استشارات زوجية

موقع يعرض لأهم مشكلات الأسرة ونحاول حلها من خلال المتخصصين

روي أن أحد الأزواج البخلاء طبخ قدراً من الطعام وجلس يأكل مع زوجته، فقال: ما أطيب هذا الطعام لولا كثرة الزحام!! فقالت امرأته: أي زحام ولا يوجد إلا أنا وأنت!! فقال: كنت أحب أن أكون أنا والقدر فقط!
وقيل إن امرأة بشَّرَتْ زوجها البخيل بأن ابنها بدأت أسنانه تظهر، فقال: أتبشرينني بعدوّ الخبز؟!! اذهبي إلى أهلك!
وقال رجل من البخلاء لأولاده: اشتروا لي لحماً، فاشتروه، فأمرهم بطبخه، فلما استوى أكله جميعه حتى لم يبق في يديه إلا عظمة، كل هذا وعيون أولاده ترمقه. فقال: لن أعطي هذه العظمة أحداً منكم حتى يحسن وصف أكلها. فقال ولده الأكبر: أمشمشها يا أبتِ وأمصمصها حتى لا أدع للذر فيها مقيلاً. قال الرجل: لست بصاحبها. فقال الابن الأوسط: ألوكُها يا أبتِ وألحسها حتى لا يدري أحد لعام أو لعامين.
فقال الرجل: لست بصاحبها، فقال الأصغر: يا أبتِ أمُصُّها ثم أدُقها وأسفّها. قال: أنت صاحبها وهي لك. زادك الله معرفةً وحزماً!
هذه النوادر والنكت تسلط الضوء على صفةٍ ذميمة هي البخل، وخاصةً إذا مارسها الإنسان مع مَنْ يجب عليه نفقتهم، ومن أقرب هؤلاء إليه زوجته وأولاده.
فما المقصود ببخل الزوج هنا؟ وما حدوده؟ وهل البخل صفة موروثة أم مكتسبة؟ وما أضرار البخل؟ وهل يمكن علاجه؟ وكيف؟
في هذا المقال وما يليه أحاول أن ألقي الضوء على هذه الصفة الذميمة، التي تنتشر في بيوت كثيرة، وتصدر عن أزواج كثيرين، ربما ادعى بعضهم أنهم ملتزمون بدين الله، وخلطوا بين البخل والتدبير، فأذاقوا زوجاتهم وأولادهم كؤوس الجوع والمذلة والهوان، وكانت عاقبة هذه البيوت التي بخل أربابها العقد النفسية والاضطرابات والحرمان والضياع والتشريد والدمار...!!

بخل الزوج بالمال والعاطفة

عندما تصل إلى آذاننا كلمة "البخل" يتبادر إلى الأذهان الشُّح، وحبس المال عن الاستمتاع به، والامتناع عن الإنفاق أو قلّته، فإذا ذُكر الزوج البخيل انصرف الذهن إلى ذلك الرجل الذي يضن بالمال عن زوجته وأهل بيته ومن يعولهم.. فهل هذا هو البخل؟
إن بخل الزوج بالعاطفة أشدُّ على الزوجة من البخل بالمال، وفي كليهما أذى وإيلام للزوجة، فقد تحتمل الزوجة بخل الزوج بالمال، ولكنها لا تستطيع أن تتحمل بخله بالعواطف والمشاعر وكلمات الثناء، وقد تعوض الزوجة شح إنفاق الزوج بمساعدة أهلها لها، أو بعمل تعمله، أو بدخل يأتيها، أو ولد يكرمها، لكن إذا بخل الزوج بعواطفه ومشاعره وحبه وحنانه الزوجي فلا طريق إلى تعويض ذلك لدى الزوجة.
وإن نعجب فعجب أن يكيل الزوج لزميلاته أو قريباته كلمات الثناء والشكر والإطراء والإعجاب بغير حساب، ويبخل بذلك كله على زوجته، مع أنه يأتي بيته فيجده نظيفاً منسقاً، ويجد مخدعه مهيأً، وزوجته قد تزينت له وتعطرت، وأعدت طعاماً يحبه، وشراباً يشتهيه، وظلت ساعات أو سويعات تنتظر رجوعه وأوبته، فإذا ما دخل بيته لا ينتبه لمجهود زوجته وبصماتها على بيته وأولاده ونفسها.
إن هذا الزوج يجد ذلك كله أو بعضه فلا يشكر زوجته على طعام، ولا يثني عليها على جمال، ولا يقدر مشاعرها! إن مثل هذا الزوج قد ماتت مشاعره ونخوته، واختل ميزان التقدير عنده، فأصاب زوجته بإحباطٍ ربما كانت تتحمله من غير زوجها، لكنها لا تحتمله من زوجها، ذلك أنها تنتظر منه ومنه بالذات تقديراً لأفعالها وتصرفاتها ولو خذلها كل الناس. أما أن يخذلها زوجها، فإن ذلك يجعلها تنهار من الداخل، ومن ثم يتصدع الكيان الأسري، ويضعف المجتمع.

البخل .. مكتسب أم موروث؟

يرجح علماء النفس والتربية أن البخل غالباً عادة مكتسبة، وهي عادة ذميمة علاجها صعب إن لم يكن مستحيلاً وتأتي صعوبة علاجه من صعوبة اعتراف البخيل بأنه حامل لهذا الفيروس الذميم، فأكثر البخلاء لا يقبلون أن يوصفوا بذلك، ويهذبون المسمى، حيث تجدهم يصفون تصرفاتهم بأنها "تدبير" و"ليست بخلاً"!! والمريض إذا فقد الإحساس بأنه مريض فهذا معناه أنه دخل في مرحلة مرضية يصعب معها علاجه.

عواقب بخل الزوج

لبخل الزوج عواقب وأضرار، من أهمها:
1 نفور الزوجة من زوجها: وهذا يؤدي إلى تصدع البنيان الأسري، فالمرأة مفطورة على حب إكرام زوجها لها، وهي تعتبر إكرامه لها من أهم معايير حبه لها، ومن هنا فهي تحب الزوج الكريم، وتكره الزوج البخيل.
2 شعور الأولاد والزوجة بالحرمان: وهذا يسبب لديهم عقداً نفسية قد تؤدي إلى سلوكيات ضارة ممقوتة كالسرقة، والانتقام والغيرة.. وغير ذلك.
3 قد تضطر الزوجة إلى الأخذ من مال الزوج دون علمه: حتى توفر لنفسها وأولادها الاحتياجات الأساسية.. وقد أباح الشرع ذلك شريطة أن تأخذ بالمعروف على قدر الاحتياج، وإن كان الشرع أباح ذلك، إلا أن الأمر إذا اكتشفه الزوج قد تجد الزوجة نفسها مضطرة أحياناً إلى الكذب وإخفاء الحقيقة خشية العقاب أو إثارة المشاكل، ومن ثم تغيب الشفافية والمصارحة عن أجواء البيت.
4 تقطيع الرحم والروابط الاجتماعية: فالبخيل يرفض زيارة الأقارب والأصدقاء والآخرين تجنباً للمصروفات وشراء الهدايا، وهو أيضاً يعرض عن زيارتهم له، لأن ذلك سيكلفه واجبات الضيافة.
5 وقوع ألم نفسي وجسدي بسبب الحرمان الذي تعانيه الزوجة والأطفال: مما يؤدي إلى مشكلات أسرية تنعكس على الصحة النفسية لأفرادها، والتأخر الدراسي لأولادها، وقد ينتهي الأمر إلى الطلاق.
6 بغض الله تعالى للبخيل ثم بغض الناس له، وبيان أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه: (ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه) (محمد:38). كما قال ربنا عز وجل: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) (التغابن: 16)، وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن "الكريم قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد عن النار، والبخيل بعيد عن الله، بعيد عن الناس، بعيد عن الجنة، قريب من النار".
فلنستعذ جميعاً من البخل، كما استعاذ منه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلمنا ذلك في دعائه المأثور: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

المصدر: د. سمير يونس - أستاذ المناهج وأساليب التربية الاسلامية المساعد - مجلة المجتمع
zwag

مستشارك الأسري

  • Currently 238/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
79 تصويتات / 5233 مشاهدة
نشرت فى 24 فبراير 2010 بواسطة zwag

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

307,616