جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
سعاد تميم الجندي
تعتبر معرفة القراءة والكتابة ركيزة أساسية من ركائز الحياة، أما الأشخاص الذين يحملون متلازمة داون (م د) فإنهم إذا اكتسبوا تلك المعرفة، سيستطيعون المشاركة الفعالة في مجتمعهم مثل ممارسة عمل حقيقي يعود عليهم بالمنفعة المادية، الاستقلال بالسكن، والاستمتاع بحياة اجتماعية غنية وكاملة
ولكن لسوء الحظ، فإن العديد من أهالي هؤلاء الأشخاص في سورية يفقدون الأمل في كل ذلك، ويعتقدون أن أطفالهم قد وصلوا لسقف إمكاناتهم الأكاديمية عند وصولهم سنين المراهقة (و خاصة المتأخرة منها)، وإنهم لن يستطيعوا أبداً القراءة مهما حاولوا التعلم.
وعلى العكس من هذه الفكرة السائدة، يحاول هذا البحث أن يثبت الفكرة التالية: إذا انضم المراهقون الحاملون (م د) لصفوف ودورات تدرّس البرنامج المقترح في هذا البحث لتعليم مهارات القراءة فإن هذا سيكون له أثر ايجابي على مهارات القراءة لديهم، وأن استمرارية التعليم في هذا المجال حتى سنوات الكهولة لها فوائد هامة لما تحمله هذه الاستمرارية من تثبيت للمعلومات لديهم خاصة لما يعانونه من مشكلات في الذاكرة وخاصة مشكلة ضعف في الذاكرة اللفظية قصيرة المدى، ومشكلة التعرض بشكل أكثر من غيرهم للعته الشيخي Alzhemer's disease (الذي يظهر في وقت مبكّر لدى م د حيث يبدأ المرض بالظهور ابتداء من عمر 35 سنة) والشيخوخة المبكرة.
يدرس هذا البحث المشكلة المتواجدة ضمن غالبية مجموعة الأطفال الحاملين (م د) والذين وصلوا لسن المراهقة في دمشق: مشكلة الأميّة، لدرجة أن بعض هؤلاء اليافعين لا يستطيعون حتى تمييز القليل من الأحرف ومعرفتها، لذا، يناقش البحث مسألة تدريس مهارات القراءة لمجموعة من هؤلاء الأطفال كي تتحسن تلك المهارات لديهم ومن ثم الوصول بهم لمرحلة القراءة. يهدف البحث إلى تدريس المجموعة التجريبية دروساً في تعلّم القراءة حسب البرنامج المقترح من البحث وباللغة العربية التي هي لغتهم الأم. يعتمد هذا البرنامج على طريقة المونتسوري الصوتية (الفونية) Phonic في تعليم تمييز الأحرف وقراءة الكلمات، ثم يختبر البحث فعالية هذه الطريقة على عينة من اليافعين مؤلفة من قسمين: مجموعة ضابطة ومجموعة تجريبية من مدرستين للاحتياجات الخاصة في دمشق.
تأتي أهمية هذا البحث من أنه الأول من نوعه -حسب علم الباحثة- في هذا المجال في سورية، وتأتي أهميته أيضاً لأنه طبق الطريقة التجريبية التي تسمح للباحث بقياس فعالية البرنامج ومعرفة ثغراته ومن ثم اتخاذ خطوات مستقبلية لتحسين التدريس الموجه لهذه الفئة بالذات: المراهقين الحاملين (م د). وأخيراً تنبع أهمية البحث من إجراءاته وليس من نتائجه: إذ أنه من الممكن لهذه الإجراءات أن تكون مفيدة لبحوث تطورية طولانية قادمة.
يهدف هذا البحث إلى الوصول للأهداف التالية: تصميم برنامج لتدريس مهارات القراءة للمراهقين المصابين بمتلازمة داون، ثم قياس فعالية هذا البرنامج على مجموعة من 10 طلاب ضمن الفئة العمرية المناسبة من مدرسة دار الرجاء، ومن ثم مقارنة تقدمهم مع مجموعة أخرى مؤلفة من 9 طلاب ضمن نفس الفئة العمرية يأخذون منهاجاً آخر من مدرسة هذا بيتي، وتقع المدرستان ضمن مدينة دمشق. يحاول البحث أيضاً إبراز الفروقات العائدة لمتغير الجنس في ناحية التقدم بمهارات القراءة. من جهة أخرى تحاول الباحثة عرض الصعوبات التي تواجه هؤلاء الطلاب عندما يحاولون تعلم القراءة حسب البرنامج المطروح. أخيراً تقدم الباحثة بعض المقترحات التي من الممكن أن تحسن مهارات القراءة لدى هذه الفئة.
تتألف عينة البحث من مجموعتين من الطلاب يحملون (م د): المجموعة التجريبية وتتألف من 10 طلاب تم اختيارهم عشوائياً من مدرسة (دار الرجاء) للتربية الخاصة تحتوي على 5 فتيات و5 فتيان، تتراوح أعمارهم بين 11 – 18 عاماً المعدل العمري: 13.1 = M، والمجموعة الضابطة التي تتألف من 5 فتيات و4 فتيان من مدرسة (هذا بيتي) للتربية الخاصة. تتراوح أعمار هذه المجموعة بين 9 – 12 عاماً المعدل العمري 15.1 = M هؤلاء الطلبة في المجموعة الضابطة هم مجمل الطلاب الذين يحملون (م د) في تلك المدرسة باستثناء طالبا عمره 8 سنوات وطالبة يبلغ عمرها 42 عاماً. هذا وتقع المدرستان ضمن مدينة دمشق في سورية.
خضعت المجموعتان لاختبار قبلي واختبار بعدي خاص بقياس مهارات القراءة لدى الأطفال المصابين بالتخلف العقلي (الروسان،2003). ولقد استمرت التجربة لمدة شهرين ونصف: من1 آذار لغاية 14 أيار 2009 على النحو التالي: درّست الباحثة 4 دروس في الأسبوع لفترة تمتد 6 أسابيع ابتداءً من بداية الأسبوع الأول من وحتى نهاية الأسبوع السادس، أما بالنسبة للأسابيع الأربعة الباقية فإنها أعطت فيها درسين أسبوعياً. استمر كل درس لمدة ساعة وربع مع تمديد الفترة عند اللزوم بحيث استمر الدرس غالباً لحد الساعة وخمس وأربعون 45 دقيقة.
طورت الباحثة برنامجاً لتدريس مهارات القراءة لليافعين المصابين بمتلازمة داون معتمدة على طريقة المونتيسوري الصوتية في التعليم. تعتمد هذه الطريقة على تحليل الكلمات صوتياً عن طريقة دراسة صوت كل حرف من هذه الأحرف Phoneme، ثم اعتمدت على لفظ هذا الحرف وربطه مع كلمات تبدأ وتنتهي به، والتعرف على التشكيل لما له من أهمية في اللغة العربية، ودمج أصوات الحروف لقراءة الكلمة المعطاة، وتحليل الكلمات صوتياً لقراءتها، وقراءة الكلمات المقدمة على شكل كلمات النظر sight words. إضافة لذلك، استخدمت الباحثة في برنامجها مصاحَبَةْ شكل الكلمة مع التعبير اللغوي المناسب، سواء من ناحية التعليق الصادر من الباحثة والطلاب أو ردّ الطلاب على هذا التعليق بالتعبيرات اللغوية المناسبة. يأتي هذا الاختيار من إحساس الباحثة بالسهولة المدهشة التي يجدها الأشخاص المصابين بداون في معرفة الكلمات من شكلها وحفظها ومن ثم التعليق عليها شفويا أو استرجاعها من الذاكرة عند مشاهدتها مرة أخرى والتعبير عن هذا الاسترجاع بالقراءة الشفوية. استعانت الباحثة باستبيان صممته واستخدمته في دراسة العلاقة بين مهارات القراءة لدى الطالب ومتغيرات عدة مثل تمييز ومعرفة الأحرف، عمر المراهق، والقدرة على التواصل الفعال مع الأفراد المحيطين به.
صممت الباحثة وسائل الإيضاح وصنعتها ومن ثم قامت بتدريس البرنامج ضمن الفترة المذكورة أعلاه مستعينة بوسائل الإيضاح التالية: الصور الضوئية الملصقة على أطباق كرتونية، الصور على الحاسوب، بطاقات الأحرف، بطاقات الكلمات، بطاقات العبارات، صينية الرمل، صينية الأحرف، قراءة القصص، الغناء، التمثيل، والتمارين الرياضية المساعدة على التنفس والنطق.
يقدم البحث أيضاً معلومات هامة عن (م د) مثل أنواعها والعوامل المؤدية لها، وتأثيرات هذه المتلازمة على السمات الجسمية الفيزيائية، التطور الإدراكي المعرفي، الشخصية، الذكاء، الذاكرة، التعلم العام والتحصيل الأكاديمي، عملية اكتساب مهارات القراءة لحامليها، والمشكلات التعليمية لدى أطفال (م د). ثم يستعرض البحث أيضاً بعض النظريات في اكتساب مهارات القراءة وكيف يمكننا أن نطبق بعضاً من مكوناتها في التدريس الخاص الموجه لحاملي (م د). يتعرض البحث أيضاً للصعوبات الناجمة عن المتلازمة التي يواجهها الطلاب المراهقين عند محاولاتهم تعلم مهارات القراءة.
تشير نتائج البحث إلى تطورات دالّة في مهارات القراءة لدى المجموعة التجريبية على الرغم من قصر مدة التجربة مما يدل على أن تدريس المراهقين الحاملين (م د) في تلك المجموعة حسب برنامج البحث كان له أثر ايجابي هام على تقدم مهارات القراءة لديهم، هذا التقدم كان واضحاً بعد إتمامهم المشاركة في 10 أسابيع من البرنامج. أما عن المؤثرات التي أنتجت علاقات إيجابية دالة بينها وبين درجة مهارات القراءة فلقد كان منها: عدد الأفراد الذين يقطنون في منزل الطفل، معرفة كل الأحرف الأبجدية أو معرفة بعضها، عمر الطفل، عدد السنوات التي قضاها الطفل في المدرسة ومهارات التواصل. هذا ولم تشر النتائج إلى فروقات تابعة لمتغير الجنس في اكتساب مهارات القراءة. هذا التطور في مهارات القراءة لدى المجموعة التجريبية يمكن أن يولّد تغييرات في توقعاتنا عن القدرات الأكاديمية لدى الطلاب الحاملين (م د) والذين وصلوا لسن المراهقة بدون معرفة القراءة والكتابة، ولربما تكون هذه التوقعات الايجابية دافعاً لخلق حالة جديدة: استمرارية التعليم حتى سن متقدمة لهذه الفئة، وكذلك دافعاً للتركيز على ابتكار مناهج جديدة لتعليم مهارات القراءة ضمن منهاج التربية الخاصة.
يبرز هذا البحث أهمية انضمام المراهقين الحاملين (م د) لصفوف يتعلمون فيها مهارات القراءة بالطريقة الصوتية نظراً لأن هذه الطريقة تقودهم لتطوير تلك المهارات واكتسابها. وتشير النتائج لضرورة الاستمرار في عملية التعليم وخاصة مادة القراءة للمراهقين الحاملين (م د)، وضرورة االمساعدة على تحسين الدافعية لدى الأهالي كي يستمروا في تعليم أولادهم حاملي (م د) القراءة طوال المراهقة وما بعد البلوغ.
*- ملخص بحث قدم للحصول على درجة الدكتوراه في اللغويات التطبيقية، طرائق التدريس. (2008-2009)
كتب البحث باللغة الإنكليزية، وسوف يترجم قريبا إلى اللغة العربية.
.
ساحة النقاش