مسرحياً .. انتصار العاشر من أكتوبر 1973 !!

د.سيد علي إسماعيل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إذا تصفحت إعلانات الصحف المصرية يوم السبت السادس من أكتوبر سنة 1973 ميلادياً - الموافق العاشر من رمضان سنة 1393 هجرياً - ستجد إعلاناً ضخماً، نشرته هيئة السينما والمسرح والموسيقى بوزارة الثقافة تُعلن فيه بأنها تقدم أقوى العروض المسرحية والاستعراضية خلال شهر رمضان المعظم، وترفع الستار في جميع مسارح الهيئة الساعة التاسعة والنصف مساء. ومن العروض - الموجودة في الإعلان - مسرحية «الإسكافية العجيبة» التي يقدمها المسرح القومي على مسرح جورج أبيض، بقلم عبد الرحمن بدوي، وإخراج نبيل الألفي! ومسرحية «العم النبيل» تأليف موليير وإخراج أحمد زكي، ويقدمها مسرح الجيب على مسرح زكي طليمات - مسرح 26 يوليو سابقاً - ومسرحية «الأميرة والبغبغان» إخراج فكري أمين وعنتر حافظ، ويقدمها مسرح القاهرة للعرائس على مسرح عزيز عيد - مسرح العرائس سابقاً - ومسرحية «ابن مين فيهم» اقتباس د.عمر وصفي وإخراج محمود عزمي، ويقدمها المسرح القومي على مسرح سيد درويش بالإسكندرية.

توقعت أن هذا الإعلان سيتغير في اليوم التالي بعد إعلان الحرب وعبور الجيش المصري قناة السويس، واقتحامه خط بارليف! ولكن للأسف وجدت الإعلانات المسرحية كما هي طوال ثلاثة أيام من بداية المعركة!! والأغرب إنها كانت تتغير وتتنوع، وكأن البلد ليست في حرب!! وإذا اتخذت جريدة «الأهرام» نموذجاً لهذا الأمر - في أيام 7، 8، 9 أكتوبر - سنجدها تُعلن عن مسرحية «أجمل لقاء في العالم» على مسرح محمد فريد، بطولة أمين الهنيدي وصفاء أبو السعود، ومن إخراج عبد المنعم مدبولي! ومسرحية «افتح يا سمسم» على مسرح عمر الخيام بالزمالك، ومسرحية «ولد وجنيه» على مسرح على الكسار بعماد الدين، ومسرحية «هالو دولي» على مسرح الزمالك الصيفي تقدمها فرقة الكوميدي المصرية، ومسرحية «جوليو وروميت» لفرقة ثلاثي أضواء المسرح على مسرح الريحاني، ومسرحية «نيام .. نيام» لفرقة تحية كاريوكا على مسرح ميامي، ومسرحية «مدرسة المشاغبين» إعداد علي سالم وإخراج جلال الشرقاوي على مسرح الحرية بشارع الشيخ ريحان.

ثلاثة أيام من بداية المعركة، كانت كفيلة لإقناع الجميع بأن بيانات وسائل الإعلام عن عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف، هي بيانات حقيقية يجب تصديقها - خلافاً لبيانات حرب 1967 - لذلك تغير الوضع بالنسبة للمسرح المصري ابتداء من يوم 10 أكتوبر!! ففي هذا اليوم نشرت جريدة «الأهرام» إعلاناً ضخماً يساير ظروف المعركة والانتصار المنتظر، قالت فيه تحت عنوان «الدخول مجاناً»:

"هيئة المسرح بوزارة الثقافة، تفتح أبواب مسارحها للجمهور بدون مقابل، مشاركة من هيئة السينما والمسرح والموسيقى - قطاع المسرح والموسيقى - في التعبئة الوطنية لجماهير شعبنا الواعي. فقد تقرر فتح أبواب مسارح الهيئة للجمهور بدون مقابل، وسوف تكون برامج الفرق المسرحية التابعة للهيئة على النحو التالي: المسرح القومي ويقدم مسرحية «أقوى من الزمن» تأليف يوسف السباعي وإخراج نبيل الألفي على مسرح جورج أبيض - الأزبكية سابقاً - اعتباراً من يوم الخميس 11 أكتوبر 1973. ومن الاثنين 15 أكتوبر 1973 ستقدم مسرحية «صلاح الدين» مع قراءات شعرية. أما المسرح الحديث فيبدأ برنامجه الغنائي الموسيقي التمثيلي «مدد مدد .. شدي حيلك يا بلد» مع قراءات شعرية على مسرح يوسف وهبي - مسرح الجمهورية سابقاً - ابتداءً من يوم السبت 13 أكتوبر 1973. ومسرح الجيب يبدأ يوم الخميس 11 أكتوبر 1973 بعرض مسرحية «الغول» مع قراءات شعرية على مسرح زكي طليمات 26 يوليو سابقاً. والفرقة القومية للفنون الشعبية تقدم لوحات وتابلوهات راقصة تحكي قصص البطولات العظيمة التي حققها شعبنا الباسل، على مسرح يوسف وهبي - الجمهورية سابقاً - وذلك حتى يوم الجمعة 12 أكتوبر 1973. وفرقة رضا تقدم عروضاً استعراضية جديدة تعبر عن كفاح الشعب المصري في المعارك التي خاضها من أجل الحرية والحياة، مع قراءات شعرية تسبق العرض وذلك اعتباراً من يوم الخميس 11 أكتوبر 1973 على مسرح أم كلثوم - مسرح البالون سابقاً بالعجوزة - ترفع الستار الساعة 8 مساء في جميع المسارح .. والدعوة عامة لكل أفراد الشعب".

وفي اليوم التالي أضافت الجريدة إعلاناً قالت فيه: "مسرح الطليعة يقدم اليوم والأيام التالية مسرحية «الغول» على مسرح زكي طليمات 26 يوليو سابقاً بالعتبة، صياغة شعرية فؤاد حداد، إخراج أحمد زكي. المسرحية التي تعكس انتصار الشعوب على قوى الاستعمار الغاشمة بطولة نجوم مسرح الطليعة، الدخول بدون مقابل والحجز من شباك المسرح مباشرة، يرفع الستار الساعة 8 مساءً. وتقدم فرقة رضا على مسرح البالون 8 مساء، وسيرك الجيزة القومي بالعجوزة مع أبطال السيرك الألماني والسيرك السوفيتي 8 مساء، عروضاً مجانية لأفراد الشعب بمناسبة الانتصارات المجيدة لجيشنا الباسل. تحجز التذاكر من شباك مسرح البالون، ومن شباك السيرك القومي بالعجوزة".

وهكذا بدأت ملامح انتصار أكتوبر تلوح في الآفاق بعد أيام قليلة من بدء المعركة، وكان لا بد لوزارة الثقافة - وتحديداً قطاع المسرح - أن يواكب هذه الانتصارات بأعمال فنية تعكس الواقع!! ولكن ما هي الطريقة، لا سيما وأن كتابة المسرحيات وتنفيذها يحتاج إلى وقت، لذلك رأت الوزارة حلاً سريعاً، كتب عنه الناقد المسرحي «أحمد عبد الحميد» كلمة بعنوان «المسرح والأغنية والمعركة»، قال فيها:

المسرح مصدر يمد الإنسان بالطاقة الروحية والوجدانية التي يتزود بها في معركته، وكل مسرح عظيم .. لا بد وأن يفجر - في الإنسان - طاقة الصمود في معارك الوجود. المسرح العظيم في لحظات الحسم والمصير .. مسرح تطهير وتنوير وتحريض وتحميس .. غير أن العلاقة بين المسرح والأغنية، أو بالأحرى، بين المسرح والشعر الغنائي والملحمي .. علاقة حميمة. ذلك أنه أثناء المعارك - أي أثناء لحظات الوجدان المتوتر الجياش - لا يستطيع المسرح أن يسعف الجماهير بإنتاج مسرحي يتجدد لحظة بلحظة .. لا يستطيع هذا إلا الشعر والشعراء ومن ثم يترك المسرح المجال كله للأغنية والقصيدة والملحمة. لهذا تعتزم مسارحنا أن تحوّل منصاتها إلى منابر للشعر الغنائي، الحماسي والوطني .. إلى أن يستطيع الإبداع المصري أن يصوغ المسرحية «القصيرة أو الطويلة» التي تتحدث عن معركة التحرير وعن عودة سيناء والجولان والضفة الغربية.

هذه الفكرة كانت مطروحة، بجانب فكرة أخرى، وهي عرض مسرحيات قديمة تواكب الحالة الحاضرة! وأعلنت عن ذلك جريدة «الأهرام» يوم 12 أكتوبر، قائلة تحت عنوان «عروض مسرحية جديدة»: ست مسرحيات جديدة أعدّتها هيئة المسرح لتعرض مجاناً بمسارحها المختلفة: المسرح القومي يقدم من بعد غد مسرحية «صلاح الدين» تأليف محمود شعبان وإخراج كمال حسين، وبعدها سيقدم «هزيمة التتار» تأليف فتوح نشاطي ومحمد محمد. والمسرح الحديث يقدم من بعد غد مسرحية «شدي حيلك يا بلد» تأليف محمد زكي وبعدها «الحب والحرب» تأليف شوقي خميس والمسرحيتان من إخراج عبد الغفار عودة. ومسرح الطليعة سيقدم بعد انتهاء عرض «الغول»، مسرحية «أيوب الجديد» تأليف يوسف الحطاب وإخراج كمال حسين، ثم «صقور وغربان» تأليف صلاح راتب وإخراج أحمد عبد الحليم.

وأخيراً استقر الرأي على الجمع بين الفكرتين، وذلك بناءً على ما ذكره وزير الثقافة «يوسف السباعي» قائلاً: "إن كثيراً من المسرحيات التي تتضمن البطولات الشعبية وتعرض الأحداث التي تجاري المعارك العسكرية ستفتح عنها الستار للجماهير، لتتأمل وتستمتع وتشارك في مسئوليات المواطنين وراء جيشهم البطل الزاحف إلى النصر. ومن بين الاستعدادات في مجال المسرح الاعتماد في العروض المسرحية على إلقاء القصائد الشعرية المناسبة، لتساهم في العرض المسرحي، أو لتشعل العرض كله وتشبع الجمهور أداء ومعاني موضوعية بأصوات نجوم المسرح اللامعين. وقد قامت سميحة أيوب مديرة المسرح الحديث على الفور بالاتصال بكثير من الشعراء لإعداد هذه العروض التي تسهم في خدمة المعركة. وفوق هذا وذاك، فإن الأذهان معدة إلى الاستغناء عن العروض المسرحية إذا لزم الأمر، وخروج سائر الفنانين إلى صفوف جماهير شعبنا البطل للمساهمة في الواجبات المدنية. إن الحرب الشاملة تشمل التخطيط لسائر الاحتمالات، وليس طريق النصر مفروشاً بالورود وإنما بالأشواك. ومن حق الوطن علينا أن نسير على الشوك لندرك النصر من أجله".

 

 

 

المصدر: جزء من كتاب سيصدر قريباً
sayed-esmail

مع تحياتي ... أ.د/ سيد علي إسماعيل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 132 مشاهدة

ساحة النقاش

أ.د سيد علي إسماعيل

sayed-esmail
أستاذ المسرح العربي بقسم اللغة العربية - كلية الآداب جامعة حلوان »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

755,562