authentication required

                                         

 كتب يمنى مختار ٣١/ ٥/ ٢٠١٠
«حالة ما بين الرعب والترقب تسيطر عليك فور دخولك أى مكان مظلم، هناك حيث لا تعرف للمكان شكلا ولا وصفا ولا أبعادا، تحاول أن تتلمس الأمان فى حائط، تزحف قدماك ببطء، خوفا من أن تتعثر فتسقط، صوتك المشبع بالخوف يستجدى أى إنسان أن يصدر صوتا مماثلا ليشعر ببعض المؤانسة بعد أن تجردت فجأة من حاسة البصر».

هكذا شعر المشاركون فى تجربة «عشاء فى الظلام»، التى نظمتها الجمعية المصرية لدارسى العلوم الصحية فى برج القاهرة، وحضرتها «المصرى اليوم» مع الفنانة سيمون، والفنان تامر هجرس، والكاتبتين الصحفيتين، أمل فوزى ونهاد صالح، والأديبة هالة فهمى، والطبيبة النفسية مها شاهين، ود. نهلة صبحى، طبيبة العيون، والناشطة نادية أباظة، من جمعية النور والأمل.

تلك الفكرة المبتكرة التى تمتلك جمعية دارسى العلوم الصحية حقوق الملكية الفكرية لتطبيقها فى مصر، تم استخدامها كطريقة مبتكرة وإبداعية لمنح الشخصيات العامة فرصة ليعيشوا تجربة طفل كفيف فى تناول الطعام، كأبسط المهام التى يقوم بها فى حياته اليومية.

مدة التجربة ٣ ساعات فقط، وحين تبدأ يتبادل المبصرون وفاقدو نعمة البصر الأدوار، حيث يقف المبصر موقف المحتاج إلى دعم الكفيف، لأنه الوحيد القادر على التحرك فى الظلام، فيشعر المبصر بأنه المعاق الحقيقى، كما يحتاج إلى مساعدة الكفيف فى قراءة قائمة الطعام المطبوعة بطريقة برايل.

«حالة خاصة جدا، حسيت إنى بتغسل من جوه»، هكذا وصفت سيمون تجربتها، مؤكدة سعادتها بخوض تلك التجربة بصحبة الطفل أحمد، الذى وصفته بالفيلسوف، وأشارت إلى أن الجمعية استخدمت طريقة غير تقليدية لتوعية الناس، خاصة أن الكفيف هو من يقود المبصر داخل المكان.

«افتكرت إنى باكل رز بس طلع فى الآخر بروكلى.. قالتها سيمون، مؤكدة أن الظلام يساعد على الاستمتاع بتذوق الطعام، كما ينمى الخيال، حيث ظلت خلال مدة العشاء تتخيل شكل المكان الذى تجلس فيه، واكتشفت أن الظلام دفعها لأن تتحدث بصوت عال، وكأنها تحاول تعويض غياب حاسة الإبصار فى تلك اللحظة.الكاتبة الصحفية أمل فوزى كادت عيناها تدمعان وهى تقول: «أنا مكسوفة جدا من نفسى، طول الوقت بنشوف مكفوفين فى الشارع بيعيشوا معانا لكن مش بنحس بيهم» مؤكدة القدرات غير المحدودة التى يمتلكها المكفوفون فيكفى أنهم قادرون على إيجاد الطريقة السهلة التى يعيشون بها أضافت أمل: «إحنا اللى فاقدين حاجات كتير ولازم نعيد التفكير فى تعاملاتنا معاهم»، مقترحة أن تخصص المطاعم الكبيرة يوما لمعايشة تلك الحالة، يخصص عائدها للمكفوفين.

فى الظلام، الحكم على الناس لا يعتمد نهائيا على المظهر إنما من خلال الحكم على صدق الصوت، يمكن أن تحب شخصاً رغم أنك لم تره، وذلك لأنك تشعر به وبصدق صوته، فى الظلام تحاول أن ترسم وجوه الناس من حولك فى لوحة ألوانها الخيال، تحاول أن تترجم شخصياتهم فقط من خلال نبرة الصوت.

فى الظلام يبدو الإنسان أكثر تحررا، فعندما بدأت سيمون فى الغناء انطلق الجميع يردد وراءها أغنيتها الشهيرة «مش نظرة وابتسامة ومش كلمة والسلامة» ببساطة.

قسوة الظلام التى شعرت بها نهاد صالح جعلتها تخشى أن يصطدم بها أحد أو تمتد يد لتلمس جسدها، وهو الشعور الذى يلاقيه الكفيف يوميا فى الشارع، حيث يفاجأ بمن يلمس جسده، محاولا أن يعبر به الطريق.

«حسيت إنى معاقة».. تلك الكلمات القليلة التى لم تستطع الكاتبة الصحفية نهاد صالح أن تنطق بأكثر منها بعد أن غلبتها دموعها، لتؤكد أن هذه التجربة هى الأروع فى حياتها، رغم أنها قضت أكثر من ٢٥ عاما بين الجمعيات الأهلية التى تخدم الأشخاص ذوى الإعاقة، إلا أن أحدا منهم لم يفطن لتجربة بسيطة كتلك التى عايشتها، «دى تجربة ممكن أوى تغنى عن سنوات طويلة من الكلام حول حقوق المعاقين» وتؤكد نهاد «يكفى أن تعيش لحظات داخل هذا الظلام لتشعر بهم فعلا».

د. مها شاهين، استشارى الطب النفسى للأطفال، رغم أن مهام عملها تتطلب منها التواجد الدائم بين الأطفال المكفوفين، خاصة مع عملها فى مجال تأهيل الأطفال المكفوفين، ورغم أنها كثيرا ما كنت تطفئ أنوار بيتها لتعيش ولو للحظات قليلة أحاسيس الأطفال الذين تتعامل معهم، إلا أن تجربة العشاء كانت تبدو شديدة الاختلاف، فهى لا تعرف شيئا عن أبعاد المكان هذه المرة ومضطرة إلى التعامل مع هذا الظلام الذى يخبئ وراءه المجهول والمطلق. أكدت مها أن الناس عموما يتعاملون مع الكفيف بثلاث طرق: إما التعامل معه كطفل يحتاج طوال الوقت إلى الحماية والشفقة، أو كمعاق عليهم أن يفعلوا له كل شىء أو باعتباره صاحباً لديه قدرات خارقة وكل هذه طرق خاطئة والأفضل هو التعامل مع المكفوف كإنسان طبيعى.

طارق الشناوى، عضو مجلس إدارة جمعية «فجر التنوير»، يرى أن هناك دوما مبالغات فى تحسين صورة الكفيف بمحاولة إلصاق القدرات الخارقة به أو على النقيض تشويه صورته بالسخرية منه، خاصة فى الدراما المصرية.

تمنى الشناوى ألا يقتصر العشاء على الشخصيات العامة من الفنانين والصحفيين، حيث يرى أهمية أن يشارك المسؤولون فى الدولة فى تجربة العشاء، ليشعروا بما يشعر به المكفوفون.

«عشاء فى الظلام» تطبق لأول مرة فى مصر رغم أهميتها، بينما يطبقها الكثيرون فى الخارج. ففى هولندا مطاعم تكون فريق عملها الأساسى من المكفوفين من جرسونات وطباخين، كما تطبق تلك الفكرة فى بعض مطاعم لندن، ليس بهدف تشغيل المكفوفين، إنما لأنهم فطنوا إلى أن حاسة التذوق تعمل بصورة أفضل فى الظلام مع غياب المؤثرات البصرية.

«عباس» الجرسون الوحيد فى عشاء البرج، الذى تمكن من إضفاء حالة من الدفء والبهجة ليتحول إلى بطل الليلة بعد أن أدى مهمته ببراعة شديدة بدءاً من مساعدة الحضور فى الدخول إلى قاعة العشاء وحفظ أماكن المدعوين من خلال أصواتهم وتقديم الطلبات دون أن يقع منه شىء، رغم أنها ليست مهنته الأساسية، حيث يعمل كمسؤول للعلاقات العامة فى جمعية فجر التنوير.

شباب الجمعية المصرية لدارسى العلوم الصحية نجحوا من خلال فكرة بسيطة ومبتكرة نتجت عن شعورهم بالمسؤولية تجاه المجتمع، أن يثبتوا خلال ساعات قليلة أن المكفوفين لديهم قدرات غير محدودة ويمكن أن يتفوقوا فى كل المجالات، إلا أن نظرة الآخرين المحدودة هى التى تحاصرهم.

المصدر: المصري اليوم
7milliondisable

فريق عمل الموقع

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 383 مشاهدة

جمعية7مليون معاق

7milliondisable
جمعية7مليون معاق مشهرة برقم3809 ـ بتاريخ 5/1/2011 ـ وهي جمعية للاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف أنواعها:(الحركية-البصرية-الذهنية-السمعية ) »

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

206,164