فقدوا البصر مع السمع ليعيشوا منذ لحظات الولادة فى «دنيا غير الدنيا»، ضمور فى مراكز السمع والإبصار بالمخ أدى لعزلهم عن العالم بعد أن أغلق طريق تعلم الكلام، أطفال فى عمر الزهور ولدوا بعيدين عن النور لكن أسرهم لم تفقد الأمل بعد. أمهات وآباء يحاولون تحدى إعاقة لا شفاء منها ويجربون كل شىء من أجل أن يصبح لأطفالهم حياة على مقاس الأمل. تعليمهم يبدأ باللمس، الحاسة الوحيدة المتبقية من حواس التعلم، حيث تتحول الأبجدية إلى حركات فى باطن اليد، وتبدو الجمل كأنها مجموعة من اللمسات المدروسة بعناية فائقة.
«رغم يقينى أنها تجربة إلا أننى أحسست أن الخوف يحتوينى فى عالم ممتد من الظلام، كان الرعب هو سيد الموقف مما جعلنى أحاول التشبث بالأرض» تلك المشاعر التى عايشتها د. سهير عبدالحفيظ صاحبة أول دراسة مصرية عن الصم المكفوفين حين جربت أن تعصب عينيها وتسد أذنيها وتتعامل مع العالم باللمس فقط.
آلاف من الصم المكفوفين الذين يعيشون معنا محرومون من أبسط حقوقهم الأساسية، بلا مدارس أو مراكز تأهيل، بلا تأمين صحى أو حتى قدرة على التشخيص الصحيح لحالاتهم. تجاهل تام يصل إلى عدم وجود أى إحصائيات حول أعدادهم فى مصر، اضطر سهير لقياس العدد «تقريبيا» بالاستناد إلى أعداد نظرائهم فى الدول الأوروبية حيث قدرت منظمة sense البريطانية أعدادهم بما يقرب من ربع مليون نسمة بمعدل ٤٠٠ شخص فقدوا السمع والبصر لكل ١٠٠ ألف نسمة وبالقياس على تلك النسبة يمكن القول بأن فى مصر ٣٤٠ ألف شخص يحتاجون إلى خدمات الصم المكفوفين ولا أحد يسمع عنهم. تفتح «المصرى اليوم» هذا الملف لتكشف عالماً بلا صوت ولا صورة يعيش فيه أطفال لا نعرف عنهم شيئا سوى أنهم مرضى وبعيدون عن كل شىء.