عالم السياسة والثقافة الإخباري .. محمد أمين المعايطة
(سلامة رأسك) أي رأس في الدنيا من اليوم إلى يوم القيامة سيسلم؟!!
توافد المعزون على السرادق المقام في وسط الشارع مما أدى إلى إغلاق الشارع وعرقلة مرور السيارات كيف لا!!! فمن يستطيع أن يمنعهم فهم دار الشيخ علي أبو القناوي وأخوالهم عائلة أبو الأمواس وأنسباؤهم عائلة أبو الطوشات.
اصطف أهل الميت صفا على باب السرادق ابتداء من عميدهم المسن ذو المئة وعشر سنوات وانتهاء بأصغرهم شاب يبلغ العشرين من عمره والذي اضطر بهذه المناسبة الحزينة أن يطيل شعر لحيته حزنا على جده المتوفى ذو المئة وخمسة وعشرين عام.
وقفوا وقد حشدوا تسعين شخصا ليتلقوا التعازي ويظهروا للمعزين أنهم عشيرة كبيرة لها شأن عظيم بعد أن لفوا رؤوسهم بشماغاتهم وتهدلت جفونهم واقتضبت وجوههم وخفتت أصواتهم للتعبير عن حزنهم على الفقيد.
كنت مع المعزين سمعت ممن قبلي من الرجال المعزين يقول للعجوز (سلامة رأسك يا حاج علي) اندهشت!!!وفكرت... أي رأس سيسلم من الموت على وجه هذه البسيطة إلى يوم القيامه وهل له الحق أن يهبه السلامة من مرسوم صادر عن هذا المعزي الذي لايملك هو أن يحفظ رأسه ويضمن له السلامة من الموت وقد قال الله تعالى (كل من عليها فان).
سمعت المعزي الذي يتبعني يقول بصوت جهوري (البقية في حياتك) اندهشت أكثر وأكثر!!! هل بقي للمتوفى بقية من عمره أم أن أجله حل وعمره انتهى لآخر ثانية لا بل ثالثة، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز (إذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون)
دخلنا إلى السرادق، جلسنا، سكبوا القهوة قدموا التمر المغطى بالهيل، وزعت كاسات الماء سمعت أصوات هرج ومرج، تتحدث عن الغلاء وارتفاع الأسعار، التوقيت الشتوي، عراك النواب ، عدم محاكمة الفاسدين، أجرة البيوت بعد اللاجئين السوريين، أسعار السيارات .. الأراضي، آخر النهفات على النسور.
لم أسمع أحدا يتحدث عن الفقيد، عن حديث دين، عن التقوى، عن التذكير في الآخرة، عن عبرة الموت....
بعد قليل أحضروا عشرات عشرات الطاولات قدموا المناسف المترعة بالرز واللحم والغاطسة بشراب الجميد هجم المعزين التهموا اللحم منهم تنقل لا أكثر من منسف -ياللعيب- شبعوا أتخموا وكلهم من نفس سكان الحي أثرياء بيوتهم لا تبعد إلا أمتارا قليلة ليس بينهم بسطاء أو فقراء...
حملوا بواقي المناسف ألقوها في الحاويات المقابلة للسرادق.
سمعت بعض من المعزين الملتهمين للمناسف هم وأولادهم (ياأخي اللحم استرالي، الرز نيئ، الجميد مش كركي) بالله عليكم مارأيكم لو جهز غداء أو عشاء ودعا إليه الفقراء المساكين ووزعت بواقي المناسف علي الجيران المتعففين؟!!
ماذا لو وزعت تكاليف الموائد والولائم على أسر عفيفة وعلى حافظات ماء في المساجد أو المساهمة في علاج مريض فقير يحتاج إلى عملية جراحية، أو جمعية خيرية أمينة وموثوقة وصالحة. ماذا لو أوقفت هذه العادات المظهرية في كل المجتمع الأردني والتي قصدها الشهرة والمفاخرة والتباهي وغالبا ما تحرج أهل المتوفى المفجعين بمصيبة أن يعدوا الولائم ويستدينوا من أجل إعدادها ليأكلها الوجهاء والأثرياء ويحرم منها الفقراء رغم أن السنة النبوية الشريفة تحض على ان يصنع لهم الطعام لانشغالهم وحزنهم وقد قال رسولنا العظيم محمد صلى الله عليه وسلم: ( ﺍﺻْﻨَﻌُﻮﺍ ﻵﻝِ ﺟَﻌْﻔَﺮٍ ﻃَﻌَﺎﻣًﺎ ﻓَﻘَﺪْ ﺃَﺗَﺎﻫُﻢْ ﻣَﺎﻳُﺸْﻐِﻠُﻬُﻢْ ) صدقت وأصبت يارسول الله. وإن عبارات العزاء الصحيحة في الإسلام وهي الأفضل: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى) .. (يرحم مافقدتم) .. (عظم الله أجركم) .. (سلم الدين والإسلام)
وليس (سلامة رأسك .. والبقية في حياتك..)
محمد أمين المعايطة