التحكيم وأهميته
يعتبر التحكيم وسيلة فعالة وسريعة لحل المنازعات التي تثار بين الخصوم وتقترن احكام المحكمين وقراراتهم بالعدالة وحرية الرأي
والتحكيم قديم في نشؤه حيث عرفه القدماء في جميع الحقب الحضارية المتعاقبة حتى قال عنه (ارسطو) ان الاطراف المتنازعة يستطيعون تفضيل التحكيم على القضاء ذلك لأن المحكم يرى العدالة بينما لا يعتد القاضي الا بالتشريع) وازدهر التحكيم قبل الاسلام عند العرب وبرز عديد من المحكمين حيث ان كل قبيلة لها محكميها وكانت ابرز قضية قبل الاسلام حكم فيها رسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام في رفع الصخرة المشرفة الى مكانها عندما اختلفت قبائل قريش عليها في حينه وجاء الاسلام ليضع التحكيم في اهم موقع في الحياة وهو العلاقة الزوجية (فان خفتم شقاقا بينهما فابعثوا بحكم من اهله وحكما من اهلها ان يريدا اصلاحاً يوفق الله بينهما). وكذلك في العلاقات الاخرى حتى وصلنا الى معركة صفين التي حكم فيها عمر بن العاص وابو موسى الاشعري بين سيدنا علي ومعاوية بن ابى سفيان والتي لا يزال كثير من المسلمين يخشون عند اللجوء الى التحكيم ان يصلوا الى ما وصلت اليه نتائج التحكيم في تلك الواقعة واستمر التحكيم بالازدهار حيث تزدهر التجارة الدولية والنشاط التجاري بين الناس ويزداد التحكيم حتى اصبح على شكل منظمات وهيئات دولية ومراكز ونما التحكيم في هذه الفترة لاسباب ازدهار التجارة بين الدول ومواطنيها وازدهار عقود الاستثمار وحرية انتقال الاشخاص ورؤس الأموال وعقود نقل التكنولوجيا وعقود النقل والتأمين والعلاقات المصرفية.
ومن حيث مفهوم التحكيم فهو ضرب من القضاء الخاص يقوم على مبدأ سلطان الارادة اي ان اطراف النزاع او اطراف العلاقة تتفق فيما بينها على اللجوء الى التحكيم في حل خلافاتها ومنازعاتها التي قد تحصل او حصلت وهو تخل من المتعاقدين او الخصوم عن حقهم في اللجوا الى القضاء واعتمادهم التحكيم كسبيل لحل الخلاف بينهم.
وبما ان التحكيم ينبني على اساس قبول واتفاق الاطراف على اللجوء اليه في حالة حصول خلاف بينهما فقد سُمى ذلك بشرط التحكيم. اما اذا حصل الخلاف بين الاطراف ولم يكن بينهما مسبقاً اتفاق للتحكيم ثم اتفقا بعد ذلك اي بعد حصول الخلاف على حله بواسطة التحكيم سُمى ذلك بمشارطة التحكيم.
التحكيم والصلح والقضاء
يختلف التحكيم عن الصلح حيث ان الصلح يتم بين الخصوم انفسهم او من ينوب عنهم اما التحكيم فان المحكم يقوم فيه بمهمة القاضي فيصدر قراره سواء رضى به الطرفان ام لم يرضوا.
اما الفرق بين التحكيم والقضاء هي ان ولاية القاضي عامة فينظر في جميع القضايا التي تعرض عليه بينما ولاية المحكم مقصورة على قضية المتخاصمين الذين رضوا بأن يحكم في تلك القضية المعروضة حصراً ولاتتعدى سلطاته الى قضية اخرى وسنأتي الى شرح ميزة التحكيم على القضاء بعد قليل.
اركان التحكيم
أما أركان التحكيم فهي تستوجب امور مهمة ثلاثة وهي :
1) ايجاب من المتخاصمين في تولية الخلاف بينهم الى محكمين يحكمون بينهم.
2) قبول من المحكمين بذلك.
3) المحل المعقود فيه التحكيم.
وينقسم التحكيم من حيث تنظيمه الى :
أ – تحكيم حر وهو ان يختار الأطراف محكم او محكمين مباشرة ويتم التحكيم من قبل هؤلاء المحكمين.
ب – تحكيم مؤسسى وهو اخضاع المتخاصمين في النزاع إلى مركز من مراكز التحكيم مثلاُ لاهاي او ICC الفرنسي أو AAA البريطاني او مركز استوكهولم او مركز القاهرة او مركز دبي او مركز عجمان للتوفيق والتحكيم.
وكذلك يعتبر التحكيم وطنياً اذا كان جميع اطرافه وعقده ضمن نفس الدولة. ويعتبر اجنبياً اذا كان احد الاطراف او احد اركان النزاع او حيثياته اجنبياً يعتبر التحكيم اجنبيا.
وهنالك قواعد للتحكيم تستند عليها الدول في تنظيم التحكيم مثلاً المملكة العربية السعودية تعتمد التحكيم على فقه السيد / احمد بن حنبل بينما العالم الآن اتجه تقريباٌ الى الاخد بقواعد القانون النموذجي (اليونسترال) وهو قانون التي وضعته الامم المتحدة.
اهمية التحكيم عن غيره من اساليب فض النزاعات
أولاً : السرعة في فض المنازعات لأن المحكمين عادة ما يكونون متفرغين للفصل في خصومة واحدة وعموماً لا تتعدى اكثر من 6 اشهر.
ثانياً : الاقتصاد في المصروفات : حيث ان نفقات التحكيم اقل كثيراً من نفقات رسوم المحاكم واتعاب المحاماة واجراءات التنفيذ.
ثالثاً : السرية : حيث ان ملف الخصومة بين الطرفين يبقى تحت علم المحكمين حصراً في حين جلسات التقاضي في المحاكم علنية ولا ننسى ان المحكمين يقسمون اليمين في كل قضية يتولون التحكيم فيها للمحافظة على الحياد والسرية.
رابعاً : يمتاز التحكيم ببساطة اجرائاته والحرية المتاحة الى هيئة التحكيم بحسم الخلاف غير مقيدة الا بما ينفع حسم الموضوع.
خامساً : طريقة اختيار المحكمين برضا تام من الفرقاء المتنازعون بحيث يشعر كل منهم بكامل الاطمئنان لانهم اختارو بارادتهم من يحكم بينهم.
سادساً : تلافي الحقد بين المتخاصمين اغلب الاحيان يأتي القرار اقرب ما يكون للتراضي لانه تم من محكمين حائزين على ثقة الجميع فيؤدي القرار الى وأد الخصومة والمشاحنات وبالتالي اطمئنان النفوس والرضا واعادة العلاقات الطيبة.
وقد اجمعت الكثير من المصادر ذات الصلة بموضوع التحكيم ان تطويراً كثيراً لقوانين التجار الذين يرغبون التمسك بالتحكيم لحل خلافاتهم اخذت يحدث تطوراً بعيداً عن القضاء وقوانينه حتى اصبح التحكيم يلعب دورا بارزا واساسياً في تطوير وصياغة قانون مهنى تعاوني خاص بالتجارة الدولية ولقد اصبح التحكيم التجاري الدولي ذو نظاقا قانوئياً عالميا يعلو فوق النظم القضائية الوطنية كما انه تغلب الى حد ما على عدم الثقة الناجمة عن اختلاف النظم الاقتصادية والسياسية للمتعاملين مع التجارة الدولية. ولم يعد التحكيم سلعة يجب استظهار محاسنها بل اصبح ضرورة يفرضها واقع التجارة الدولية ولم يعد دوره مقصوراً على فض المنازعات بعد نشوبها. بل اصبح في نظر الكثير من اعضاء المؤتمر الدولي الرابع للتحكيم المنعقد في موسكو في سنة 1972 والمؤتمر الدولي الخامس المنعقد في لندن في اكتوبر 1974 اداة فعالة يجب استخدامه لتفادي قيام المنازعات اثناء مفاوضات ابرام العقود الدولية طويلة المدى التي تتعلق بالتجارة ونقل التكنولوجيا والمشروعات المشتركة واثناء تنفيذ العقود.
وكما اشرنا لقد حظى التحكيم في الخمسين سنة الماضية على اهمية تجسدت بالاتفاقيات الدولية اهمها اتفاقية نيو يورك في سنة 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم الاجنبية والتي وقعت عليها 11 دولة عربية والاتفاقية الاوروبية بخصوص التحكيم التجاري الدولي الموقعة في جنيف في نيسان سنة 1961 والترتيبات المتعلقة بتطبيق هذه الاتفاقية الموقعة في 17 ديسمبر كانون اول سنة 1962 والاتفاقية الخاصة بتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول المضيفة للاستثمارات وبين رعايا الدول الاجنبية الموقعة في اذار 1965 وهي من عمل البنك الدولي للانشاء والتعمير والمعروفة باتفاقية (B.I.R.D) واتفاقية الشروط العامة لسنة 1968 التي تحكم توريد البضائع وتسري على دول (الكومكيوم) ومعاهدة موسكو في مايو 1972 بخصوص تسوية المنازعات عن طريق التحكيم بين الدول الاشتراكية ومفتوحة لجميع دول العالم وصولاً الى القرار النموذجي (اليونسترال) التي اخذت به اغلب دول العالم.
واقع التحكيم ومستقبله
ان نمو التجارة الدولية وتشابك المصالح الاقتصادية وثورة الاتصالات التي جعلت العالم في غرفة واحدة وسهولة انتقال رؤوس الاموال في شكل استثمارات ضخمة وعقود نقل التكنولوجيا وعقود الانشاءات وعقود التجارة الدولية وعقود النقل الجوي والبحري والبري وعقود التأمين والعقود المصرفية للبنوك كل ذلك أوجد الحاجة الماسة لتطوير آلية التحكيم التجاري الدولي ليكون الوسيلة الفعالة والمناسبة بل والملاذ الامن للرجوع إليه في حسم اي خلافات تنشب بين الأطراف المتعاقدة فلهذا أصبح واقع التحكيم يشكل عصباً مهماً في مجال الأعمال في التطوير بل وحتى اغلب المتعاقدين يصرون على التحكيم للاساب الآنفة الذكر بعيدا عن القضاء الوطني واجراءاته.
وكمثال عملي كانت القوانين الفرنسية لا تسمح للتحكيم ان يتبع في اية علاقة قانونية تكون الدولة الفرنسية طرفاً فيها وكان مقصوراً على القطاعات الخاصة فعندما ارادت فرنسا مع الشركات الامريكية ان تبني مدينة يورو ديزني في ضواحي باريس اصر المستثمرون على وضع بند التحكيم لحل الخلافات التي قد تنشب بين الطرفين واصرت فرنسا على رفضه لمدة خمس سنوات الى ان اذعنت واقر البرلمان الفرنسي في عام 1992 بوجوب ادخال بند التحكيم واعتماده كوسيلة فعالة وبديلة لحل الخلاف وبناء على ذلك تم الاتفاق مع الممولين ومع الحكومة الفرنسية وتم انشاء مدينة يورو ديزني.
وانطلاقاً من ذلك سيكون للتحكيم مستقبلا عظيماً يتطور بتطور مرافق الحياة في النواحي التي ذكرناها ابتداء.
ومن هنا يجب الاهتمام بالتحكيم وتطوير الياته ليصبح مواكباً لتطور المجتمع وحاجاته حاضراً ومستقبلاً وتثقيق رجال الاعمال وذوى العلاقات التجارية والمالية ومن له علاقات بالقطاع المذكور انفاً بالتحكيم واهميته كوسيلة بديلة لفض المنازعات وبناءً على ذلك اصدر سمو حاكم عجمان الموقر المرسوم الأميري رقم (6) لسنة 2004 بشأن نظام مركز عجمان للتوفيق والتحكيم التجاري التي يعتبر تتويجاً للتوجهات الرائدة لسمو عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان في جعل امارة عجمان كياناً متكاملاً في جميع اركان الاستثمار وتكون بذلك بيئة امنة للاستثمار وجاذبة لرؤس الاموال وهذا المرسوم صدر بمبادرة من سمو ولي عهد عجمان الموقر وكذلك بجهود من مجلس ادارة غرفة تجارة وصناعة عجمان ، الجهة المسئولة عن تنفيذ المرسوم وادارة المركز والذي نأمل ان يكون فاتحة خير للامارة ، ومن الله التوفيق.
منقول للفائدة عن :-الدكتور / علي خليل الحديثي
محامي ومحكم دولي
ساحة النقاش