مقالات د. زياد موسى عبد المعطي

خواطر إيمانية، ومعلومات علمية، وتنمية بشرية، والدين والحياة، والعلم والإيمان، وآراء في قضاية مختلفة

<!--

<!--<!--<!--

 نعم نستطيع التغيير إلى الأفضل

للكاتب: د. زياد موسى عبد المعطي أحمد

 في غار حراء كان أول درس من دروس الوحي الأمين، لرسول الله [خاتم الرسل والنبيين، كان هذا الدرس أنك تستطيع يا محمد أن تكسب معلومات وتتغير وتؤدي الأمانة، فالمسلم مطلوب منه التغيير للأفضل وتحقيق العدل والآمن، فإذا أطعنا الله والتزمنا بمنهجه فإننا نستطيع أن نكون أساتذة العالم، ونكون في المقدمة، نعم نستطيع.

ففي غار حراء حيث نزل الوحي جبريل عليه السلام بالرسالة على الرسول [قال له: «اقرأ»، وجبريل يعلم من الله أن محمداً [لا يقرأ، فكان الرد بتلقائية وصدق: «ما أنا بقارئ» ولكنه كرر عليه جبريل عليه السلام ما قاله مرتين: «اقرأ»، فكان الرد في المرتين مثل المرة الأولى: «ما أنا بقارئ»، فكان أول آيات القرآن هي أنك تستطيع القراءة أنت وأمتك يا محمد: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق 1 -5)، والقراءة لرسول الله [هي حفظ القرآن الكريم، وتبليغ الرسالة، والقراءة بالنسبة للأمة هي العلم وتبليغ الرسالة أيضاً، فجبريل عليه السلام أكد للرسول الكريم في أول مرة ينزل فيها بالوحي للرسول أنك أيها النبي الأمي سوف تستطيع أن تقرأ، وسوف تتغير، وتغير أمتك والعالم، فالله الذي خلقك سوف يكرمك، ويعلمك ما لم تكن تعلم، وأن رسول الله [سوف يقرأ القرآن ويعلمه لأمته، وأن القراءة تعلم الإنسان الجديد وتعلمه ما لم يكن يعلم.

نعم نستطيع أن نتغير للأفضل بأن نقرأ ونتعلم؛ نقرأ كتاب ربنا وسنة نبينا (نقراهما وتعلمهما، ونقتدي بنبينا): {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخر وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21)، فقد كان رسول الله [يظن أنه لن يستطيع القراءة أو الحفظ، ولكنه بمشيئة الله سبحانه وتعالى استطاع أن يقرأ القرآن ويحفظه: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى. إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} (الأعلى: 6 – 7).

نستطيع أن نتقدم أفراداً وجماعات وشعوبا وأوطانا بالاهتمام بالعلم، فأول دروس القرآن: «اقرأ»، نستطيع التغير إلى الأفضل بالعلم، والله يرفع أهل العلم في الدنيا والآخرة: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} (الزمر: 9)، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ امنوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة:11)، وأخرج أبو داود والترمذي عن أبي الدَّرداء أنه قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ [ يَقُولُ: مَن سَلَكَ طَرِيْقَاَ يَبْتَغِي فِيْهِ عِلْمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ طَرِيْقَاً إلى الجَنَّة، وإنَّ المَلائِكَةَ لَتَضَعُ أجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ العِلْمِ رِضَاً بِما يَصْنَعُ، وَإنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغفِرُ لهُ مَن في السَّمواتِ ومَن في الأرضِ حَتَّى الحِيْتَانُ في المَاء، وفَضْلُ العَالِمِ عَلى العَابِدِ كَفَضلِ القَمَرِ على سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وإنَّ العُلَماءِ وَرَثَةُ الأنبِياءِ، وإنَّ الأنبِياءَ لمْ  يُوَرِّثُوا دِيْناراً ولا دِرْهَمَاً، وَإنَّما وَرَّثُوا العِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أخَذَ بِحَظٍ وَافِرٍ».

 ومن درر الشعر العربي التي توضح أهمية العلم في بناء الحضارات ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي:

بالعلم والمال يبني الناس ملكهم

لم يبن ملك على جهل وإقلال

ويقول أيضاً:

العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها

 والجهل يهدم بيت العز والشرف

نعم نستطيع بالاهتمام بالعلم والعلماء أن نتقدم ونصبح أساتذة العالم كما كنا، فلا ينكر أحد في العالم فضل العلماء المسلمين في عصور ازدهار الحضارة الإسلامية على الحضارة الحديثة، فمن هؤلاء العلماء الأفذاذ الحسن بن الهيثم، وابن سينا، وجابر ابن حيان، والخوارزمي، وغيرهم كثير رغم تحفظنا على كثير من عقائدهم المخالفة للعقيدة نعم نستطيع أن نخرج من بيننا أمثالهم، وبالعلم وبالبحث العلمي يتعلم الإنسان ما لم يكن يعلمه، وتكتسب البشرية معارف جديدة وتنتج البشرية الاختراعات المفيدة في شتى الميادين.

نعم نستطيع ذلك بترك الكسل وبذل الجهد والتوكل على الله، فبعد نزول الوحي في غار حراء، نزل جبريل الأمين على خاتم المرسلين: {يَأَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا. إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا. إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا. إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا. وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا. رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} (المزمل: 1 – 9)، ونزل الوحي الأمين بقول الله سبحانه وتعالى: {يَأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ. وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ. وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (المدثر: 1 -7)، أي إنه لكي تؤدي الرسالة عليك بالهمة والنشاط وعدم الخمول، وعليك بقراءة القرآن وقيام الليل، والصبر لتحقيق هدفك وتبليغ رسالتك، وهذا واجبنا نحن المسلمين جميعاً في أن نترك الكسل ونتحلى بالعزيمة والنشاط والهمة مستلهمين ذلك من قدوتنا رسول الله.

نعم نستطيع أن نتطور ونتقدم بالعمل الجاد الدؤوب، فالله عز وجل يقول: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (الملك: 1 -2)، ويقول الله عز وجل: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (التوبة: 105)، فطريق التقدم لا بد أن نسلكه بالجهد والعرق والتعب لا بالكسل والخمول.

نعم نستطيع أن نبلغ أهدافنا عندما نتحلى بالعزيمة والإرادة التي لا تلين، وأن نتحلى بالصبر، فرحلة تحقيق الأهداف مليئة بالأشواك، ولنا في رسول الله أسوة حسنة، ولقد كان لرسول الله [ عزيمة لا تلين لتبليغ الدعوة والنجاح في تأدية الرسالة، وتأدية أمانة الدعوة، وفي قوله لعمه أبي طالب توضيح لصورة جلية لعزيمة لا تلين: «والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته»، لقد تحمل الصعاب والمكاره في مكة، ثم كانت الهجرة إلى المدينة، وانتشار الإسلام في الجزيرة العربية في أواخر أيام حياة الرسول [، وبشر [ بانتشار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها في أوقات عديدة، وما زال الإسلام ينتشر حتى يومنا هذا، وسوف يستمر بإذن الله ويدخل أناس كثيرون في دين الله أفواجاً، فرسول الله [ كان ذا همة عالية أحيا الله به الأمة، فلنكن بإذن الله أصحاب همة وعزيمة لتحقيق أهداف عالية لنحقق النجاح في حياتنا، ولنعد إيقاظ الأمة، ويقول الله عز وجل قولُهُ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} (الرعد: 11)، فلابد من العزيمة القوية والإرادة والله يوفق من أراد إصلاحاً.

نعم نستطيع أن نتغير ونتطور بالتعليم والإرادة، فكل إنسان ولد في هذه الدنيا وهو لا يجيد سوى الصراخ والرضاعة من ثدي أمه، ثم تعلم أي إنسان في الدنيا الحركة والكلام، وتطور كل منا وتعلمنا الكثير في الدنيا، وتعلم كل منا مهنته، وكل يوم نتعلم الجديد، فليكن لدينا عزيمة مثل عزيمة طفل رضيع يحاول المشي، يقع على الأرض مرات ومرات ويفشل في تكملة المسير مرات ومرات ولكن بالعزيمة والإصرار ينجح في مراده، فليكن عندنا عزيمة وإرادة مثل عزيمة نملة عندما تريد أن توصل غذاءها إلى مسكنها، ولكنها تتعثر مراراً، وقد تقابلها مطبات عديدة ويقع غذاؤها ولكنها تصر على بلوغ هدفها، وتحاول حتى تصل إلى مسكنها بالغذاء.

نعم نستطيع التقدم بالاتحاد فيما بيننا، فالاتحاد قوة، كما استطاع رسول الله [ أن يوحد أمة العرب المتفرقة، التي كانت في وضع أقل كثيراً من أمتي الفرس والروم في ذلك الوقت، فقد كان أهل الجزيرة العربية مجرد قبائل أو قرى صغيرة متفرقة، وكانت بين الكثير منهم حروب وعداوات، واستطاع هؤلاء الناس بعد أن دخلوا في الإسلام أن يكونوا أسياد العالم، وأن يتغلبوا ويتفوقوا على أفضل أمم الأرض في عصرهم، نستطيع نحن الآن أن نتفوق على أمم الأرض، وأن نكون في مقدمة أمم العالم كما فعل أسلافنا، فيقول الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: 103)، وفي وقتنا الحديث من البديهيات أن الكيانات الكبيرة هي التي تكون لها الكلمة العليا المسموعة في العالم، أما الكيانات الصغيرة فليست ذات ثقل كبير.

نعم نستطيع بالإدارة الواعية الفاهمة والعادلة، إدارة تخطط جيداً، وتتابع التخطيط، وتصحح الأخطاء، إدارة تستطيع أن توظف المواهب أفضل توظيف، وتفجر الطاقات، وتشجع المبدعين، وتضع الشخص المناسب في المكان المناسب، فرسول الله [وظف مواهب الصحابة أفضل توظيف، فأبو هريرة حافظ الأحاديث والسنة، وخالد ابن الوليد قائد عسكري، وحسان بن ثابت شاعر الرسول [.

 

نعم نستطيع أن نتغير أفراداً ودولا وأمة إسلامية، نعم نستطيع أن نكون في المقدمة وأن نكون في القمة كما كنا.

المصدر: مجلة الفرقان الكويتية: العدد 644 - الاثنين: 8 رمضان 1432هـ, الموافق: 8/8/2011م – صـ 36 – 37 - http://www.al-forqan.net/articles/1468.html
zeiadmoussa

د. زياد موسى عبد المعطي Dr. Zeiad Moussa Abd El-Moati

Zeiad Moussa د. زياد موسى عبد المعطي

zeiadmoussa
مقالات علمية، ودينية، ومقالات في العلم والإيمان، والتتنمية البشرية، وحلول علمية، وقضايا اجتماعية، وتربوية، »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

406,272