(اراك عصي الدمع شيمتك الصبر ) , شطر بيت شعر تشدو به سيدة الغناء العربي الراحلة ام كلثوم , للشاعر الفارس البطل المغوار , رب السيف والقلم , ابي فراس الحمداني . وأبو فراس ( لمن لا يعرفه ) شاعر بني حمدان وفارسهم : هو الحارث بن سعيد بن حمدان بن حمدون بن الحارث الحمداني التغلبي , ولد عام 320 هـ (932 م) بمدينة الموصل في العراق , نشا وترعرع في امارة الحمدانيين , في كنف ابن عمه الفارس الامير سيف الدولة الحمداني , المؤسس الفعلي لأمارة بني حمدان , فأصبح شاعرنا فارس ميدان العقل والشجاعة والرياسة ، وجمع بين ريادة الشعر وقيادة العسكر، عنده هيبة الأُمراء، ولطف الشعراء ، ومفاكهة الأدباء ، فلا الحرب تخيفه، ولا القوافي تعصيه . نشأ في هذه الامارة العربية الصغيرة في( الموصل وحلب ) على تخوم الروم ,هذه الامارة الصغيرة تحملت عبء الدفاع عن شرف الدولة العباسية بكاملها , وصد هجمات الروم على تخومها الشمالية , فقد قاسي اهل تلك الثغور الويلات من اعتداءات الرومان , فكم من ثغر احرق باهله , وكم من قرية دمرت على رؤوس اصحابها , وكم من امرأة سباها علوج الروم , في وقت كان امراء بني عباس يتقاتلون على الكراسي والسلطة والنفوذ , في هذه الاثناء قيض الله سيف الدولة في هذه الامارة المتاخمة للرم , لتحمل هذا العبء , فجهز الجيوش , وقاد المعارك بنفسه , على يمينه وبين يديه ابن عمه الفارس الشاعر المغوار ابو فراس , حيث خاضا معا حروبا طاحنة دفاعا عن شرف امة انشغل زعماؤها بلعبة الكراسي والمناصب تماما كما هو حاصل في ايامنا هذه , وكأن التاريخ يعيد نفسه , معارك كر وفر فترة طويلة اسر الفارس الامير ابو فراس في احدى هذه المعارك بعد ان جرح ، وقضى في الاسر سبعة اعوام ثم افرج الروم عنه بفدية كبيرة .
تقول الروايات ـــ يا دام عزكم ــ ان زوجة ملك الروم علمت بأسر الامير الشاعر الشاب الوسيم فافتتنت به , ثم دخلت عليه السجن وحاولت اغراءه فاستعصم , فأغرت به السجانين لتسمع اناته وتوسلاته , فلم تسمع , وبقي في السجن سبعة اعوم يقاسي غياهبه وعذاباته , يضمد جراح النفس قبل البدن , ولا يصرخ ولا يستجدي حريته ولم يشمت به الاعداء , سبع سنين عجاف قال فيها غرر قصائده التي سميت ( الروميات ) ــ لمن احب ان يطلع عليها ــ , منها القصيدة المشار اليها والتي يقول فيها :
أراك عـصـيّ الـدمـع شيـمـتُـك الـصـبـر أمــــــا للهوى نـــهــــيٌ عــلــيـــك ولا أمـــــــر
بــلـى أنـا مــشــتــاق وعـــنــدي لــوعــةٌ ولــــكـــــن مـــثـــلـــي لا يـــذاع لـــــه ســــــــــر
إذا الليل أضواني بسطت يد الهوى واذْلــلــْتُ دمــعـــا مـــــن خـلائــقــه الـكــبــر
وعصي الدمع ــ ايها السادة ــ تعني عزيز الدمع , أي لا يجعل احدا يرى دمعه , مهما اعتصر قلبه من الم , فلا يشمت به شامت , يدوس على الجمر ولا يصرخ , يقف على الجراح ويرقص للموت , في زمن يحرص الناس به على حياة , ليس لأنه يكره الحياة بل لان الوطن عنده اغلى من الحياة .
وما اشبه اليوم بالبارحة , امارة عربية صغيرة على تخوم الروم تنافح عن شرف الامة , ومجموعة من النساء والفتيات والاطفال تدافع عن شرف امة المليار , فئة قليلة في بقعة صغيرة تقف بصدور عارية الا من الايمان , تنافح عن شرف امة لا اله الا الله في وجه اعتى واطغى قوة بالمنطقة , ليبقى نداء الله واكبر يرفع من على ماذن المسجد الاقصى . يُقتلون ويسحلون بدم بارد امام سمع العالم وبصره ولا معين , يضمدون جراحهم ويدفنون شهداءهم بصمت , يعصرون الالم داخل قلوبهم لا يتأوهون ولا يستغيثون ولا يدعون فرصة للشماتة من عدو او صديق او قريب , في وقت مزق بنو عرب اوطانهم بأيديهم شر ممزق , وقتلوا وشردوا شعوبهم في بقاع الارض , بسبب كرسي بال لا يملكون امر ثباته تحتهم .
اقول : صدقوني !! لو حلّل جنود بني اسرائيل الشيفرة الوراثية لشهداء فلسطين الذين وقعت جثثهم بين ايديهم , او حللوا جينات كل امة بني فلسطين , لوجدوا وطنا يسكن قلب امة , ولا خوف على وطن مسكنه القلوب . وشواهد التاريخ تثبت ذلك , الم يرجع نابليون خائبا عن أسوار عكا , الم يجلس الصليبيون مئتي عام , حاولوا فيها تغيير معالم المدن والقرى في فلسطين , بعد ان عاثوا فسادا وافسادا وتقتيلا وتخريبا وترهيبا , ثم خرجوا صاغرين , وعاد لفلسطين طابعها العربي والاسلامي .
واليوم لم يأخذ بنو اسرائيل العبر من سادتهم الذين غرسوهم , فيحاولون بكل ما اوتوا من قوة وجبروت ودعم وتحالفات , وتخاذلات من الاشقاء والاصدقاء , ان يركّعوا هذا الشعب ويأخذوا ارضه ويصادروا حريته , لكنهم واهمون . سنصمد رغم الجراح سنصمد متشبثين بالأرض كأشجار الزيتون والبلوط والسنديان في وطننا الحبيب . سنصمد رغم شح الموارد . سنصمد وسننتصر , ستنتصر وهذا وعد الله , سننتصر بالحجر والشجر والمقلاع والسكين , سننتصر رغم كيد الكائدين , وتامر المتآمرين وخيانة الخائنين , وتخاذل المتخاذلين , ستعود حيفا عربية اسلامية , وتعود يافا وعكا , وسيرتفع العلم الفلسطيني ؛ اقول العلم الفلسطيني , العلم الفلسطيني فقط على ربوعها , فاعتبروا يا اولي الابصار . طبتم وطابت اوقاتكم