الكرنفال احتفال واستعراض شعبي، يختلف من بلد لآخر، يجمع بين السيرك والاحتفالات الشعبية التي تجوب الشوارع، وأصل الكلمة ما زال غامضاً حتى الآن، فهناك من يقول إن المصدر الأساسي للكلمة أتى من الكلمة الايطالية كارني “Carne” أو كارنوفالي “Carnovale” التي أتت من اللاتينية “Carnem” التي تعني اللحم، و ليفاري “Levare” التي تعني المخفف، وحرفياً تعني الابتعاد عن اللحوم. وقيل إنها نشأت من المعنى اللاتيني كاروس نافيلس “Carrus Navalis” والتي أتت من اليونانية، وهي عربة كانت تحمل الإله أبوللو، ليطوف بها بين الناس. أما أصل الكرنفالات فالروايات أيضاً متعددة، فحسب موسوعة ويكيبيديا يقال إن الكرنفال أتى من عيد كان يقام لساتور وستورن في أواخر الحكم الروماني، وكانت هذه المهرجانات تتميز بالتحرر وعدم الانضباط. وهناك رواية أخرى تقول إن الكرنفالات نشأت في سويسرا قبل المسيحية، فكانت الاحتفالات تقام مع بداية الربيع لطرد الأرواح الشريرة، وكان الناس في هذه الاحتفالات يرتدون الأقنعة، وتتقدم الوفود الفرق الموسيقية.

وذكرت نظرية أخرى أن أصل الكرنفال يعود إلى العصور القديمة، حيث كانت تقام مهرجانات شعبية احتفالاً بقدوم الربيع، وكانت الحياة الاجتماعية تنقلب في هذه المهرجانات رأساً على عقب، ويصبح السادة والأمراء عبيداً والعبيد أمراء، فيولّى أحد العامة الحكم ليتمتع في بلاط الملك خمسة أيام كاملة، ويتم إعدامه نهاية اليوم الخامس، ويكون دمه قرباناً للآلهة التي يتم التصالح معها في بداية عهد جديد للملك الذي يتسلم مقاليد ملكه. وفي وقتنا الحاضر تملأ الكرنفالات والاحتفالات العالم، وأشهرها كرنفال ريو دي جانيرو والبورج في الدنمارك و ماستريخت في هولندا والبندقية في ايطاليا وقاديش في اسبانيا و كولن و ماينز و دوسلدورف في ألمانيا وغيرها الكثير حتى أنه يوجد أكثر من ثلاثين كرنفالاً في مختلف أنحاء العالم. ويعتبر كرنفال مدينة كولن الألمانية من أشهر الكرنفالات في القارة الأوروبية، إذ انه مع حلول “يوم الاثنين الوردي” تشهد تلك المدينة ذروة الاحتفالات بكرنفالها السنوي. وتبدأ هذه الاحتفالات في الحادي عشر من نوفمبر في تمام الساعة الحادية عشرة وإحدى عشرة دقيقة وتنتهي بحلول عيد أول أيام الصوم الكبير أو ما يعرف بأربعاء الرماد. ويقال إن بداية هذا الكرنفال تعود إلى وقت ما يشبه ثورة النساء على سيطرة الرجال قبل نحو قرنين، وحدث ذلك في وقت ساد فيه هضم لحقوقهن، وكتعبير عن زوال سيطرة الرجل التقليدية على المرأة، يبدأ الكرنفال بتقليد تقص خلاله النساء ربطات العنق لأزواجهن وللرجال الآخرين. وبعد إتمام التحضيرات، يحتفلن في مجموعات خاصة بهن، وخلال ذلك يرتدين الملابس التنكرية وفقاً لخرافة قديمة تقول إنها تطرد الأرواح الشريرة التي تمنع حلول فصل الربيع الذي يطول انتظاره بعد شتاء بارد.

ويعتبر كرنفال ريو دي جانيرو، الأشهر عالمياً لما يتميز به من هالة إعلامية تغطي فعالياته ويستقطب الحضور من جميع أنحاء العالم. جذور المهرجان تعود إلى فترة الاستعمار وتحديداً عام 1723 عندما قام المهاجرون من الجزر البرتغالية اكوريس وماديرا وكابو فيردي، ونشروا تقليداً يسمى انترودو يقوم على فكرة خروج الناس إلى الشوارع مع سلال من الماء والليمون فيبدأون برمي بعضهم وحتى الإمبراطور كان يشارك في هذه الاحتفالات.

صانع الأحذية البرتغالي خوسيه نوجويرا دي أريفيدو أضاف جديداً للكرنفال، عندما ابتدع فكرة مع رفاقه وطبقوها بالنزول معهم إلى الشارع حاملين الطبول والدفوف والصفارات، وكان يطلق عليهم اسم “كوردوس”، كما تم اقتباس فكرة حمل الكرات والحفلات التنكرية من باريس.

مرحلة أخرى من مراحل تطور الكرنفال حدثت عام ،1855 وذلك بحضور الإمبراطور بنفسه حيث تجمع نحو 80 ارستقراطيا متنكرين بوجوه مقنعة ومرتدين أزياء فخمة، تحيط بهم الموسيقى والأزهار.

ويأخذ هذا الكرنفال حالياً شكل مسابقة راقصة، حيث تتنافس فيه أكثر من 14 مدرسة للسامبا في البلاد، ويصور تلفزيونياً على الهواء مباشرة ليتابعه المشاهدون في شتى أنحاء البلاد ومناطق أخرى من العالم. وتتبارى المدارس في تقديم الرقصات وسط صخب من الألوان الزاهية، وموسيقى السامبا، التي يشارك فيها من كل مدرسة نحو 4000 راقص وراقصة. أما الملابس التي يدخل فيها ريش النعام والحرير، فتصل تكلفتها إلى نحو 15 ألف دولار أمريكي، وترجع جذور مدارس السامبا إلى أحياء ريو دي جانيرو الفقيرة، وهي تعطي السياح فرصة للمشاركة في الموكب مقابل مبلغ يتراوح بين 150 و300 دولار أمريكي، لكن معظم التمويل يأتي من شركات كبرى.

ومدارس السامبا تستغل هذا الكرنفال لتقدم أفضل ما ابتكرته من التقنيات الاستعراضية ما بين حركات تعبيرية وملابس تنكرية وأزياء باهرة بالزخارف والألوان، ساعية الى الفوز في إطار مسابقة ضخمة جائزتها مجرد لقب وهو لقب بطلة الكرنفال. ويقام الكرنفال في باحة الاستعراضات التي يطلق عليها اسم السامبا دروم. وبالنسبة الى لجنة تحكيم مسابقة الكرنفال، فتعتمد قواعد صارمة جداً في حيثيات منحها لقب “أفضل مدرسة سامبا لكرنفال العام” إذ إن أي رداء ممزق في طرفه أو حذاء غير لائق، أو حتى عجلة لا تدور كما يجب في عربة من عربات الاستعراض، يمكن ان تُفقد نقطة أو نصف نقطة للمدرسة المعنية. أما معايير التحكيم الأخرى فتتعلق بالموسيقى المختارة، والإيقاعات، والفكرة المعتمدة كموضوع للتابلوه الراقص، وحركة الراقصين كمجموعة وكأفراد. وخلال الكرنفال يتم اختيار رجل سمين لتمثيل دور “ري مومو” أي ملك الكرنفال.

كما يعتبر كرنفال جزيرة كوراكاو في الكاريبي واحداً من الكرنفالات الشهيرة وتعود جذوره الى عادات وتقاليد منها معيشة الفلاحين وسط الطبيعة، ولأن اعتمادهم على الطقس الجيد للحصول على محصول وفير فإنهم كانوا يحاولون التأثير في الطبيعة التي تؤثر في المحاصيل. ومن فعاليات الكرنفال اختيار ملكة للكرنفال تمثل “الأم كوكب الأرض” رمز الخصوبة والسلام تشعل شعلة كل العربات المشاركة في الكرنفال والمسيرة. وهناك أيضا بالإضافة الى الملكة، الملك أو ما يسمى “برنس و بانشو” اللذين يتم انتخابهما في إطار مسابقة كرتونية. الملك والملكة يتسلمان مفتاح المدينة من الحاكم طوال فترة الكرنفال.