مجلة جماعة الإبداع الجميل

مجلة مختصة بأخبار الثقافة والادب وتبنى المواهب فى كافة مناحى الحياة

 

على ربوة مطلة من روابي مدينتنا العامرة تقوم عمارتان , تنتصبان كبيضتي رخ , العمارتان تتصلان ببعضهما مشكلتين حرف (L )باللغة الانجليزية , امامهما ساحة واسعة صممت كموقف للسيارات . كل عمارة اربعة ادوار , في كل دور شقتان , اي ان مجموع شقق العمارتين 16 شقة . غالبية سكانهما من الموظفين . في الدور الارضي في احدى العمارتين شقة يقطنها الحاج فتح الله وحرمه . الحاج فتح الله ــ ايها السادة ــ رجل في العقد الخامس , حسن الوحه مليح الابتسامة عذبها , جميل اللحية ابيضها , ندي الصوت شجيه بلحن يلين له الصخر خاصة في تلاوة قران الفجر , رزقه الله سرعة البديهة , والقدرة على الحوار والاقناع , حباه الله من نعم الدنيا ما شاء لكنه حرم نعمة الولد . اعتاد الحاج فتح الله ان يقوم بزيارات شبه يومية لسكان العمارتين , يشرف على حاجاتهم ومشاكلهم وهمومهم اليومية , يستقبله السكان بكل ترحاب وكأنه مر على اخر زيارة له سنة , وخاصة الاطفال الذين يتخاصمون من سيأخذ العكاز ليلعب بها ويقلد العجائز , وينتهي الامر يشرب فنجان قهوة يطمئن خلاله على السكان واحوالهم , ويقرب وجهات النظر بينهم . كانت كلمته نافذة على الكبير والصغير ويدخلونه في حل كل مشاكلهم جميعها وحتى خلافات النسوة على شطف وتنظيف بيت الدرج الذي هو مشترك بين الشقق , وكانت حلوله دائما جاهزة فقد طلب من النسوة ان تتكفل كل منهن فقط بشقتها , و تجمع القمامة وتضعها امام الباب , ثم كلف احد العمال ان يمر كل صباح ـــ بعد الفجرـــ يجمع القمامة ويلقيها في الحاويات المخصصة , وان ينظف بيت الدرج في كل من العمارتين مقابل مبلغ يدفعه له , من جيبه الخاص . ليس هذا فقط بل جمع من السكان مبلغا اشترى به صيوانا وتوابعه , يستخدمه السكان في افراحهم واتراحهم . مع المدة نمت بينه وبين جيرانه علاقة الاب بالبنين , احس افراد العمارتين أنهم بفضل حكمة شيخهم اصبحوا اخوة متحابنن متعاونين , فاطلقوا على الشيخ فتح الله لقب المختار او الزعيم .

كبُر الزعيم مع الايام ولم يعد يقوى على صعود الدرج , فاخذ كل يوم بعد صلاة العصر مباشرة يخرج الى الساحة فينصب سرسر ا من الالمنيوم الخفيف , الذي يطوي ويفرد بسهولة ويسر , ينصبه في احد اركان الساحة حسب الظل والشمس , صيفا كان ام شتاء , يضع عليه فرشة ووسادتين , ثم يعود فيحمل كانونا عليه ابريق شاي ودلة قهوة . يبدا الرجال بالتوافد , كل قد احضر كرسيه , ويتحلقون امامه يتجاذبون اطراف الحديث واخبار البلد , ويحتسون ما قدّر لهم من الشاي والقهوة بكل سعادة ومودة , والشيخ جالس كالأب الحنون , يتابع ويناقش ويوجّه ويعلّم ويأمر بعض الاحيان : انت يا فلان عليك ان تعمل كذا وانت لا تفعل كذا , والكل يرد بأدب واحترام : (تكرم لحيتك يا مختار اللي بتشوفه) . كان هذا ديدنه كل يوم ورجال العمارتين فرحون ينتظرون العصر بفارغ الصبر للتحلق حول الشيح والنهل من معينه الذي لا ينضب ,من حكم وامثال وقصص الاولين واخبار الاخرين . 

في احد الايام لم يخرج الشيخ على عادته , اطل الرجال على الساحة من نوافذ شققهم المطلة عليها , استغربوا !! بدا الهمس ثم اخذ يعلو شيئا فشيئا , دب الخوف في القلوب وبدا التساؤل في العيون , الكل خائف ان ينطق بها , ثم الى متى سننتظر , نزل اجرؤهم , تبعه الاخرون , وتوجهوا الى شقة الشيخ , قابلتهم العجوز على الباب ببصر زائغ وعينين دامعتين ووجه شاحب مذهول . فغر الجميع افواههم مشدوهين : لا , لا تقوليها , لا تقوليها . طبتم وطابت اوقاتكم

samirahmedelkot

جماعة الابداع الجميل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 35 مشاهدة
نشرت فى 25 يوليو 2015 بواسطة samirahmedelkot

مجلة جماعة الابداع الجميل لشعراء القمر والنيل

samirahmedelkot
جماعة الابداع الجميل واحة لكل ابداع اصيل معاً نرحب بالمبدعين في كافة فروع الابداع (موسيقى - شعر - غناء -فنون تشكيلية - انشاد دينى - ابتهالات - ثقافة - صحافة - تمثيل - اخراج ...الخ ) ...نرحب بكل صاحب موهبة وكل ابداع حقيقى يقف على الطريق لنأخذ بيده ..نقيم انتاجه »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

97,826