السراج المنير في الطب العربي والإسلامى

 

 

كيفية تأثير العين الحاسدة

بعد التسليم بحقيقة تأثير العين الحاسدة، بناء على ما تقدم من الأدلة الشرعية والتاريخية والحسية، يرد سؤال يقول: ماذا عن كيفية تأثيرها، وكيفية حدوثه؟

وقد ذهب الناس مذاهب متعددة بهذا الشأن:

  • ...فمنهم من يرى أن العائن إذا تكيفت نفسه بالكيفية الرديئة، انبعثت من عينه قوة (مادة) سُمِّية، تتصل بالمَعِيْن، فيتضرر..
  • ...ومنهم من يرى رأيا قريبا من ذلك، وهو أن هناك جواهر (مواد) لطيفة، تنبعث من عين العائن، فتتصل بالمَعِين، وتتخلل مسام جسمه، فيحصل له الضرر. ...ويرى آخرون أن الله تعالى يخلق ما يشاء من الضرر، عند مقابلة عين العائن لمن يعينه، من غير أن يكون هناك قوة، ولا سبب، ولا تأثير أصلا..! وهذا هو عين مذهب الأشاعرة ، وقد تم تفصيل القول فيه في فصلِِ قادم بعنوان (حقيقة العين الحاسدة عند أهل السنة بين المعتزلة والأشاعرة) وهذه الآراء وغيرها يُعْوِزها الدليل، ويبدو أنه لا دليل على كيفية تأثير العين الحاسدة، وحيث إن تأثيرها لا يخضع للإجراءات المعملية التجريبية الحسية، لأنه لا يقع تحت قدرة حواس الإنسان الخمس، فينبغي التوقف بهذا الشأن، وعدم الخوض في أمر غيبي بلا دليل شرعي أو حسي، فلم يرد نص يصف هذه الكيفية، ولم يعلن أحد عن تجربة حسية..! قال الله ?:?وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنّ السّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا?ً(1)

العلم الحديث وتقريره لذبذبات العين :

ثبت علمياً أن الريق والظفر والشعر ترسل ذبذبة خاصة من جسم صاحبها حتى ولو انفصلت عنه وهو مايعرف بعلم "راديونيك" ويتفرع منه الموجة الذاتية, وهو علم يُستخدم في التشخيص والعلاج الطبي، وله مدارس متعددة في كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأمريكا, وثبت أن لكل إنسان موجه "ذبذبة" خاصة لاتشبه أي إنسان آخر كالبصمة تماماً في تميزها, وكل ماينفصل عن الإنسان من شعر أو ظفر أو ريق أو عَرَق أو دم يحمل معه هذه الموجة الخاصة! ولا يبطل هذه الموجة إلا إتلاف هذه الأشياء المنفصلة أو دفنها (وهذا مايفعله عامة الناس وهو حسن وإن لم يرد به نص لأنه من إكرام الإنسان وأيضاً يقطع تلك الذبذبة حتى لايستفيد منها السحرة)(2).

يقول الشيخ عبد الله السدحان حفظه الله: ( إن كل إنسان له ذبذبة خاصة سواء من ريقه أو شعره أو ظفره أو دمه, فسألني الشيخ - يقصد الشيخ بن باز رحمه الله- عن هذه الذبذبة وهل هي ثابتة علمياً؟ فأجبته: إن الذبذبة هي موجات ثابتة في علم (الراديونيك) ويُدَرَّس في أوربا ووقفت شخصياً على هذا العلم عن طريق جهاز (الفديوباك) فقال الشيخ أسبغ الله عليه شآبيب الرحمة:{إذا كان هذا ثابتا علمياً فالحمد لله الذي سخر العلم لخدمة الدين}.(1)

وكما قيل: الفضل ماشهدت به الأعداء. فقد نشرت الصحف هذا الخبر الذي يقول: عيون الفتاة الصينية (كسيانج لينج) 24 عاماً سببت ضجة في الصين وضاعفت من حركة السفر إلى بكين خلال الأيام الأخيرة, السبب أن تلك العيون تتمتع بخواص أشعة (إكس) وما تقوم به تلك الأشعة من دور في مساعدة الأطباء لعلاج بعض الأمراض, وقد فشل العلماء في تحديد تلك الظاهرة, خاصة وأن الفتاة قد أخبرتهم أنها ولدت هكذا, وأنها وهي في الثالثة من عمرها كان بإمكانها أن ترى الهيكل العظمي لوالدها, وما توصل إليه العلماء أنها تطلق شحنة هائلة من أشعة (إكس) خلال النظرة الواحدة, وأن مجرد نظرتين متتاليتين إلى جسم صلب قد يؤديان إلى تدميره, وإن تركيز عينيها على جسم حيوان قد يؤدي إلى موته.(1) وقد أيدت البحوث العلمية أثر الإصابة بالعين, ولامجال للتشكيك بذلك بدعوى أنها غير مرئية, أو أنه لاصلة بين العائن والمعيون, وقد ثبت اليوم أن أشعة (إكس) وهي غير مرئية, لكنها تنفذ إلى داخل الأجسام وتخترقها, وفي هذا المجال ذكر الدكتور رؤرف عبيد: أن من المبادئ العلمية المسلّم بها عند العلماء المختصين وجود كيان أثري في كل كائن حي وهو لايخضح لحواسنا المادية بسبب ارتفاع اهتزازه أكثر من اهتزاز الضوء, ويقوم هذا الكيان بربط الجهاز العصبي بالمستودع الكوني للطاقة وينفذ من جسم الإنسان إلى ماحوله من خلال المخ والأذن والعين, ويوجد وراء كل حاسة من حواسنا الخمس طاقة كهربائية, تؤثر بعمق خطير على هيئة إشعاعات حارة, تنفذ كأشعة الشمس في الأجسام المقابلة, وقد سنّ رسول الله ? للمعيون أن يغتسل بغسالة العائن ليبطل عمل الإشعاعات في جسد المصاب ويرجع التوازن المفقود إلى الجسم.(2)

وكما أثبت العلم قوة تأثير العين, بإرسال مايعرف بـ (النظرة المغناطيسية) وهي التعبير عن مطلب روحي قوي عن طريق العينين, حيث إن العين مؤهلة لإلقاء نظرة ثابتة وثاقبة, والنساء أكثر استجابة لهذه النظرة أكثر من الرجال؛ لأنهن أكثر استجابة للتأثير الروحي وكلما كانت معرفة الشخص أكثر كان التأثير أسرع .(3)

لكن هذا التأثير إنما يكون بإرادة الله وتقديره, لقوله ?:? مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيْبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُم إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيْرٌ?(4). وتفسير ذلك كما نقل ابن حجر عن المازري: (والحق أن الله ? يخلق عند نظر العائن إليه, وإعجابه به إذا شاء, ماشاء من ألم أو هَلَكة, وقد يصرفه قبل وقوعه, إما بالاستعاذة أو غيرها, وقد يصرفه بعد وقوعه بالرقية أو بالاغتسال, أو بغير ذلك).(5)

العين عند الشعوب المختلفة والخرافات التي قيلت عنها: اختلفت اتجاهات الناس وتسمياتهم في مختلف الشعوب عن العين الحاسدة، فالعامة في منطقة الرياض (نجد) يسمون العائن (نحوتاً) ولعل ذلك من نحته بمعنى قَشَّره وبراه, كناية عن الهزال, وهو من نتائج العين, ويسمونه (نضولاً) ويسمون الإزلاق نضلاً, فهذا مأخوذ من المناضلة لأنه مراماة, والعائن يرمي بعينه كما في شواهد الشعر الفصيح, ولعل ذلك مأخوذ من (نضل البعير) بمعنى هَزُل, لأن الهزال نتيجة العين, ويسميه أهل الرياض (بُوَارِدِي) أي أنه من الرماة المصوبين ذوي الكفاءة العالية. وهو إطلاقٌ فيه شيء من السخرية والانتقاد اللاذع, وكثيراً ماالتصقت آثار العين بآثار الجن, وعوام الناس يعبرون عن هذا بقولهم: فلان معه سبب، أي : مس جن على آثار نفس, أي: عين(1), ومما اشتهر عن العين تسميتها بـ ( العين الحارة) وفلان ( عينه حارة ) و ( عين الحسود فيها عود) وهذا المثل الشعبي الذي يردده أبناء الجزيرة العربية المقصود به : العملية التي يتم بها علاج الحسد بإشعال عود البخور وتبخير المريض بهذه الرائحة اعتقاداً بأن الحسد يزول عنه, رغم أن هذه خرافة, وقيل : أن العين الحسود لونها دائماً أخضر وفيها عمق النظرات, وهذه خرافة أخرى, وخرافة ثالثة وهي خرافة الأرنب البري, فمنذ أقدم العصور والشعوب الغربية تنظر إلى الأرنب البري نظرة مزدوجة, فهو من جهة رمز للخصوبة لكثرة تناسله, وهو من الجهة الأخرى مرتبط بالأرواح الشريرة والسحرة والظلام, لكونه يعيش تحت الأرض, وهو فوق كل هذا قادر على إصابة المرء بالعين لأن صغارة تولد بعيون مفتوحة لامغلقة, بعكس صغار الحيوانات الأخرى, والاعتقاد بحدوة الحصان الخارقة اعتقاد قديم جداً يعود إلى أيام الرومان, ويقول البحاثة (توليجا) في كتابه (العادات الغريبة) : أن الناس آمنوا بخصائص حدوة الحصان لأن شكلها يشبه شكل الهلال وشكل الكف وكلاهما يعتبر وقاية ضد عين الحسود عند الشعوب القديمة, والمعروف بهذا الشأن أن تلك الشعوب كانت ترهب الهلال, لأنه في تصورهم يغير شكله ويموت ويحيا مرة أخرى, ويضاف إلى هذا أن الحدوة مصنوعة من الحديد وهو معدن طالما أضفت عليه الشعوب الأروبية القديمة خصائص سحرية لأنه يطبخ في النار التي تُطَهِّر من الأرواح الشريرة في زعمهم, وهناك تفسير آخر يعيد هذا الإيمان العميق بقدرات حدوة الحصان الخارقة إلى كون الشعوب الأوروبية القديمة كانت - والعياذ بالله- تعبد الحيوانات وخاصة الخيل التي كانت ترتبط في الذهن بالأرواح الشريرة, وهكذا برز الاعتقاد بأن تعليق الحدوة على مدخل البيت يبعد الأرواح الشريرة عن المنزل, والاعتقاد بتعليق رؤوس الغزلان وجلد الذئب في البيوت, واشتهرت أيضاً عبارة ( عين ماصلت على النبي ) لأنهم في اعتقادهم أنك إن لم تصل على النبي ? ستصيب عينك وهذا لادليل عليه, أو أن ينصحك أحدهم ( بالإكثار من الصلاة والسلام على الرسول ?) وهذا والعياذ بالله من اختلاقات الصوفية, حيث يصرون على إقحام الرسول ? في كل أمر يستدعي الذكر, وكان أهل الحبشة يقطعون الصلة بالعائن فلا يؤاكلونه ولا يجالسونه, ومما اشتهر عن أهل مصر أنهم ينصحون الشخص عند ذكر محاسنه فيقولون له ( امسك الخشب يافلان) وكانوا ولا زال بعضهم يعلقون على صدورهم وفي أماكنهم التمائم التي تأتي على أشكال عيون زرقاء وحمراء أو قطع خشب أو ماشابه, ومنهم من يذبح ذبيحة إذا نزل منزلاً جديداً ليدرأ عنه ضرر العين وهذا كله لاشك أنه بدعة وشرك , ومما يُروى عن الشاعر الانجليزي (بايرون) الذي عاش في القرن التاسع عشر أنه كان يرى في بعض الأشخاص المحيطين به قدرة على إيذائه وصفها بأنها : قوة النظر الشريرة, لذلك كان يُخفي مخطوطات قصائدة ومحاولاته الأولى حتى تكتمل وتأخذ شكلها النهائي وعندئذ يحملها إلى صديق يثق به ليقرأها عليه وغالباً مايكون هذا الصديق هو الشاعر (شيلي).. ونستطيع بعد هذا الكلام أن نذكر العبارة المشهورة عند العلماء: ( والفضل ماشهدت به الأعداء).

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1747 مشاهدة
نشرت فى 11 يوليو 2012 بواسطة tebnabawie

سالم بنموسى

tebnabawie
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

1,214,439