يبدو أن المدرسة من أصعب الخبرات التى يمر بها الطفل، من كائن صغير حر يحبه الجميع بدون شروط، إلى كائن مجبر على أن يكون اجتماعيا غير حر، يحبه الآخرون فى حال حصوله على درجات متميزة.. يبدو أن الطفل الذى سيعانى من صعوبات التعلم مضطر إلى أن يخرج من كادر المحبة.
مشكلات صعوبات التعلم من أكثر المشكلات التى يأتى بها الأهالى إلى العيادة، تتكرر الشكوى بأن الطفل ذكى لكنه يحصل على درجات سيئة فى المدرسة، ويأتى به الأهل بعد أن يكونوا قد استنفدوا كل الوسائل معه، بالطبع وسائلهم هم، من محايلة وعقاب بدنى وإذلال ومعايرة فى بعض الأحيان. وباختبار ذكاء يؤكد بالفعل حصول الطفل على درجات ذكاء لا تتناسب مع مستوى تحصيله الدراسى.
أتذكر بنتا فى إحدى دور رعاية الأيتام، كنت متطوعة فيها لفترة، وكانت تعانى من صعوبات تعلم ونقص انتباه، لا يتخيل أحد كم عدم الثقة بالنفس الذى تشعره حيال نفسها، الكل يؤكد لها يوميا أنها سيئة وأغبى من فى الفصل، وهى أيضا تتأكد من ذلك بحصولها دوما على درجات منخفضة.
هؤلاء الأطفال يحتاجون إلى برنامج مختلف سأفرد له فى هذه المقالة، بالطبع لكى نشخص الطفل على أنه صعوبات تعلم فنحتاج لإجراء اختبار ذكاء لدى إخصائى نفسى، وعندما نتأكد من ذلك، نتفق أننا لن نطيل مدة المذاكرة، فكثير من الأهالى يطلبون من الطفل الجلوس لساعة أو أكثر على الكرسى بدعوى التركيز فى المذاكرة.
أتذكر البنت التى كنت أحكى عنها، والتى تعانى من صعوبات تعلم كنا نذاكر لربع ساعة متواصلة ثم راحة خمس دقائق، ذلك لأنها كانت تعانى من نقص انتباه شديد، وهذا شائع فى كثير من حالات صعوبات التعلم.
وخلال الربع أو النصف ساعة التى سنذاكر فيها نحاول أن تجعل له المواد الدراسية مشوقة، هذا الطفل سينسى المادة المقدمة له إذا لم تحولها إلى قصة أو تربط المعلومات بأشياء مثيرة تذكره بها، كن صبورا إلى أقصى درجة.
أحيانا ما كنت أفقد أعصابى وأنا أذاكر لتلك البنت رغم أنى كنت أحبها جدا، لكنى سرعان ما أعتذر، ونستكمل، لكن فى كل مرة كنت أغضب فيها كانت تصلها رسالة تؤكد لها فيها مدى غبائها، وبالتالى نأخذ وقتا أطول، لذا فالهدوء هو العامل الأساسى هنا فى مساعدة هؤلاء الأطفال.
أيضا يحتاجون لنظام مكافأة مستمرة لفترة من الوقت، ويحتاجون لمكافأة علنية ليثبتوا فيها لآخرين أنهم على قدر من الذكاء، فيمكنك أن تضع على الحائط فى مكان ظاهر ورقة عليها الدرجة، التى حصل عليها ونجمة ذهبية أعلاها، وتلفت انتباه القادمين إليك لها وتفتخر به.
الجوع إلى التشجيع يخلق حالة من عدم الثقة بالنفس ويدفع إلى ارتكاب العديد من الحماقات، أتذكر فى طفولتى أننى كنت إحدى هؤلاء الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلم، وبالطبع كنت أتمنى أن أحصل على تشجيع أو هدية فى الفصل كما يحصل عليها الآخرون، فأخذت من دولاب والدتى براية، وظللت أحكى لها كيف كرمتنى المدرسة فى الفصل لأننى استطعت أن أحل مسألة حسابية بسرعة شديدة، واخترت مادة الحساب لأنها المادة التى كنت ضعيفة فيها.
وهو ما يحدث كثيرا أن تحدث صعوبة دراسية فى مادة أو أكثر، وهذا يعنى أن الطريقة المقدمة بها المادة لا تناسب طريقة تفكير الطفل، ومن أكثر المواد الدراسية التى يحدث فيها ذلك هى الحساب، وهو أمر شائع على مستوى العالم. وقد رأيت فى المكتبات مؤخرا كتبا باللغة العربية فى علم النفس التربوى، وفى التربية تعلم الأهالى والمدرسين كيفية توصيل الحساب إلى الأطفال بشكل أسهل. وهذا يعنى أنه لو تغيرت الطريقة بشكل يتناسب مع الطفل سيتمكن من إجادتها والتميز فيها.
إذن ما أعنيه هنا أن طفلك يحتاج إلى تقسيم وقت يناسبه ويناسب قدرته على الانتباه فلا تطيل الوقت، واخلق نظام تشجيع يسانده، أيضا حاول إعادة بناء ثقة طفلك فى نفسه، سانده فى رؤية إيجابياته وأكد عليها، لا تجعله يشعر بأن الدراسة وحدها هى محك تميزه، كن حساسا لمواهبه ونميها، هذا سيساعده فى اكتساب ثقته بنفسه، وبالتالى سيتأثر سريعا بالبرنامج الدراسى الذى تعده له، تحتاج أيضا إلى أن تتواصل مع المدرسين وتشركهم فى الخطة التشجيعية، فيمكنك أن تتفق معهم على سؤال معين يسألونه للطفل، وتذاكره له بطريقتك ويشجعونه أمام الفصل، كل ذلك سيمنح طفلك، الذى يعانى من صعوبات التعلم الثقة التى يفتقدها.
المصدر: نقلا ً عن جريدة الشروق
نشرت فى 19 ديسمبر 2009
بواسطة samtareh
عدد زيارات الموقع
2,150
ساحة النقاش