authentication required

تفقّد العجلات الأربع  شحنها  هواءا وتفقّد العجلة الاحتياطية  ملأ الخزّان وقودا  دسّ قربتين ملئتا  ماءا في الدولاب وتمرا وسويقا وعلبتي كبريت ومجموعة من لفائف التبغ  تفقّد كاميراته ومستلزماتها وقبل أن يغادر الغرفة عدّل صورة أمّه وأبيه المائلة وتمتم : كنتما  دائما تبحثان  عن الاستقامة   ابتسم شعر أن الصورة تبتسم  أدار وجهه بسرعة  حتى لايرى عبوس وجهيهما  في تلك الصورة التي التقطها لهما بمناسبة زواج أخته ذات خريف سحب الباب وراءه أغلق الباب عليهما حتى اطمأن أن ّ الباب أقفل عليهما  سحب المفتاح  من القفل ثمّ أعاده  تمتم سأتركه من فتح عليهما  سيكون كمن حرر  مارد المصباح ....حثّ الخطى فتح باب السيارة رباعيّة الدّّفع و أندلف داخلها لم يلتفت وراءه كان صوت أمّ يتردّد في أذنيه  :>>   هداك اللّه يا بشير <<…  مضى بشير إلى الصّحراء  يتلمّس هداية الله  هي مئات من الأمتار  وينجح في التحرر  من مدينة العبيد هذه التي أنشئت على عين سيدي سلاّم أوّل من اكتشفها وأوّل من زرع حولها شجرة زيتون وأوّل من شيّد بالقرب منها كوخا صار بناء ثمّ تقاطر إليه  عبيد الدّنيا قطعوا من أغصان شجرته وملؤوا الفضاء وشادوا من الأغصان المتألّقة مباني حلّ محلّها لاحقا الطين والحجارة والرّمل والحصى تقاسموا حدائق العين المباركة  تخاصموا تشاجروا وقتلوا سلاما ذات مساء ودفنوه  تحت شجرته الأولى  وأجهشوا بالبكاء عتت شجرته وصارت أقوى شجرة حول العين وأثمرها و أورفها ظلا وأنفعها دهنا وأقربها إلى السماء  وأسرّوا الندم وبنوا على قبر سلاّم روضة ونحروا عندها من نعمهم  دون تحفظ  في ذكرى مقتله وتزاوجوا وتكاثروا حتّى صاروا كالجراد.....    تفرّعت حول روضة سلاّم أنهج وأزقّة ومعابد  صغيرة وكانت الرّوضة أكبر  معبد تعبد فيه النّساء ويقدّس الشّباب ويعبد الذّهب و الشّجر ويعبد الماء  والبعض يعبد حتى المواشي من بقر وجمال وشياه وحتّى الحمير .... أولج المفتاح في الثّغر الأنثوي ّالبارد غمغم المحرّك و صمت لابدّ وأنّها الرّطوبة  وبرد الشّتاء  انتظر هنيهة  سحب علبة الكبريت ومن الدولاب أمامه ولفافة التبغ وأوقد فيها وسحب نفسا عميقا  بعمق ماضيه الموغل في الحزن ونفثه داخل الزّجاج الرّطب  عطّر الدّخان تجاويف السيّارة المغلقة انتظر برهة وأدار المفتاح ثانية  وزمجر المحرّك هدر وانطلق الدّخان من العادم  يشيّد ستارا أخفى عنه منزله انطلق متعرجا في الأزقّة مطلقا لمنبّهه سيارته العنان ولم يلتفت وراءه رغم الأبواب التي كانت تنفرج والرؤوس المختلفة التي كانت تطل مستطلعة ثمّ توصد الأبواب وتتأفّف الأفواه وتلعنه أدار مصابيح سيّارته متناوبة في رمزيّة  الحذر والخطر  ودسّ قرص موسيقى صاخبة في القارئ  ورفع درجة وحدّة الصّوت إلى أقصاها  وتزداد من خلفه اللّعنات  والاستهزاء ولحقت بسيارته أكياس قمامة   تناثرت في الأزقة بقايا طعام وأسماك ومناديل نسويّة  بقايا كؤوس خمر وسكاكين صدئة وبيوض عفنة .....وعندما انفرج الأفق عن لون السّماء المائل إلى السواد هدّأ الموسيقى وأطفأ الأنوار   وكتم أنفاس المنبّه لن يستيقظوا ولو فتحوا عيونهم ولن ينهضوا ولو ركضوا على أقدامهم   ركض الخيول الجامحة  سوى المرآة العاكسة  ونظر فيها فرأى منعرجا مغلقا من خلفه في زاوية الستين درجة تنتصب فيها إشارة منع الاتجاه إلى الداخل ....وسار في حذر و هدوء بمحاذاة  حاشية الطّريق ثم انعرج في اتجاه القبّة والعين جلّله غموض كبير توقّف لحظة سرقها من الزّمن القادم  ثبّت خلالها بصره على القبّة رآها تشعّ بياضا و ألقا غريبين  ارتسم جمالها له ليثنيه عن مسيره كان البياض يتكسّر على الأذرع الطويلة للشجرة الطاعنة في السنّ أزّت الأصوات المنبثقة من الأغصان في طبلة أذنه تقرعها وتكثّف الدمع في مقلتيه ثم ّ انحسر  وأحسّ بنسمة  لا يعرف من أين عبرت إلى وجهه لثمته  شعر أنّ الكرسيّ بجانبه يكتظّ ويضيق ... استغفر اللهَ وانطلق بعد أن ألقى نظرة  وداع على الشّجرة والقبّة و ترحّم على سيدي سلاّم  ....تنهّد ....ثمّ ملأ  صدره  بهواء عطر على غير العادة وزفره فأشرق وجهه  وتلألأت  عيناه حتى كاد يشعّ منهما بريق  ومضى تتلاشى من وراءه قرية سيدي سلاّم ويتلاشى الشجر والنّخل الباسق   انتهى المعبّد وخاض في مسلك ترابي ّخرّبته البقع والحفر ثمّ بدأت الطّريق بالضّيق والاختفاء تحت الرّمال  حتى اندثرت وواجه الكثبان  تلقفته أرهقته  صعودا ونزولا أوغل في النهار وولج  قلب الصّحراء  وعمقها الأبدي وطاف حول الكثير من الكثبان بسيّارته طواف المتعبّد حتّى لم يعد يعرف الشّرق من الغرب  ونسي من أين الشمال ومن أين الجنوب وأدرك أنّه دخل جنّة الصّحراء  أوقف المحرّك حتّى لا يفسدها  بهديره  وغازاته ..ترجّل وألقى بنفسه على الرّمل الحارق  قبض منه قبضة وتركها تسيل من بين أصابعه فتنفر الحبات من الأسر وتنتثر على الكثيب أكبر ردف شاهده في حياته الخواء فيه يلتف بالخواء و الفرجات تستقر متناغمة تلين وتنتفي وتتألّف بسرعة  ثم تندثر و تتشكل في كل شبر وأنملة يتجسد الرّمل حورا وكواعب يهرب ويتمنّع ويندسّ ويحضن ويقسو ويتكسّر و يلتفّ بالسّاق  يلسع ويبرد يدغدغ ويودّع  ثم يرتدّ إلى جوف الكثيب  سيلا غائصا في عمق الرّوح الأبدية الحرّة  رمى نعله على غطاء السيّارة الرّابضة قبالته و حشى قدميه المتعرّقتين  في الكثيب  توجّس خيفة أن يتأذّى من الشوك أو العقارب والأفاعي  ولما اطمأن أن الجنة لا تسكنها السّوامّ  أغاصهما أكثر وأكثر  حتّى بلغ الرّطوبة  فتنعّم  وعاد إليه الماضي في القرية يهرب من الرّطوبة مستعينا بأجساد النساء يبتغي نشوة الدّفء تحت صورة أمّه وأبيه   وفي الفناء الخلفي ّيهتك ما يهتك ويذيب من جسمه في أتون الجسد المتلهب جمود السنين الجاثم على رئتيه  ولكنّه يلوذ بالفرار إذا أردن منه روحه  يختفي شهورا  في الفيافي  والقفر يهجرهن خاشيا على قلبه   من انغلاق قيدهن ّويردّد :>>لو استسلمت سأموت متحرّكا   ولن ينقذني منهنّ إلاّ العدم يوم أبلغ المنتهى<<  ازداد حرّ الرّمل وطال  قدميه حتّى يشويه نهض كالملسوع    وفتح باب السيّارة  وهرب إلى الدّاخل حيث بقايا القرية و قربة ماء عين سيدي سلاّم  لفافة التّبغ والكبريت  والكاميرا تجرّع رشفات من الماء البارد بطعم الدّباغ  الرمانيّ  ثم فرّج الباب أمسك الكاميرا  وارتمى شاهرا إيّاها كمحارب حاصره الأعداء يبغي نفاذا إلى وطن حام  شغّل  مؤقّتها وضبط عدّاد اللقطات على خمس ورماها عاليا في اللحظة المناسبة وتوالى وميض الفلاش وتوالت  اللقطات   كما واتاها واتخذ وضع الحارس المتلقّف قبل أن تقع على الرّمل خمسة صور انحبست داخل بطاقة الذاكرة  الخاوية أسيرة من فردوس العدم الصّحراء  وتحوّل من مكان إلى آخر كرّر الرّميات  حيث لا يتكرّر الزّمان والمكان وينعدمان  وتساءل عما يمكن أن تكون قد أسرت له من الفردوس ولكنّه أحجم عن الاكتشاف وتركه لزمن لا يعلمه  قد يأتي وقد يهرب  أخيرا استلقى  على ظهره  فوق الكثيب الرابع  عشر الموالي لسيّارته وأناخ الكاميرا على صدره يضمّها في قبضته كنزه المجهول بداخلها  كانت الشمس تميل إلى جهة ما ربّما إلى الغرب أو الشّرق  عندما أدركه التّعب والإعياء  غفا لعلّه يجد طاقته وصحا على صوت مزّق سكون الفردوس وسيّارته تغادر من دونه حضن الكاميرا  >> اللصوص حتى في الفردوس المفقود ؟ ! << افترّ ثغره المرمّل عن ابتسامة انبثق منها ضوء شق الأفق  وعاود حضن الكاميرا ونام  نوما عميقا زحف اليه الكثيب حرّر روحه من قيدها وغاص إلى عمقه ووجد نفسه بجانب الشيخ الوقور سلاّم  خلاّ ودودا وطائر العنقاء  وسحب الكاميرا أضاء الشاشة وشاهد لقطة وحيدة بقعة سوداء......                         البشير عجالة 22و23/06 /2011 Par : Bechir Ajala

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 259 مشاهدة
نشرت فى 3 يوليو 2011 بواسطة savou

ساحة النقاش

البشير عجالة

savou
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,602