البطالة تصيب التعليم في مقتل
بقلم:د. زياد موسى عبدالمعطي
معهد بحوث أمراض النباتات - مركز البحوث الزراعية
للبطالة آثار سلبية عديدة علي المجتمع من نواح شتي. ولكني أركز خلال هذه السطور علي الآثار السلبية للبطالة علي التعليم والعملية التعليمية.
وإني اكتب خلال هذا المقال عن شعور الكثيرين من أبناء الأرياف. وما أكتبه ليس من وحي خيالي. بل ألمسه. وأعيشه في قريتي والكثير من القري المجاورة "حيث أني من أبناء أرياف مدينة المنصورة". بل أكيد أن ماأكتبه خلال هذا المقال يشعر به العديد من أبناء المناطق الشعبية. وطبعاً ذلك لا ينطبق علي أبناء الأثرياء. أو الطبقات الراقية.
فإني أري ان البطالة بين المتعلمين هي من العوامل المؤثرة التي تلغي وجود الحافز لدي الكثير من التلاميذ والطلبة في المراحل التعليمية المختلفة. فوجود نماذج في الكثير من القري ممن لا يجدون عملا من خريجي الجامعات يعطي نموذجا سيئا لصورة من اجتهد في التعليم العالي. بل والأجور المتدنية للموظفين تعطي صورة سلبية أخري لمن يتم توظيفه في أغلب الوظائف الحكومية.
فأجد الكثير من خريجي الجامعات ينضمون إلي طابور البطالة. ويتحول حلم التخرج إلي كابوس علي أرض الواقع. ويصاب الخريجون وآباؤهم بإحباط شديد.
إن البطالة وانخفاض متوسط الدخل لمن يجد عملا من خريجي الجامعات عن نظيره للحرفيين يجعل الكثير من الحرفيين والتجار من غير المتعلمين يأخذون من المتعلمين مادة للسخرية والتهكم. ويقولون لهم هذا ما حصلتم عليه من التعليم العالي. بل بطالة الأبناء من الخريجين اصابتهم وأصابت آباءهم بأمراض. ومن ثم أجد الكثير من غير المتعلمين لا يأخذون موضوع تعليم أبنائهم موضع الجد. وبعضهم يجعل ابناءهم يتركون التعليم من المرحلة الإعدادية أو الثانوية.
ومن ثم فإن البطالة هي من أهم أسباب التسرب من مراحل التعليم المختلفة. بل ومن أسباب عدم جدية الكثير من التلاميذ والطلبة في مراحل التعليم المختلفة. فالإحصائيات الرسمية تقول إن نسبة ا لبطالة بين المتعلمين أكبر من نسبتها بين غير المتعلمين.
فما يردده الكثير من أبناء الأرياف ما جدوي التعليم طالما أن أغلب الخريجين ينضمون لطابور البطالة. أو يعملون أعمالا حرفية. فمن باب أولي أن يترك الأبناء تعليمهم ويتعلمون مهنة يدوية منذ مرحلة مبكرة. فهذا أكثر ربحاً وراحة نفسية بدلا من تعب المذاكرة الذي في الغالب لن يأتي بالنتيجة والثمار المرجوة.
بل قال لي أحد ابناء قريتي من خريجي إحدي الكليات يعمل بائعا في محل بأجر زهيد ذات يوم "أنا قدوة سيئة لأبناء قريتي لخريجي هذه الكليات. وأنصح من يسألني عن هذه الكليات ألا يلتحق بها. بل لا يدخل كلية من أصله".
وفي بعض الأرياف حيث تكثر الهجرة إلي أوروبا أو دول الخليج يقوم الآباء بإخراج أبنائهم من التعليم الإعدادي أو الثانوي الفني وتسفيرهم سواء بعقود رسمية أو عن طريق هجرة غير شرعية. حيث يعود الأبناء بعد فترة قليلة من السنوات وقد ادخروا أموالا وفيرة. ويظهر الثراء علي أسرهم. بينما أسر المتعلمين يتجرعون الفقر والندامة علي ابنائهم. وعلي مستقبلهم.
ولذلك فالدافع للعلم والتعلم لدي عامة الشعب أراه غير كاف بسبب البطالة وتدني متوسط أجور المتعلمين. فالتعليم الذي يؤدي بصاحبه إلي الفقر لا يري الاغلبية فيه فائدة. ويصيب العملية التعليمية في مقتل. ويري الكثيرون من عامة الشعب التعليم الذي يأتي بالفقر لا يلزمنا. ويكفي ابناءنا إذا تعلموا دبلوم فني والسلام.
ولعلاج هذه المشكلة أري ان يكون التعليم وفقاً لما يحتاجه السوق. ويكون التعليم مصحوباً بتدريب عملي حقيقي وليس حبراً علي ورق كما يحدث حالياً.
فما يتطلبه السوق هو إنشاء كليات جديدة بتخصصات جديدة وفقاً لما تحتاجه الشركات والمصانع. ولنر الدول في الخارج والتخصصات التي يتم تدريسها والكليات التي تنشئها. ولندرس هذا الموضوع بمنتهي السرعة والجدية. فلا يصح ونحن في القرن الواحد والعشرين ان تقوم الكليات بتخريج طلاب يحاولون بعد التخرج تجهيز أنفسهم لسوق العمل. بل يجب ان يتم تخريجهم وهم متسلحون بكل المهارات التي تؤهلهم للالتحاق بأعمال تدر عليهم دخلا وفيرا.
وأري أن الجامعات الخاصة بدلا من ان تلعب دوراً حيوياً في إنشاء كليات لتخصصات تساهم في نهضة البلد أجدها تقوم بإنشاء كليات ذات اسماء تجذب دافعي الأموال والسلام. وبذلك تساهم هذه الجامعات في زيادة بعض التخصصات عن حاجة سوق العمل. فنري بعض التخصصات التي كانت تعمل بمجرد التخرج سوف يعاني خريجوها من البطالة بعد سنوات قليلة مثل الطب والصيدلة وطب الأسنان. والمتأمل في الجامعات والمعاهد الخاصة يجد ان أغلبها تنشأ كليات قليلة التكلفة كثيرة الربح مثل طب الأسنان. والصيدلة. وهندسة الكمبيوتر والحاسبات. وإدارة الأعمال. أما بعض التخصصات الأخري مثل كليات العلوم. فلا أجد سوي كليتين فقط باسم بيو تكنولوجي في الجامعات الخاصة. وأما عن تخصصات كليات الزراعة فلا توجد في الجامعات الخاصة. بل في الكليات الحكومية لا يقوم الطلاب بالاقدام علي كليات الزراعة. بل إني أري ان عدد المعاهد العليا للكمبيوتر قد زاد بصورة مبالغ فيها فصار عدد معاهد الكليات التي تقوم بتدريس الكمبيوتر قد قارب مجموع الكليات والمعاهد في التخصصات الأخري.
فهل نطمع ونحلم بحل مشكلة البطالة. وبرفع الأجور للخريجين حتي تجد الأجيال القادمة دافعاً للعلم والتعليم؟؟!!