جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
كيف صحت الشعوب العربية فجأة وبتحرك شبه متناسق وبنفس العزم والإصرار على تحقيق مطالبها وحرياتها وإزاحة الطواغيت وأذنابهم بل وعهدهم بخيره وشره؟
وهل يعقل ممن تحمل الظلم والقهر والاستبداد، واعتاد الخوف والسكوت، أن يثور من تلقاء نفسه وأن ينزع عنه ثوب الخوف والرهبة دون مقدمات؟
يزعم البعض أنها مؤامرات غربية وأميركية باستخدام مايسمى الفوضى الخلاقة ولايجدون لهذا التطور سببا غير هذا، ومع أني في الغالب ضد نظريات المؤامرة، ولا أتقبل هذا المنطق الساذج والسلبي في كل تفاصيل حياتنا، لكن المرء يقف متعجبا وفرحا في آن واحد من عدوى النهضة والثورة والصحوة.
من يتذكر حال الشعوب العربية قبل أشهر وكيف كان الرئيس هو المتحكم برقاب ومصير وتوجهات الشارع وكيف أنه كان يأمر وينهى ويظن أن الناس عبيد لديه لايرون غيره ولا يأتمرون إلا بأمره فإذا بالآية تنقلب وبالصورة تنعكس، وأنا على يقين أنه ما من رئيس أو حاكم عربي اليوم إلا وينام خائفا ويصحو وهو يترقب الأحداث من حوله، ويدرس أي قرار ويستشير فيه قبل أن يصدره، وقد كان لا يعير بالا لأحد، ويظن نفسه الحاكم بأمر الله، فسبحان مغير الأحوال ومقلب القلوب!!
مؤامرة الثورات
أعجب حينما يتلقف بعض السذج أو الطيبين ما تشيعه الأنظمة بطرقها السرية والخفية والساذجة من أن الثورات الأخيرة قامت بتحريض من الغرب وبإشارة منه وأنه لولا المخابرات والدعم الأميركي لما استطاعت هذه الثورات أن تنجح، إلى آخر الاستدلالات السطحية والتلفيق الخبيث الذي ينطلي على بعض العامة.
فهل كانت حادثة البوعزيزي وسحق إنسانيته الذي أطلقت شرارة تونس من صنع المخابرات الأميركية؟ وهل دوائر صنع القرار الأميركي هي من حطمت كرامة الشعب المصري وقتلت الشاب خالد سعيد تحت التعذيب لتنطلق الشرارة في مصر؟ وهل أوعزت المخابرات الأميركية للمقهورين والمضطهدين في ليبيا بالتظاهر بعد أن اعتقل الأمن الإجرامي هنالك المحامي فتحي تربل لتبدأ الثورة الميمونة؟؟
بل إن هذه كلها شرارات لنيران كبيرة كانت تتأجج في قلوب الشعوب المضطهدة، وقشات قصمت أظهر البعران الممتلئة حقدا وإجراما وعبثا، سنوات من التخلف وسنين من الإجرام وعقود من التجهيل والظلم والرعب والإهانة، ثم يتهمون الغرب وكأننا كنا نعيش بأفضل حال وكأن زمرة المجرمين كانوا وطنيين وقوميين شرفاء!!!!
وحدويون ! والبلاد شظايا
كل جزء من لحمها أجزاء
ماركسيون والجماهير تشقى
فلماذا لا يشبع الفقراء ؟
قرشيون ! لو رأتهم قريش
لاستجارت من رملها البيداء
لا يمين يجيرنا أو يسار
تحت حد السكين نحن سواء
حق الشعوب
«إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة » نقرأ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في كل مناسبة لكن أين نجد تطبيقه؟ وهل منا أمة يدعون حكامنا لإقامته؟ أم أن الظلم يقتصر على الأفراد ولا يجري على الحكومات والرؤساء؟
إن للشعوب حقوقا لايحق لحاكم أو غيره أن يمنعها منها فإن منعها فهو ظالم تجري عليه أحكام الظالمين، فليست الرئاسة تحكما في مصير الخلائق بل هي رعاية لمصالحهم وحفاظ على أمنهم وأمانهم لا أمن السلطان وأمانه هو !!
ومن أبرز وأهم هذه الحقوق العامة:
الحق الأول: أن تعيش الشعوب بكرامة، فتجد مصدر رزق حلال وكريم تعمل به وتترزق منه وتأكل من خلاله، وأظن أننا إلى الآن نجد شعوبا أو مناطق يصطف فيها المواطنون بالطوابير ليحصلوا على رغيف الخبز!! وهو أقل ماتقوم به الحياة،، بينما ساسة تلك الدول يبعثرون ثروات بلدانهم في صالات القمار وفي أحضان المومسات وعلى أعتاب الغرب.
من حق كل فرد أن يحصل على سكن مقبول، وخدمة صحية جيدة، وأمن حقيقي لا أمن مدعى حيث يكون تحت تهديد ومراقبة المخابرات والشرطة السرية طيلة حياته ولايأمن من زوار الفجر الذين أصبحوا يقتادون الآمنين فجرا وصباحا وظهرا.
من حق المواطن أن يحصل على وطن، فلا يهجر أو يضيق عليه ليهاجر بينما الغرباء يعيثون فسادا في وطنه، وهذا جرح عميق لو أردنا أن نتكلم عن هجرة العقول العربية وآثارها المدمرة على مستقبل أمتنا.
من حقه أن يعيش دون خوف يروعه، أو رشاوى يبعد بها تسلط زمرة الحكم عليه، أو هدر لكرامته يتوقعه في أي وقت وفي كل مكان داخل بلده.
الحق الثاني: الحرية الدينية، فالله سبحانه وتعالى كفلها للبشر بل ولمن يكفر به (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) فلا يحق للحكومات إجبار الناس على دين أو مذهب أو رأي والتضييق على كل مخالف.
الحق الثالث : حرية التعبير، فيحق لكل مواطن أن يكتب ويعبر عما يشاء إذا كان ضمن الأدب ومن غير إضرار بالآخرين، ولا أقصد بالإضرار تلفيقات الأمن والمخابرات، لأنهم يعتبرون كل ما يخالفهم إضرارا بأمن الدولة، لكن أقصد الضرر الفعلي والحقيقي للمواطنين، فيحق للمواطن أن ينتقد وأن يظهر رأيه ودينه ويبدي قناعاته كاملة.
الحق الرابع : فصل السلطات، لا أن يكون الرئيس هو المتحكم والآمر والمتدخل في شؤون البلد كلها، وكذلك أزلامه ومجرموه من عصابات الأمن، فتراهم يتدخلون في عمل الحكومة وفي البرلمان بل في اختيار أعضائه وحتى في القضاء وهنا تكمن الطامة الكبرى.
الحق الخامس : الحرية السياسية، يجب أن تجرى انتخابات حقيقية حرة ونزيهة، لا نرى فيها نسب الغباء السياسي الذي تمتهنه الحكومات العربية بانتخاب الرئيس بـ 99% و100% !!!
ولايكون القرار كله بيد حاكم واحد أو حزب واحد، ويسمح بتشكيل الأحزاب دون شروط تعقيدية وتعجيزية وكأن الحزب الحاكم شعب الله المختار وصفوته من خلقه!!
الحق السادس: الحفاظ على المال العام: أصبحت الحكومات العربية وأحزابها وأقطابها زمرة من المجرمين والتجار الكبار يكدسون المليارات بينما شعوبهم يلهثون وراء اللقمة والثوب!!
هذه أموال الشعوب لا أموال هؤلاء المجرمين وأعوانهم وأقاربهم، وغالبا ما يكون مصدر هذه الثروة توزيع الأراضي بأسعار زهيدة جدا أو بالمجان ليتربح الظلمة منها ويبيعوها بأرباح طائلة أو بالاستيلاء على مصادر الدخل العالي من شركات نفط وهواتف وغيرها.
ينبغي أن يكون هناك مجلس للمحاسبة لايتبع الحكومة بل يتبع البرلمان المنتخب أو القضاء النزيه وله اليد الطولى في محاسبة الرئيس فمن دونه عن مصادر أموالهم وثرواتهم.
حينما تتحقق هذه الحقوق ربما نستغرب وقتها من ثورات الشعوب على حكامهم، أما والحال هذا، والشعوب مطحونة مضطهدة مهدورة الحق والكرامة، فلا أظن أن الكام سيستمرون في هنائهم القديم.
اللهم انصر المظلوم على الظالم، والضحية على الجلاد.
المصدر: طارق السويدان