رحلة النجاة
إننا اليوم على موعد مع رجل عظيم ، استجاب قلبه قبل أن تستجيب جوارحه لنداء الحق ’ رجل جسد الإصرار فى أسمى معانيه وتكبد العناء والمشقة وسلبت منه حريته و ذهب يجوب البلدان بحثا عن الحق والحقيقة .... إنه الرجل الذى نصر الله به المسلمين فى يوم الأحزاب .
رجل اشتاقت إليه الجنة ... نعم والله اشتاقت الجنة إليه.
إنه سلمان الفارسى الذى ضرب لنا أروع الأمثلة فى رحلته المباركة .. رحلة البحث عن الحقيقة .
فتعالوا أحكى لكم قصته التى رواها بنفسه وأمتعنا بها :
" كان سلمان رجلا فارسيا يعبد النار ، حتى أن مهمته كانت ألا يتركها تخبو ساعة ..وبينما هو ذاهب إلى ضيعة أبيه ليباشرها ،فمر بكنيسة من كنائس النصارى فدخل عليهم وأعجب بصلاتهم ، وقال : ( والله هذا خير من الذى نحن عليه ) وظل عندهم إلى أن غابت الشمس ، وسألهم أين أجد هذا الدين ؟ فقالوا بالشام .
وعندما سأله والده أ ين كان حكى له ما رأى ،
فقال له والده : ( ليس فى هذا الدين خير ،دينك ودين أبائك خير منه )
ولما رأى والده إصراره وإقتناعه بهذا الدين خاف عليه وحبسه في بيته،
وأول ما علم سلمان بتجار عائدين إلى الشام خرج مسرعا إليهم
وسافرمعهم إلى الشام وسأل أهلها من أفضل هذا الدين فقالوا له الأسقف فى الكنيسة.
فذهب إليه وخدم معه فى الكنيسة حتى مات , فأخذ رجل آخر مكانه وكان رجل صالح فأحبه سلمان حبا شديدا وأقام معه زمانا حتى حضرته الوفاة فأوصاه برجل بالموصل فلما مات ذهب إليه سلمان وقال له : (إن فلانا أوصانى أن ألحق بك وأقام عنده حتى حضرته الوفاة فأوصاه برجل آخر وهكذا وهو على عزمه وإصراره تكررمعه الحال عدة مرات .
وكان سلمان : يعمل ويكتسب حتى كان له بقرات وغنيمة
حتى جاء الموت للرجل الذى كان بصحبته فسأله سلمان : ( إلى من توصى بى؟
فقال له: ( والله لا أعلم أحد آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبى مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب به علامات لا تخفى يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة بين كتفيه خاتم النبوة فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل ) ثم مات .
يقول سلمان : ( وعندما مر بى تجار قلت لهم تحملونى إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتى وغنيمتى هذه قالوا نعم
فأعطيتهم إياها وحملونى حتى إذا قدموا بى وادى القرى ظلمونى وباعونى لرجل من اليهود حتى أخذت إلى المدينة ، وحين قدم النبى
إلى المدينة سمعت به فذهبت إليه وهو بقباء فدخلت عليه وقدمت له الطعام وقلت له بلغنى أنك رجل صالح معك أصحاب غرباء وهذا شئ للصدقة ،
فأعطاه الرسول لأصحابه ولم يأكل فقلت فى نفسى هذه واحدة .
ثم جئته بعد ذلك وقلت له إنى رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية فأكل رسول الله عليه الصلاه والسلام وأمر أصحابه فأكلوا معه فقلت هاتان اثنتان ،
ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد وقد تبع جنازة من أصحابه فاستدرت أنظر إلى ظهره لكى أرى الخاتم الذى وصف لى فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكى وقصصت عليه حديثى .
ما أروعها من لحظة فارقة تقشعر لها الأبدان حينما تكلل رحلة الشقاء بنور الحق والحقيقة
ويستكمل سلمان حديثه قائلا :وظللت فى الرق حتى قال لى رسول الله عليه الصلاة والسلام (كاتب يا سلمان) وقال لأصحابه أعينوا أخاكم فأعانونى وعتقت .
فشهدت مع رسول الله الخندق ثم لم يفتنى معه مشهد) .
هكذا كانت الحياة التى قضاها سلمان فى زهد وتواضع وورع وجود وكانت فضائله يتحدث بها الجميع ،
حتى رحل هذا الباحث عن الحقيقة عن تلك الدنيا ذات المتاع الزائل ليعيش فى النعيم الحقيقى فى جنة الرحمن مع الحبيب المصطفى الذى قال عنه : ( سلمان منا آل البيت) .
إنها العزيمة التى نفتقدها فى زمننا هذا تتجسد فى قلب هذا الرجل الذى لم يتوانى أبدا عن تحقيق هدفه.
وللأسف الشديد نحن الآن نبحر فوق عالم يموج بالفتن والأكاذيب
فلنركب جميعا قوارب النجاة ونبدأ رحلة البحث عن الحقيقة ربما تكون الرحلة شاقة ولكننا سنقتدى بهذا الصحابى الجليل الذى وصل بأمان إلى طريق الحق والهدى