يعتبر ميخائيل روم من أهم المخرجين السينمائيين في الحقبة السوفيتية ، وهو بالاضافة لعمله بالاخراج وكتابة السيناريو، كان من ابرز الذين اشتغلوا على النظرية السينمائية في محاولة للكشف عن امكانيات وخواص وطبيعة وآفاق فن السينما، كما قام ميخائيل روم بالتدريس لعشرات السنين بمعهد السينما بموسكو(فغيك) وتخرج على يديه بعض افضل السينمائيين السوفييت، ومنهم اندريه تاركوفسكي وأندري ميخايلكوف كونتشالوفسكي .
إن كتاب «احاديث حول الاخراج السينمائي» الذي ترجمه للعربية الناقد عدنان مدانات موجه للقاعدة العريضة من هواة السينما ومحبيها والذين يرغبون في فهم جوهر وامكانيات الفن السينمائي، كما ان هذا الكتاب هو في الوقت نفسه ذو اهمية كبرى للسينمائيين المحترفين في كافة مجالات اختصاصهم، حيث سيجدون فيه ليس فقط تأملات وافكاراً عميقة.
بل واستنتاجات مفيدة، ذلك لأن المؤلف لا ينطلق في عرضه النظري من الافكار والمفاهيم المجردة بل يستند اساساً الى تحليل ذكي وموضوعي جداً لتجربته الخاصة الشديدة التنوع وينطلق من خبرته العملية التي اكتسبها خلال سنوات طويلة والتي اخرج خلالها اربعة عشر فيلماً روائياً طويلاً وفيلماً تسجيلياً يعتبر حتى الآن من روائع الافلام التسجيلية في تاريخ السينما العالمية، وهو ( فاشية عادية).
الكتاب هو نتاج مجموعة محاضرات القيت من قبل ميخائيل روم على تلاميذ السنة الاولى في معهد السينما في موسكو، في الفصل الاول «من هو المخرج السينمائي؟» يقول ميخائيل روم ان المخرج هو «مترجم للمترجمين» إنه اول من يفسر العمل الفني وينقل تفسيره ورؤيته لما كتبه المؤلف، الى مجموعة المنفذين كلهم.
إنه يعطي للرسام وللمصور وجهة نظره بالنسبة للتصميم البصري للفيلم، مقسماً اياه الى جزء يتعلق بالديكور وجزء يتعلق بالتصوير، ويستنبط مع كل منهما على حدة مجال عمله.
إنه يعمل مع الرسام في مجال الشكل العام للديكور، ألوانه، ترتيبه وفي مجال نوعية الملابس، مع المصور يدرس طبيعة الضوء، تقسيم المشاهد الى لقطات منفصلة ، تكوين هذه اللقطات، وكل الحل التصويري للفيلم.
يدرب المخرج الممثلين، أي انه يخزن فيهم فهمه للعمل، مطابقاً ما بين فهمه وخواص الممثلين، انه يفسر للملحن موقفه بالنسبة للموسيقا، ويقود المونتير اثناء عمليات المونتاج.
ويؤكد ميخائيل روم ان تاريخ تطور السينما - هو الى حد كبير- تاريخ نشاطات المخرجين، وتقريباً ، فإن كل جديد يمكن ان نجده في السينما، يرتبط بالذات بأسماء مخرجين.
في الفصل الثاني «الصامت العظيم» يذكر ميخائيل روم ان السينما الصامتة، ولفترة طويلة، قبل ظهور السينما الناطقة، قد صاغت قانون التناسب الدقيق بين اداء الممثل والقياس الواقعي للمشاعر… وفي السينما الصامتة، وبالذات بفضل استعماله وسائل سينمائية خاصة، كان المتفرج يشاهد الفيلم بطريقة مميزة، وكان يحتاج من أجل ذلك الى العادة المعروفة الى التحمس للسينما، إننا على الأغلب لم نعد نعرف كيف نشاهد الفيلم على ذلك النحو، وكأن السينما الصامتة تضع امام المتفرج مجموعة متلاحقة من الاحجيات، والتي عليه ان يحزرها، أن يفك رموزها ، وأحياناً كان عليه ان يحزر محتوى المشهد، انطلاقاً من مجموعة من العناصر المنفردة او التي تبدو متناثرة.
وفي الفصل الثالث عن دخول الصوت بالسينما يقول المؤلف: ان ظهور الصوت قد غير على نحو حاد كل طبيعة فننا، لقد حصلت السينما على سلاح جبار واغتنى محتوى الافلام السينمائية كثيراً، وقد حصل الانسان عبر الشاشة على امكانية التفكير بعمق، إن كل عالم الصوت المتنوع قد تنوع في المجال السينمائي الصامت، لقد كان ذلك ثورة حقيقية.
ويرى انه على السيناريو الاخراجي المصنوع جيداً ان يعطي تصوراً واضحاً عن الفيلم القادم، يجب ان تتم معالجته، بحيث تنشأ اثناء القراءة فكرة عن بعض اللقطات الملموسة، كل ما كانت كتابة السيناريو الاخراجي ادق، كل ما كان تحليل العمل اكثر عمقاً، كل ما سهل فيما بعد، تحقيق الفكرة في ساحة التصوير، يجب ان تتم معالجتها، بحيث تنشأ اثناء القراءة فكرة عن بعض اللقطات الملموسة، يجب ان تكون الاحداث محددة بدقة في السيناريو الادبي، غير انها يجب ان تمتلك اشكالاً سينمائية واضحة في السيناريو الاخراجي .
ويتحدث في الفصل السادس عن «الميزانسين في المسرح والسينما» ويرى ان الميزانسين السينمائي يتميز الى حد كبير عن الميزانسين المسرحي انه اكثر تعقيداً والى حد ما اكثر خفية، إن والدي الميزانسين السينمائي هما من جهة الميزانسين المسرحي، ومن جهة اخرى الكاميرا السينمائية التي تتدخل في الميزانسين ولهذا عادة يصبح الاحساس المسرحي بالشكل الرئيسي للميزانسين في السينما ضعيفاً بسبب تنقلات الكاميرا بسبب اللقطات الكبيرة، ومع ذلك ، فهو يبقى نقطة الاستناد الداخلية بالنسبة لبناء المشهد ولا يجدر بالمخرج ان ينسى ذلك.
وفي الفصل الرابع «ما هي اللقطة؟» يتحدث المؤلف عن التكوين «المقطعي الشبيه بالفسيفسائي للفيلم السينمائي» فما نستقبله باعتباره حركة متصلة، سلسة هو على الاطلاق ليس متصلاً او سلساً، ان اي حركة في السينما هي عبارة عن مجموعة قفزات، ولكننا لا نستقبل هذه القفزات بفضل خاصية الذاكرة القادرة على تمديد الانطباع.
إننا نكتشف القانون ذاته، الفاعل في أول وابسط نوع من حركة الشريط السينمائي، نجده ايضاً ضمن احجام اكبر عند توليد لحظات منفردة، اي من خلال المونتاج.
إن الانطباع عن اللقطة التي ظهرت يبقى في وعينا، يحتجز فيه، عندما ننتقل بواسطة المونتاج الى الصورة التالية.
ويذكر المؤلف ان اللقطة هي الجزء الاصغر في الفيلم، وعلى المخرج ان يعمل دائماً على هذه الوحدة الاصغر ويحدد انواع اللقطات مثل: لقطة بعيدة او لقطة عامة جداً- لقطة عامة - لقطة متوسطة - اللقطة الجماعية- لقطة حتى الركبة- حتى الخصر- بورتريه…
ويحدد المؤلف اربعة عناصر، على المخرج والمصور اخذها بعين الاعتبار عند تحديد اللقطة: الموضوع، الحجم، الاضاءة، التكوين، وفي الفصل الخامس يؤكد المؤلف: انه ينتمي الى أولئك المخرجين، الذين يعتبرون ان العمل الابداعي الرئيسي بالنسبة لخلق الفيلم ينتهي الى حد كبير لحظة كتابة السيناريو الاخراجي .
وفي فصل «العالم المصور اثناء الحركة والعالم المصور مونتاجياً» يقول المؤلف: إن خواص التصوير المونتاجي هذه بالذات- امكانية تكثيف الحدث، اختصار (أو على العكس، تطويل) الزمن، بناء المكان المجازي، المصادمة الحادة بين زوايا ومجالات مختلفة، مراقبته من نقاط رؤية جديدة كلياً- هي ما أدت للتطور العاصف للمونتاج في السينما الصامتة، حيث كان الجانب البصري هو السائد، وكان يحدد معنى ودلالة الفيلم السينمائي الفنية.
ويقول المؤلف في فصل «المونتاج»: يرتبط المونتاج ارتباطاً وثيقاً مع فكرة الحركة، إن الحركة ستنشأ بالتأكيد في حال جمع لقطتين وبما ان المخرج يركز في اللقطة على الحركة وليس على الثبات فإنه سيأخذ بعين الاعتبار عندما سيقوم بلصق لقطتين ، الحركة في شكليها الاثنين: الحركة الموجودة في اللقطة نفسها ، والحركة الناتجة عن جمع اللقطات، وهي امور مختلفة تماماً.
ويرى ايضاً ان الاسئلة المتعلقة بتكوين المقاطع المجاورة، بالتصادم، وبالبواعث التكوينية الداخلية، الموجودة داخل اللقطات، لتكتسب اهمية فائقة عند جمع اللقطات مع بعضها.
ويذكر ان: عناصر التكوين والاحجام تحدد مسبقاً امكانيات المونتاج، في حين ان المستوى الامامي للقطة وحركته يخلقان تلك الحالة، التي تساعد المخرج على الانتقال من لقطة الى اخرى وخاصة عندما يتعامل مع مشاهد الممثلين.
أتى الكتاب في 306 صفحات، قطع كبير وهو صادر ضمن سلسلة الفن السابع عن المؤسسة العامة للسينما.
نشرت فى 28 مايو 2010
بواسطة somaragha