كان الطفل في ذلك الحفل يمسك بيد أمه وهو يستمع إلى أحاديث أبناء الجالية من مسلمي أميركا عن مناسبة العيد، وكان كثير منهم يثير إمكانية ابتكار تذكار لهذه المناسبة العزيزة على قلوبهم.
كثرت الأفكار بين المتحدثين لكن الطفل ظل مستمعا للجميع في صمت كبير دون أن يشير إلى أن من تحدثوا لم يحققوا بعد رغبته في فكرة تخرج عن الأفكار التي سمعها حتى تلك اللحظة.
أخرج يده من بين أصابع أمه ورفع يده طالبا الكلمة. نظرت إليه أمه في استغراب لاعتقادها أن صمته يعني في مكان ما عدم حماسته أو ربما عدم اهتمامه بالنقاش الدائر بين هؤلاء الكبار فيما هو مكتف بشؤونه وألعابه الإلكترونية وممارستها على مدار الساعة.
كانت المفاجأة كبيرة بين الجميع والطفل اليافع يقول "لماذا لا نفكر في أن نطبع طابعا بريديا لمناسبة العيد لدى مصالح البريد ويوزع عبر أميركا ويكتب عليه شعار المسلمين الأميركيين عيد مبارك؟".
اهتز الجميع للفكرة ورحب بها في احتفال معلن. نظرت الأم ثانية إلى طفلها لكن هذه المرة بفخر واضح واعتزاز أدركه الجميع من حولها.
طابع بريدي لمناسبة العيد في أميركا ومكتوب عليه "عيدكم مبارك" من هذه اللحظة ولدت الفكرة وتكفل بها البالغون من أبناء الجالية في البحث في سبيل تحقيقها وتنفيدها على أرض الواقع.
هناك عقبات عديدة في هذا الطريق أولها كيف يمكن نقل الفكرة لمصالح البريد الجهة الأولى المعنية بالمشروع، وثانيا من سيقوم برسم اللوحة حتى تكون بجمال الفكرة والمعاني التي حلم بها الطفل في احتفالات عيد أبناء الجالية وبالصورة التي تحقق سعادة الكبار من بعد ذلك.قال متحدث في ذلك المساء، إنه يعرف فنانا بارعا في هذا النوع من الرسومات يسكن في مدينة أرلينغتون شمالي فرجينيا، مشيرا إلى أنه فنان أميركي متخصص في الخط العربي له إبداعاته الكثيرة في هذا المجال. وأضاف أن الفنان لن يتردد في تحقيق الفكرة التي يسعى مسلمو أميركا إلى تحقيقها في عيدهم.
كانت الساعة تشير إلى الرابعة وقليل من ذلك المساء عندما دق شباب متطوعون الباب للحديث مع الفنان محمد زكريا في بيته. وكان الرجل في انتظار الجميع مختفيا وراء ابتسامة عريضة، لأن حماس اليافعين لمشروعهم سبق وصولهم إلى بيته ورغبة هؤلاء الجامحة في تنفيد المشروع كانت صارخة في حديثهم الهاتفي إلى الرجل عند الاتفاق على مكان وموعد بحث التفاصيل
ابتسم زكريا وأنا أوقف معه اندفاع الذاكرة في الحديث بيننا لأسأله عن قصة ذلك الطابع البريدي في كل مكاتب البريد في أميركا والممهور بخطه الجميل والمكتوب عليه بالبنط العريض "عيد مبارك".
ربما تأخرت في البحث عن هذه القصة، يقول زكريا ذلك في تعليق منه على معرفته المسبقة بشغفي بكل تلك القصص التي تربط الحياة الأميركية بكل ما هو شرق في التاريخ والإنسان والحضارة.عاد إلى تلك اللحظة التي انفرد فيها بنفسه بعد سلسلة لقاءات مع مسؤولي البريد في إدارتهم المركزية في واشنطن عن المشروع والفكرة.هنا في هذه الزاوية جلس زكريا واستكان بنفسه بهدوئه العميق، ووضع الرسمة الافتراضية للوحته التي يريد لها أن تكون جميلة ولافتة وتحقق أجمل المعنى الممكن بين مختلف أعراق أميركا.
قدم زكريا لمصالح البريد اقتراحات ثلاث تختلف في خطوطها وفي خلفيتها. راجعته مصالح البريد بعد أيام من ذلك لتقول له إنها اعتمدت تلك اللوحة التي خلفيتها خضراء ولون الخط فيها العنابي لأنها تعتقد أنها الأجمل من بين اللوحات المقترحة. قبل أسبوع من ذلك العيد في عام 2004، كانت مطابع مصالح البريد في أميركا تدفع بأول طابع بريدي يحمل شعار عيد المسلمين الأميركيين إلى مكاتبها لبيعها، ومن وراء ذلك قصة فخر لكل الأميركيين المنحدرين من أصول عربية وإسلامية وآخرين محبين لهذا الفن.
لم يقف النجاح عند هذا الحد. فقد أبلغت مصالح البريد شريكها زكريا بأن كثيرا من العائلات الأميركية المسيحية أصبحت تطلب الطابع البريدي تذكارا لها لأن رسمه بتلك الصورة جعل منه أقرب إلى شجرة الميلاد وبالتالي بات الطابع البريدي تذكارا مفضلا لدى هذه العائلات في مناسبة أعياد الميلاد.
نجح الطفل بذكائه الفطري في دفع شباب يافعين إلى حماسة منقطعة النظير لفكرة طرحها بصوته العالي، ونجح محمد زكريا ذلك الفنان الأميركي الذي عشق الشرق بكل تفاصيل الفن والحضارة فيه في مد أميركا بلوحة فنية غاية في الجمال والتفرد وكرر الجميع من وراء ذلك في مكاتب البريد إجابة على سؤال ماذا تعني هذه اللوحة لتكون الإجابة عن السؤال في كل مرة "عيدكم مبارك".
- نقلا عن http://yemeniamerican.com/show.php?mnid=1202
عن موقع الحرة