعتقد انه إذا لم تحارب أمريكا اليوم إيران وتدمرها أسوة بما فعلته إدارتي بوش الأب وبوش الابن مع العراق، وفي ظل إدارة ترامب الأكثر صهيونية في التاريخ الأمريكي فان إسرائيل قد تضطر مستقبلا للدخول وحدها في حرب مع طهران وحلفائها وهذا سيكون انتحار لها.
على كل حال اللاعبون كثيرون والوضع في المنطقة خطير ومفتوح على كل الاحتمالات من المفاوضات إلى الحرب التي قد تنشب لأي خطأ في الحسابات.
ساحة النقاش