كفهل يستحق المجرم الشفقة ؟ القانون من جهته يقر مبدأ الأسباب التخفيفية . أما الطب النفسي فإنه يقدم عرضاً للأسباب البيولوجية والنفسية المسؤولة عن دفع الشخص لارتكاب الجريمة . ولكننا في كلتا الحالتين نلاحظ الغموض في تحديد هذه العوامل . الأمر الذي يجعل الجمهور يطرح أسئلة متكررة حول هذا الموضوع وهذه الأسئلة التي سنحاول الإجابة عليها فيما يلي :
1- ما هي علاقة الوراثة بالسلوك الإجرامي ؟
- لقد تمت ملاحظة زيادة السلوك العدواني لدى أشخاص يعانون من اضطرابات عضوية معينة كمثل السلوك الإنفجاري لدى مرضى الصرع ونوبات الهياج الفصامي وبعض الإضطرابات الكروموزومية وخصوصاً تعدد كروموزومات الذكورة . كما بينت أبحاث الهندسة الوراثية عدة تشوهات كروموزومية متصاحبة مع مظاهر السلوك العدواني . ولكن تجدر الإشارة إلى أن وجود هذه الإضطرابات لا يعني ضرورة ظهور المظاهر العدوانية فهناك حاملين لها دون مظاهر .
2- هل يلد المجرم مجرماً ؟
- قام الباحث الفرنسي " ترويا " بدراسة شجرة عائلة الأديب ديستيوفسكي فوجد فيها تعاقب مجرمين وقديسين فكان بعض أسلافه قديسين والبعض الآخر مجرمين ( حتى إن عمته قتلت زوجها بالسم ) .
- ولقد استند عالم النفس ليوبوك سوندي إلى هذه الملاحظة وشبيهاتها ليجزم بهذا التعاقب وليطرح فرضية مفادها أن الأساس البيولوجي هو واحد في كلتا الحالتين . وإنما الفرق في الخيارات القدرية التي يختارها الشخص . فالتطرف المزاجي في عائلة ديستيوفسكي كان يسخر حيناً لخدمة المثاليات فينتج قديساً وحيناً آخر ضدها فينتج مجرماً لكن هذه الفرضية تدفعنا للقول باحتمال أن يكون الشخص عينه قديساً ومجرماً في آن معاً .
3- بين المجرم والقديس ؟
يجيب سوندي على التساؤل المطروح أعلاه بالقول بأن قابيل قتل أخاه هابيل وبأننا جميعاً أولاد قابيل لذلك فإن نزعة العنف والرغبة بإلغاء أعداءنا (أي الرغبة في القتل واعية أم لا واعية ) موجودة لدينا جميعاً لكن قسماً منا يسمو بغرائزه وبهذه النزعة فيكون هابيلياً وقسم آخر منا يستسلم لمشاعره السلبية ( حقد ، ثار غضب ، كراهية ….الخ ) فتتعذى لديه الميول القابيلية .
ويخلص سوندي إلى القول بأن البذور الهابيلية موجودة لدى المجرمين كما أن الميول القابيلية موجودة لدى القديسين .
4- إيذاء الذات ( الانتحار ) ..
كثيرون يفهمون وجود دوافع تشجع الشخص على ممارسة العنف ضد الغير لكنهم لا يفهمون بحال ممارسته هذا العنف على ذاته . لذلك فإنهم يميلون إلى اعتبار العنف الموجه نحو الذات نوعاً مختلفاً من العنف التقليدي الموجه ضد الغير . لكن هذا الاعتبار خاطئ . فإيذاء الذات يقع في لحظة لا يكون فيها الشخص راضيا عن نفسه . وبعنى آخر فإنه يكون عرضة للإنشطار بين الأنا وبين الذات المعنوية والجسدية . وهذا الإنشطار يحول الذات آخر مرشح لأن يتلقى غرائز الأنا العنيفة .
في العودة إلى الأديان تجد تركيزاً على تحريم إيذاء النفس ( خاصة الانتحار) حيث الروح أمانة الخالق وليست ملكاً لصاحب الجسد لذلك نجد من المفيد أن نعرض التصنيف السيكاتري لحالات إيذاء الذات وهو التالي :
أ) سلوك عدواني محدد تجاه الذات ( مثل تعذيب الذات رفض الطعام .. الخ) .
ب) سلوك انتحاري - تمثيلي ( بهدف جلب الأنظار وتعويض عدم الاهتمام ) .
ج) الحالات نظيرة الانتحارية(عندما يكون الانتحار غير مقصود مثل التسمم اللاإرادي وغيره )
د) حالات الانتحار كنوع من أنواع التضحية بالذات لأسباب مثالية .
ه) حالات الانتحار الفعلية
ساحة النقاش