الدروس أزمـة كـل عـام
الدروس أزمـة كـل عـام
كتبت : تهاني الصوابي
أليس عجيبا أن يقوم المدرسون بالإضراب من أجل زيادة رواتبهم مائة أو مائتين أو حتى ثلاثمائة جنيه شهريا، بينما يحصلون على الآلاف شهريا من قوت الأسرة المصرية، بما يعادل 40% من دخلها الشهرى مقابل الدروس الخصوصية، وهو ما يكلف الدخل القومى أيضا 12 مليار جنيه سنويا.
صارت الدروس الخصوصية أزمة البيوت المصرية من الابتدائى وحتى التعليم الجامعى، وبات من العادى، والمألوف أن يحصل الطلاب جميعهم، وبلا استثناء على دروس خصوصية حتى المتفوقين منهم، وهو ما يؤكده أوائل الثانوية العامة كل عام، على الرغم من فكرة الدروس الخصوصية كانت فى البداية لرفع كفاءة الطالب الضعيف والمتوسط، ثم انحرف بها المسار لتنال الطلاب المتميزين والمتفوقين، وقد ابتكر المعلمون طريقة جديدة وحيلة لرفع أسعارهم للدروس الخصوصية، حيث يجرون اختبارات للطلاب قبل قبولهم، واتبعوا أسلوب اختيار الطلاب الأكثر تفوقا للالتحاق بدروسهم، واستغلالها كنوع من الدعاية لشخصهم وسط المدرسين وأولياء الأمور، بل إن معظم مراكز الدروس الخصوصية تتباهى الآن بأسماء المدرسين الذين يتعاملون معا ويحددون أسعار الدروس المفروضة على الطلاب بناء على سمعة المدرس بالمركز، والتى يستمدها من هؤلاء الطلاب المتميزين الذين تجرى لهم الاختبارات كشرط لقبولهم بالمركز والحصول على الدروس الخصوصية.
الحقيقة أن الدروس الخصوصية أصبحت أزمة من الصعب القضاء عليها فى السنوات القليلة القادمة، وصارت مرضا مزمنا فى قلب المجتمع ناتجا عن تدهور حالة التعليم، وغياب عدد من العناصر المهمة اللازمة لاصلاح الحالة التعليمية، فالمؤكد أن الدروس الخصوصية ترتبط بنظام شامل ترسخ فى المدارس منذ سنوات، بسبب التباعد القوى بين الطالب والمدرسة التى أصبحت مجرد مكان لعقد صفقات الدروس الخصوصية، والتى يشتد نشاطها مع بداية العام الدراسى، أى بداية الموسم كما يطلقون عليه، وينتهى بمجرد أن يحصل المدرس على حصته من الطلاب الذين ينالون رضا المدرس ودروسه الخصوصية، وهو ما يعنى أن المدرس أحد الأسباب الرئيسية فى تدهور العملية التعليمية لأنه يهرب من المدرسة، ويساعد الطلاب على الفعل نفسه، خاصة طلاب الثانوية العامة بمرحلتيها الأولى والثانية بما يؤثر على الانتظام الدراسى.
يؤكد الخبراء أن الدروس الخصوصية تهدم ركنا أساسىا فى شخصية الطالب وتلغى قدرته على التفكير والبحث عن المعلومة، وترسخ لديه قيمة سلبية وهى التلقى فقط والتلقين للطلبة حول كيفية حل أسئلة الامتحانات وحفظ الاجابات من أجل الحصول على درجات مرتفعة، دون الاهتمام بتنمية قدراتهم ومعارفهم، وتنمية روح الاهمال والاستهتار لدى الطالب لشرح المدرس داخل الفصل، وعدم اهتمامه بالانتظام فى الذهاب إلى المدرسة، وعدم المحافظة على النظام داخل الفصل، مما يؤثر سلبا على تحصيل زملائه من الطلاب الذين لا يفكرون فى تلقى الدروس الخصوصية ويكون هذا السلوك دافعا لهم لتلقى الدروس الخصوصية كرها وإجبارا، وهو ما يعنى زيادة عدد الحاصلين على الدروس الخصوصية، وتفشى الظاهرة بين من يرفضونها أيضا ولكن رغما عنهم، وهو ما يؤدى إلى زيادة عدد الطلاب غير القادرين على تسيير أمورهم بأنفسهم، واللجوء إلى المدرس الخصوصى والاعتماد عليه فى تبسيط المعلومة وتلخيص الدروس وحل المشكلات التى تعترضه فى المستقبل، حيث تحرمه من اكتساب الخبرات التى تؤهله لمواجهة كافة المشكلات فى حياته العملية خاصة فى المستقبل.
الأهم من ذلك هو ارهاق ميزانية الأسرة حيث يضطر أولياء الأمور إلى اقتطاع جزء كبير من دخل الأسرة للوفاء بالتزاماتهم المالية تجاه المدرس الخصوصى الذى يستنزف نصف دخلها السنوى، ورغم هذا يقوم المدرسون بالاضراب دون أدنى اعتبار لمستقبل أبنائنا التعليمى ويضربون بكل القيم عرض الحائط مما دعانا نتحسر على المدرس الذى أشاد به أمير الشعراء أحمد شوقى يوما وكتب فيه شعرا رفعه لمنزلة الرسل حين قال: «قف للمعلم وفه التبجيلا - كاد المعلم أن يكون رسولا».
وهنا نتساءل هل بعد زيادة الرواتب والأجور للمدرسين، هل سيتوقفون عن الدروس الخصوصية ويراعون الله فى أنفسهم وأبنائنا؟!
الحقيقة أننى أشكك فى نواياهم فقضية الدروس الخصوصية أصبحت مثل السرطان المتفشى فى مجتمعنا.
المصدر: مجلة حواء -تهاني الصوابي
20 تصويتات / 203 قراءة
نشرت فى 30 سبتمبر 2011 بواسطة hawaamagazine مجلة حواء, مجلة مرأة, تهاني الصوابي, أزمة الدروس الخصوصية, أجور المدرسين, الدروس الخصوصية, المدرسين
ساحة النقاش
بداية يجب الإشارة إلى أمر هام ألا وهو أن قيام المعلم بممارسة الدروس الخصوصية ليس جريمة إذا ما قام بواجبه في الفصل على أكمل وجه وبما يرضي الله عز وجل ..
ولنتفق على مبدأ يقول : إن من حق كل إنسان أن يسعى لزيادة دخله من طريق مشروع ؛ لذا فالمحامي الذي يعمل في مؤسسة صباحا ويفتح لنفسه مكتبا خاصا مساءا لايمكن لأحد أن يلومه لأنه لا يجبر أحدا على الذهاب لمكتبه ، ونفس الأمر ينطبق على الطبيب الذي يعمل بمستشفى عام صباحا ويفتح عيادة مساءا ، والأمثلة كثيرة ..
وعليه فالمعلم ـ وسلعته هي علمه ـ لا يكون مجرما ولا آثما إذا حضر إليه ولي أمر الطالب راجيا إياه أن يشرف منزله ليقوم بالتدريس لولده أو ابنته ، والتاريخ يثبت أن الملوك وعلية القوم لم يكن أبناؤهم يذهبون للمدارس ؛ بل كان المعلمون يذهبون إليهم في قصورهم ، وكانوا يغدقون على المعلمين ويقبلون أياديهم ويعترفون بأفضالهم ..
ولكن لما جاءت عصور الفساد وحرصت الأنظمة الفاسدة التي باعت نفسها للعدو على هدم التعليم ، كان لابد من ضرب العمد الأساسية لهذا التعليم ألا وهو المعلم ، فحرصت هذه الأنظمة على تجويع المعلم ضمن سياسة التجويع العامة ، كما حرصت على إلغاء التكليف لخريجي كليات التربية ، وأدخلت في المنظومة التعليمية من ليس لها أهلا من غير المتخصصين ..
ومن هنا بدأت المشكلة التي استشرت وتفشت حتى ضربت نخاع المجتمع ، ولم يكن للدرس الخصوصي هؤلاء المنتقدين حتى تولى وزارة التربية والتعليم من ليسوا منها ؛ فحرصوا ـ ضمن المخطط الكبير لتمزيق المجتمع ـ على هدم صورة المعلم ، وأبرز هؤلاء حسين كامل بهاء الدين الذي أطلق على الدروس الخصوصية صفات تتطابق مع المخدرات مثل (تعاطي الدروس الخصوصية) ، و (أوكار الدروس الخصوصية) في إشارة منه للمراكز التي انتشرت بشكل وبائي والتي ساعد بغبائه على انتشارها أكثر وأكثر ..
وعليه فالدروس الخصوصية لم تعد خطأ المعلم ولا جريمته ؛ وإنما هي ظاهرة اجتماعية تفشت بشكل وبائي يحاسب ـ أول من يحاسب عليها ـ أولياء الأمور الذين يستجيبون لكسل أبنائهم وعدم انتظامهم في مدارسهم والغياب بحجة أنهم لا يتلقون تعليما بالمدرسة .. ثم تحاسب وزارة التربية والتعليم لعدم استطاعتها الخروج بالتعليم من النفق المظلم الذي أدخلته فيه الأنظمة البائدة ..
وأنا على ثقة بأن المعلم مثله مثل إي إنسان على وجه الأرض لا يمكن أن يهين نفسه باللف على البيوت إذا كان دخله من عمله يكفيه ويكفي أهله وأولاده ؛ فهو يحب ـ دون شك ـ أن يجلس بين أولاده يرعى مصالحهم ويغدق عليهم من عطفه ورعايته وعلمه الذي يعطيه لأبناء الناس ويحرم منه أولاده رغم أنفه ..
أيها السادة أعيدوا النظر في المنظومة كلها ولا تلقوا باللائمة على المعلم الذي يستحق كل التقدير لأنه صانع الحضارة وباني العقول ومغذي الأرواح ..
عبد الفتاح نيازي فى 16 أكتوبر 2011 شارك بالرد 0 ردود
ساحة النقاش