يبدو الإنسان بطلاسمه الكثر كما لو أنه خُلق ليحيا الحيرة.. فإن لم يجدها اخترعها ولو متفلسفاً على غرار مافعل الشاعر إيليا أبو ماضى - الذى (ولد فى 1890 وتوفى فى 1957)- فى قصيدته «الطلاسم» التى يقول فيها «جئت، لا أعلم من أين، ولكنى أتيت / ولقد أبصرت قدامى طريقاً فمشيت / وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت / كيف جئتُ؟ كيف أبصرت طريقي؟ / لستُ أدري».
و لسوء حظ الإنسان المعاصر فى مصر المعاصرة أنه ليس بحاجة ليتفلسف كإيليا أبو ماضى لكى يحيا الحيرة ونارها.. فالحيرة سوف تطارده فور أن يستقظ من نومه وطوال يومه.. فى طعامه وشرابه وحتى فى أحلامه بالستر الذى صار صعب المنال بعد أن استبان أن كله «متسجل» ومكتوب حتى ذلك اللهو الذى هو من طبع البشر كلقاء غرامى فى «كافتريا» أو حتى على كوبرى أو فى الشات على الانترنت .
الأسوء من ذلك هو الحيرة التى هى ثمرة البخل الذى هو سيد الموقف فى المال كما فى المشاعر وإذا تفهمت البخل بالمال فإنه يصعب أن تتفهم البخل فى المشاعر ما بين الأصدقاء والأزواج وربما الأبناء والآباء فما أكثر الوقت الذى نقضيه فى التساؤل عما يحدث لمن حولنا لماذا يبخلون بمشاعرهم علينا.. فين الكلمة الحلوة؟ فين الابتسامة التى تزغزع الروح؟ فين وفين؟ تتوالى الأسئلة.. ويظل البخل سيد الموقف.. بخل يفسد علينا حياتنا ويزيد من الطلاسم والحيرة التى تحاصرنا فى كل حياتنا.. ومع هذا فإن الأمل فى فك طلاسمنا وحيرتنا لا يزال ممكناً.. علينا أن نبدأ فنتحرر من بخلنا لعل وعسى تعود العصافير لتغريدها والأغصان لتمايلها والبيوت لطعمها والشوارع لبهجتها.. دافئة مهما كان برد الشتاء.
ولا أى اندهاش !
من كثرة الظواهر السلبية التى يعانى منها المجتمع المصرى الآن وبعد أن تحول مشهد الدم إلى مشهد يومى مألوف فى صراع الإخوان وأعداء الإخوان.. بدء الناس يفقدون القدرة على الاندهاش.. ولم يعد للموت رهبته ولا قدسيته.. فى مناخ كهذا تصبح الأحداث المقلقة والأرقام المفزعة أشياء عادية واعتيادية.. فى السياسة كما فى الاقتصاد كما فى الحياة الاجتماعية.. خذ عندك على سبيل المثال سلسلة أرقام عن الزيجات الفاشلة هذا العام..
تجاوز عددهها 90 ألف حالة بينما عدد المطلقات الإجمالى فى المحروسة تجاوز رقم الـ 2 مليون مطلقة ولا تحسبها على أساس عدد السكان بل احسبها بعدد الزيجات حيث أكثر من نصف عدد السكان فى مصر أطفال ولأن 42% من حالات الطلاق تحدث بسبب العوامل المادية والاقتصادية و52% تحدث بسبب تدخل الأهل و12% بسبب السلوك الشخصى بين الزوجين فأن هذا مؤشر على أن القادم أسوء، خاصة وأننا فى ظل أوضاع سيئة تتفاقم يوما بعد يوم وحالة تخبط تمضى بنا إلى داخل نفق مظلم ليس يبدو فى نهايتة بصيص أمل أو شعاع نور.. والرهان كل الرهان على بطل الروايات العربية المنقذ الذى هو القدر وهو للأسف غامض ولا أحد يعرف موعد حضوره وحتى ذلك الحين يستمر القلق و يستمر توصيفنا لما هو مفزع ومقلق بأنه عادى.. وربما تصبح كلمة عادى من أشهر الكلمات التى سنسمعها خلال الأيام القادمة.