أنا متزوجة من ثلاث سنوات من رجل صاحب خلق ودين، زوج والله إني سعيدة بالاقتران به من حسن خلقه، إنسان طموح، متعلم، غير مقصر رغم انشغاله، أشعر أني محظوظة بالارتباط به، ولدي منه ثلاثة أطفال، أسال الله أن يبارك فيهم ويجعلهم ذرية صالحة مصلحة.
وسوف تسأل وتقول أين المشكلة إذن؟ المشكلة هي: أن زوجي كثير الكلام عن الزواج الثاني، وهو من مؤيدي الزواج الثاني، وكلامه يزعجي حتى وإن كان يتكلم بشكل عام عن الموضوع، ومرات كثيرة يقول لي أنا سوف أتزوج لأني أشعر أنه لا تكفيني زوجة واحدة، ويحلف بأنه لا يريد الزواج لسبب مني بل هو يثني علي وعلى أخلاقي وعلى اهتمامي به وبالأطفال، وهو دائما يتكلم بهذا الشكل الذي بصراحة يجعلني أنفر منه ويحزنني، وأشعر بالاكتئاب، ويجعلني أشعر وكأني أعيش معه أياما معدوات؛ لأني أشعر بأني لن أستطيع أن أكمل معه إذا تزوج.
وأنا دائما أقول له لماذا تتكلم عن الموضوع أنت لا تريد الزواج بالوقت الحالي؛ لأنه يقول أنا سوف أتزوج بعد خمس سنوات، فيرد ويقول لا بد من تغير نظرة النساء للزواج الثاني، ويقول من أن شيخ ما قال دندنوا على زوجاتكم عن موضوع الزواج الثاني حتى يتأقلمن، وأنا مع احترامي للشيخ الفاضل إلا أني أرى هذه الدندنة تجعل الحياة تعيسة، رغم أنه لم يتزوج بعد، في كل مرة أقول لنفسي إذا تكلم عن الموضوع لن أرد وكأن الموضوع لم يكن، ولكن والله من شدة حبي له وغيرتي عليه لا أستطيع أن أسكت أو أتجاهل، تنتابني الأحزان والضيق فتؤثر على تعاملي معه، ومن ثم يسألني لماذا أنت متضايقة؟ ولماذا أنت هكذا كئيبة؟ وهو يعلم ما بي!
نصحته أكثر من مرة لا تفتح الموضوع، دعنا نعيش يومنا بسلامة وسعادة وراحة بال، دع الأيام تسير إلى أن يكتب الله لك الزواج، تكلم بالموضوع في الوقت الذي يكون فيه الكلام جديا، أريد مشورتكم، إذا تكلم بالموضوع ماذا يجب علي فعله هل أسكت؟ وما الحل لئلا يتكلم؟
وأريد منكم توجيه رسالة لزوجي بهذا الموضوع هل صحيح الدندنة تنفع مع الزوجة كي تتأقلم؟ واسمحوا لي على الإطالة.
الإجابة
واضح - بحمد الله عز وجل – أننا أمام امرأة مؤمنة تحرص على طاعة الله عز وجل، فأنت بكرم من الله وفضل قد أنشأت مع زوجك الكريم هذه الأسرة المؤمنة وهذه الذرية الصالحة التي نسأل الله عز وجل أن يجعلها قرة عينٍ لكما، هذا عدا تقديرك الظاهر لزوجك وحبك الكبير له، فهذا من فضل الله عليكما، فالحمد لله الذي ألف بين قلوبكم وأصلح ذات بينكم وجعلكم المودة والاحترام والسكينة والطمأنينة، وواضح أيضًا أننا أمام امرأة مؤمنة تحرص على امتثال أمر الله عز وجل، فأنت بكرم من الله وفضل تقرين بما أمر الله جل وعلا به وحاشاك أن ترفضي شرعه، فها أنت الآن تقرين وبكل وضوح أن الزواج من امرأة أخرى هو من حق زوجك الشرعي الذي لا تعارضينه ولا تبدين اعتراضًا على أي حكم يصدر من الله جل وعلا كيف وأنت المرأة المؤمنة التي أسلمت نفسها لله؛ ولذلك قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً}.
فأنت - بحمد الله عز وجل – مقرة بذلك ولا إشكال لديك في مشروعية هذا الأمر وإن كنت تجدين في نفسك كأي امرأة سوية الفطرة غيرة على زوجك وتتحرك نفسك لأجل ذلك، فهذا أمر جبلي في نفس أي امرأة، بل إن هذا يدل على سلامة فطرتها ويدل أيضًا على محبتها لزوجها، وقد كانت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم – يقع بينهنَّ شيء من الغيرة وربما صدر من بعضهنَّ – رضي الله عنهنَّ أجمعين – شيءٌ مما تؤدي إليه هذه الغيرة، وكان - صلوات الله وسلامه عليه – يعذرهنَّ في ذلك غاية العذر؛ لأن هذا من جبلة المرأة وفطرتها.
وزوجك الكريم ظاهر فيه - بحمد الله عز وجل – أنه متبع لشرع الله جل وعلا وأنه بشهادتك صاحب خلق ودين، فالحمد لله الذي منَّ الله عليك به وجعله قرة عينٍ لك، ولكن ما أشرت إليه من أنه يديم فتح هذا الموضوع معك وبكثرة فقصده من ذلك ظاهر وهو أن يعودك عليه وأن يجعله أمرًا اعتياديًا بالنسبة لك حتى لا تتضايقي منه، وفي هذا الأسلوب نظر وإن كان قصده سليمًا ونيته صالحة - حفظه الله تعالى ورعاه – فالصواب هو ألا يكثر من هذا الكلام بهذه الصورة لأن في ذلك نغصٌ عليك ولأن ذلك يحركك، حتى النبي - صلى الله عليه وسلم – قد بيَّن أن ابنته الكريمة الطاهرة الصديقة فاطمة بنت محمد - صلوات الله وسلامه عليه – تتضايق من هذا الأمر، فلما همَّ عليٌّ – رضي الله عنه – أن يتزوج عليها أخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال: (إن فاطمة بضعة مني – أي قطعة مني – يريبني ما يريبها – أي يحركني ما يحركها -). ولذلك خص الله نبيه - صلوات الله وسلامه عليه – بهذا الحكم وهو حرمة أن يتزوج عليُّ - رضي الله عنه - امرأة أخرى على ابنته؛ لأنه رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه – وتحرم أذيته بأي صورة من الصور، وهذا الحديث يحتاج إلى بسط ليس هذا موضعه، وقد أشرنا إليه إشارة لبيان المقصود وهو أن الغيرة في قلب المرأة من الزواج عليها هو فطرة تشترك فيها الصالحات والصديقات أيضًا، فنوجه كلمتنا لزوجك الكريم - حفظه الله تعالى ورعاه – بأن لا يكثر من ذكر هذا الأمر طالما أن زوجته قد منَّ الله عليها بالإذعان لطاعة الله والتسليم لهذه الشريعة الربانية وبيان أن هذا حقه الشرعي وهي لا تقف في وجهه ولا تنكر ذلك، فينبغي حينئذ ألا تكثر من ذكره بصورة ينغص عليها عيشها وينغص عليها سعادتها.
ولكن لا مانع أن يقول الزوج لزوجته: إني أريد أن أتزوج وأن آخذ بما أحل الله لي وذلك لحاجتي إلى الزواج من أخرى، وهذا ليس نقصًا فيك ولا لعيب فيك وإنما لحاجتي إلى زوجة أخرى.. فلو قالت له زوجته: إن هذا حقك الشرعي ولك ذلك؛ فحينئذ لا ينبغي أن يكون هنالك كثرة تكرار وترداد لهذا الأمر على صورة تنغص على الزوجة حياتها وتقلقها وتجعلها تشعر بالنغص والألم في قلبها، فينبغي لك – حفظك الله تعالى ورعاك – أن تراعي هذا الأمر مع أن قصدك واضح أنه صالح ومحمود وأنك لا تبغي إلا الخير ولا تقصد أذية زوجتك ولا أن تسيء إليها، ولكن الضرر يقع عليها بمجرد ذكر هذا الموضوع، فإذا أردت الزواج فلتتزوج دون أن يكون هنالك كثرة ذكر للموضوع أمامها، وهذا قد أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم – في أحاديثه العظيمة، فإن هذا يدخل تحت الأصل العام وهو حسن التعامل والعشرة بالمعروف - كما لا يخفى على نظرك الكريم – ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وخياركم خياركم لنسائهم) رواه الترمذي في السنن.
ولا ريب أن تجنب ذكر المواضيع التي تشعر الزوجة بالغيرة الشديدة والألم هو من الأمور المطلوبة ومن حسن التعامل الذي تؤجر عليه - بإذن الله عز وجل – .
فهذا هو الذي ينبغي أن يكون في هذا الأمر – وهو الاعتدال والتوسط – دون أن يكون هنالك كثرة كلام في هذا الأمر، بل إذا حصل المقصود وحصل التوافق على أصل الإباحة في هذا الأمر وأن هذا هو مقتضى هذه الشريعة الكاملة فحينئذ فلا داعي تكرار هذا الموضوع وحصول النغص وحصول القلق لزوجتك الكريمة، هذا مع كونك - بحمد الله عز وجل – أحرص الناس عليها وأشدهم رعاية لها وحفاظًا عليها، ولكن هذا الموضوع له في نفوس النساء موقع عظيم - كما لا يخفى على نظرك الكريم – .
فينبغي أن يراع هذا الأمر وألا يبالغ فيه، فإن خير الأمور أعدلها وأوسطها، وها هو النبيُّ - صلوات الله وسلامه عليه – كان يتزوج ولربما تزوج المرأة دون أن يستأذن نساءه أو يخبرهنَّ بذلك؛ لأن هذا من حقه الشرعي وليس من شرطه إذن الزوجة كما هو معلوم، فلا يشترط إذن الزوجة باتفاق الفقهاء – عليهم جميعًا رحمة الله تعالى – فعليكم بالأخذ بهذا القدر المعتدل في التعامل، والله يتولاكم برحمته ويرعاكم بكرمه.
ونسأل الله عز وجل لكم التوفيق والسداد وأن يشرح صدوركم وأن ييسر أموركم وأن يرزقكم الذرية الطيبة وأن يزدكم مودة وفضلاً وأن يجعلكم من عباد الله الصالحين، وأهلاً وسهلاً بكم وبمراسلتكم إلى الشبكة الإسلامية التي ترحب بكم وبمراسلتكم الكريمة.
ساحة النقاش