الدواء وأسعاره
د. زياد موسي عبدالمعطي أحمد
طالعنا مؤخرا خبر صدور قرار من السيد الأستاذ الدكتور وزير الصحة بموجبه يتم تخفيض أسعار ما يزيد علي خمسين صنفا من الدواء في مصر. ولقد كان لي خبرة بسيطة في مجال الأدوية من خلال عملي مندوبا علميا "مندوب دعاية طبية" في إحدي شركات الأدوية منذ عدة سنوات حيث عملت في هذا المجال لعدة سنوات كما انه مازال لي اصدقاء في عدة شركات أدوية وإني بما لمسته وعايشته بنفسي ويتفق معي اصدقائي الذين يعملون في مجال الدواء ان قرار وزير الصحة بتخفيض أسعار العديد من أصناف الدواء قرار صائب وعلي الجانب الآخر هناك اقتراح آخر أن يتم زيادة سعر بعض الأصناف من الأدوية التي تسبب الخسارة لبعض الشركات كما سوف يتم توضيحه خلال السطور التالية. فمن خلال ما رأيته وعرفته ان شركات الأدوية التي تعمل في مصر سواء أكانت حكومية وشركات قطاع خاص أو شركات أجنبية تحقق أرباحا كثيرة في أغلب أصناف الدواء فمثلا هناك صنف من اصناف المضادات الحيوية الذي تنتجه احدي الشركات الذي ينتج علي هيئة أقراص "10 أقراص في العلبة" يتم بيعه للمستهلك بأكثر من 34 جنيها في حين يباع للصيدلي بحوالي 27 جنيها ويباع للمستشفيات بحوالي 15جنيها في حين يتكلف علي الشركة المنتجة حوالي 3 جنيهات وفي المقابل هناك دواء منافس له نفس المادة الفعالة ينتج من شركة أجنبية ثمنه للمستهلك حوالي 47 جنيها وهو أول صنف نزل في السوق المصرية له هذه المادة الفعالة ثم بعد فترة نزل السوق المصري أدوية بنفس المادة الفعالة منها الصنف السابق الذكر وأصناف أخري أقل سعرا قد تصل لأقل من 20 جنيها للمستهلك علما بأن أي منافس من هذه الأصناف له نفس العدد من الأقراص وبنفس التركيز. ومن هذا المثال يتضح ان الشركات التي تنتج بسعر أقل من المنتج الأجنبي ذو السعر المرتفع تحقق أرباحا طائلة. وقد علمت ان سيادة الوزير قد قام بتخفيض سعر هذا المضاد الحيوي الذي تنتجه الشركة الدولية في المثال السابق ليكون في حدود 34 جنيها أي يكون في حدود سعر الأصناف المنافسة في الوقت الحالي. وأعلم ان الشركات المنتجة للأدوية في الدول المتقدمة تتكلف كثيرا في الانفاق علي البحث العلمي وابتكار أصناف جديدة من الأدوية ولذلك تضع هذه الشركات في البداية سعرا مرتفعا للدواء لتعوض ما أنفقته علي اختراع هذا الدواء ولذلك فهناك مدة للملكية الفكرية لهذه المواد الفعالة تستطيع الشركات المنتجة خلال هذه المدة أن تغطي تكاليف ما أنفقته وتجني الكثير من الأرباح ولكن بعد انتهاء مدة الملكية الفكرية يصبح من حق شركات أدوية أخري انتاج أدوية بنفس المادة الفعالة تحت مسميات تجارية أخري. فتقوم هذه الشركات المنافسة بتسعير منتجاتها بأسعار أقل من المنتج الأصلي رغم ان هذه المنتجات الجديدة لها نفس المادة الفعالة ونفس التركيز. ورغم ذلك فإنه في الغالب لا تقوم الشركات التي انتجت المنتج الأصلي بتخفيض السعر لسلعتها. وفي مصر لمست ان مبيعات مثل هذه الأصناف لا تقل بعد نزول أصناف منافسة وذلك يرجع لعدة سياسات تتبع هذه الشركات واحدة أو أكثر منها حيث انه في بعض الأحيان تكون أصناف الأدوية لازمة لمرضي بأمراض مزمنة مثل السكر أو الضغط ويقوم المريض بتكرار الدواء تلقائيا ويتعود علي أصناف معينة ولا يحبذ تغييرها وأحيانا قد تلجأ بعض الشركات إلي التشكيك في المادة الفعالة للأصناف المنافسة وجودتها بأن المادة الفعالة في الأصناف المنافسة ليست بنفس الجودة والفاعلية وأحيانا ثالثة قد تلجأ بعض الشركات إلي ما يسمي Dirty Business أي يقومون بدفع مقابل مادي لبعض الأطباء "وهم للحق أقلية قليلة جدا" مقابل كتابة اصنافهم بصفة دورية أو قد يدفعون مقابل لأقلية معروفة لديهم من المسئولين عن التوريدات في المستشفيات مقابل شراء هذه المستشفيات كميات كبيرة من منتجاتهم لهذه المستشفيات واني أري ان هؤلاء الذين يتم اتباع هذا الاسلوب من الأطباء والمسئولين في المستشفيات هم أقلية ضمن أغلبية محترمة وهناك اسلوب آخر بأن تقوم بعض هذه الشركات بإغراء الصيدليات الخاصة بعمل تخفيضات أو ما يعرف ب Bonus أي مثلا من يشتري من الصيدليات هذه الأصناف يكون له علبة مجانية عندما يشتري عشرة علب وثلاث علب مجانية عند شراء عشرين علبة وهكذا مما يجعل بعض الصيادلة يسعون لتحريك هذه الأصناف سعيا لمزيد من الربح وأحيانا يجد بعض الأطباء أنفسهم مضطرين لكتابة أغلي البدائل سعرا في السوق من الأدوية عندما يجد المريض من النوعية التي تؤمن دائما بالمقولة "الغالي ثمنه فيه" وهذه المقولة ليست علي الدوام صحيحة مما يساهم في تحريك هذه الأصناف. وعلي الجانب الآخر نجد ان هناك شركات أدوية تابعة للدولة "تابعة للشركة القابضة للأدوية" تعاني خسارة من انخفاض أسعار بعض من منتجاتها حيث ان تسعير هذه الأدوية كان منذ سنين طويلة ولم يتم تحريك سعر هذه الأدوية وصارت أسعارها أقل من التكلفة الفعلية لانتاجها ومن ثم فهي تسبب خسارة كبيرة لهذه الشركات واستمرار انتاج هذه الأصناف بهذه الأسعار الزهيدة يعني استمرار الخسارة مما قد يدفع بعض هذه الشركات إلي الغاء هذه الأصناف لتفادي الخسارة أو تقليل انتاجها فتصبح من الأصناف غير المتوافرة في السوق أو ما يطلق عليه عند الصيادلة "النواقص" وبعض هذه الأصناف حيوية وليس لها بديل أو البديل "إذا وجد" يكون سعره مرتفعا ولذلك يجب إعادة النظر في تسعير هذه الأدوية لتحقيق ربح معقول لهذه الشركات بحيث يتوفر الدواء بسعر يحقق التوازن بين مصلحة المريض ومصلحة الشركات فتحريك أسعار الأدوية الرخيصة السعر التي تسبب خسارة للشركات بما يحقق لها أرباحا وتوفيره في السوق أفضل من الغائه نهائيا أو عدم توفرها في السوق وأفضل من استمرار انتاجه مع خسارة الشركات الحكومية ثم بيعها لمستثمرين بعد ذلك يرفعون الأسعار بصورة مفاجئة.. وإني أعلم ان هناك لجنة لتسعير الأدوية تتخذ قرارها في تسعير الأصناف الجديدة وإني أري انه من المنطقي أن يكون هناك مجلس لتسعير الدواء يجتمع بصفة دورية كل ثلاثة أعوام لضبط أسعار الأدوية سواء بتثبيت السعر أو تحريكه بالزيادة أو التخفيض في السعر بما يحقق أرباحا معقولة للشركات وبما يراعي الملكية الفكرية وأسعار المواد الخام وأسعار التكلفة بصفة عامة وأسعار الأصناف المنافسة في السوق وبما يحقق مصلحة المرضي وخاصة في ضوء الظروف الاقتصادية الطاحنة التي يعيش فيها عددا كبيرا من المواطنين حيث ان عدد كبير لا تشملهم مظلة التأمين الصحي ولا يجدون ثمن الدواء وتتأخر حالتهم الصحية ويحدث لهم مضاعفات بسبب عدم مقدرتهم علي شراء الدواء.. وهناك استراتيجية مهمة يجب أن نسير عليها علي المدي الطويل وهي المزيد من الاهتمام بالبحث العلمي في مجال أبحاث الدواء وانتاج أدوية مصرية جديدة من انتاج عقول علماء مصريين بمواد فعالة تستخلص من خامات مصرية وتكون الملكية الفكرية فيها للمصريين وتنتجها شركات مصرية بأسعار في متناول المواطنين المصريين .