آفــــــــــــــاق

الموقع خاص بالكاتب ويتضمن إنتاجه الأدبى المنشور

<!--

<!--<!--

لعبة الحرب

كان الجو حاراً والشمس في وسط السماء تماماً وكأنها فوق رؤوسنا بشبر واحد  يلسع أقدامنا التراب الساخن ، ونحن ننهب الأرض صوب المحطة ، تتعالي أصواتنا وتختلط كما تختلط آثار أقدامنا العارية علي التراب الناعم ، لاحت المحطة عن بعد فازدادت سرعتنا ، وتزايد العرق السائل علي وجوهنا

     انتظرنا حتي مر القطار السريع بصفيره المزعج – ذلك القطار اللعين الذي دهس الولد " الهامي " في العام الماضي تحت عجلاته المفترسة – تابعنا عرباته المغلقة النوافذ ونحن نلعنه .. تناول الولد اسماعيل حجراً وبغيظ قذف احدي العربات .. ارتد الحجر في اتجاهنا واستقر بالقرب منا .. تناوله اسماعيل ثانية .. لكن القطار كان قد ابتعد فرماه في الترعة القريبة ..

     عبرنا إلي الجانب الآخر وتحلقنا حول طلمبة الماء .. شمر اسماعيل عن ساعده النحيل وراح يدفع ذراع الطلمبة يميناً ويساراً.. احمر وجهه وبرزت عضلاته الصغيرة وبدأ سرسوب الماء ينزل من فم الطلمبة الواسع .. ضاعف اسماعيل من جهده فزاد الماء .. غسلنا وجوهنا ورؤوسنا وشربنا وضرب بعضنا بعضاً بالماء فابتلت ملابسنا ، ترك إ سماعيل ذراع الطلمبة فأمسك به بعضنا ورحنا نهزه بقوة والماء يندفع، وضع اسماعيل رأسه تحت فم الطلمبة وراح يدعك شعره الأكرت ووجهه الأسمر ويملأ راحتي يده ويشرب .. ملأ هما ثانية ورشنا فتركنا ذراع الطلمبة ونحن نضحك .. وقف اسماعيل يجفف وجهه بطرف جلبابه وصاح فجأة :

-     هيا نلعب لعبة الحرب..

تصايح العيال في فرح .. واختلطت أصواتهم وهم يصرخون ...

    - أنا مصري ..أنا مصري .. أنا صهيوني .. أنا عربي .. أنا .. أنا

     لم أكن أحب هذه اللعبة .. ولم أكن أحب القتال ، وكنت أحزن كثيراً عندما يحكي لنا اسماعيل عن الحرب التي شاهدها في التليفزيون بين العيال وبين جنود كبار يلبسون طاسات من الحديد ، ويحملون مدافع حقيقية ، ويضربون العيال بالمدافع ، ويقتلونهم .. لكنني كنت أفرح كثيراً وهو يقول أن العيال لا يخافون البنادق والمدافع ، ولا يهربون ، ولكنهم يهجمون علي الجنود ويقذفونهم بالحجارة  وفي كل مرة كان اسماعيل يحلف أنه حين يكبر ويصبح رجلاً لابد أن يحارب اليهود ويقتلهم جميعاً بسيفه ، وبندقيته ..

علا صوت اسماعيل فوق أصواتنا جميعاً وراح يشير بيديه هنا وهناك

- أنا قائد الجيش المصري .. وانت قائد جيش الصهاينه ..

امتعض منصور قليلاً حين وضعه اسماعيل في الجانب الصهيوني  لكنه لم يلبث أن فرح لأنه القائد ، وراح يحصي عدد أفراد جيشه ويقسمهم إلي ضباط وعساكر .. ضمني اسماعيل إلي جيشه وجعلني ضابطاً وقال لي : " تعالي نضع خطة الحرب " .. وقبل أن نمضي أشار إلي القناة الصغيرة المحاذية للقضبان وقال :

   - هذه قناة السويس ..

داخلني الخوف خشية أن يأمرني اسماعيل بالنزول في القناة لأنني أخاف البلهارسيا ، وأخاف أن تبتل ملابسي ..

أخذت قواتنا أوضاعها في الجانب الأيمن للقناة ، بينما أخذت قوات الصهاينة الجانب الأيسر وعد اسماعيل بصوت عال ..

-     واحد ... اثنان ... ثلاثة ...

وبدأت الحرب .. أطلق اسماعيل النار من بندقيته فقتل أحدهم وخرج من الميدان  أطلقت النار فأخطأت الهدف ، قذفناهم بالحجارة ، بادلونا القذف ، راح اسماعيل يقذف الحجارة بحماس شديد ، كاد حجر أن يبطح رأس الولد منصور ، لولا أنه تفاداه بمهارة .. حذرت اسماعيل هامساً ، رد من بين أسنانه ..

-  اسكت ..انهم أولاد كلب صهاينه .. يقتلون العيال بلا رحمة وقع جندي من جيشنا أسيراً فاغتاظ اسماعيل .. انطلق في حنق شديد .. عبر القناة واختبأ خلف شجرة جميز ضخمة  تسللت وراءه .. قفزت عابراً القناه فانزلقت قدمي وكدت أسقط في المياه .. اسرع اسماعيل وعاونني علي الصعود  توقفت وأنا ألهث ، وقبل أن أطلب منه العودة إلي أرضنا كان اسماعيل قد انطلق في عمق أرض الصهاينه .. بعد لحظات عاد ممسكاً بأسير أعطاه لي .. تلقفت الأسير وسلمته لأحد جنودنا فضربه علي قفاه وقيده .. التفت فلم أجد اسماعيل .. رحت أبحث عنه متسللاً خشية الموت أو الأسر .. زحفت هنا وهناك فلم أجد احداً ..قلت في نفسي " هذه بوادر الإنتصار " .. فجأة وجدت نفسي أمام اسماعيل وقد وقف متأهباً للهجوم علي قائد الصهاينه .. أطبق اسماعيل علي منصور وطرحه أرضا ..تملص منصور وحاول الوثوب علي اسماعيل ، لكن اسماعيل  فاجأه بلكمة قوية .. اغتاظ منصور واحمرت عيناه واطبق علي اسماعيل .. راحا يتقلبان علي الأرض حتي اقتربا من شاطئ القناة .. أحسست بالقلق ، وبدأت أشعر أن ما يحدث الآن لا يمكن أن يكون لعباً .. صرخت ..

-     كفي يا اسماعيل ... كفي يا منصور ..

لم يلتفت إليَّ أحد .. تمزق جلباب اسماعيل ، وكذا جلباب منصور .. العرق يسيل بغزارة علي وجهي القائدين ووجهي .. جائني صوت اسماعيل غريباً وهو يصرخ

-     يا جبناء .. تقتلون العيال يا جبناء .. يا اولاد الكلب

كانت عيناه تلمعان ببريق غريب ، وملامحه قد تغيرت تماماً حتي كدت لا أعرفه فازداد الخوف بقلبي .. صرخت ثانية .. ولا جدوي .. كان اسماعيل يلهث بشدة ومنصور يحاول أن يرفعه من فوقه دون جدوي .. فكف تماماً عن المقاومة ، رفع اسماعيل رأسه قليلاً .. كانت الشمس في عينيه ، زر ما بين حاجبيه وهو يتناول حجراً كبيراً .. رفع الحجر .. هوي به علي رأس منصور .. صرخْتُ .. وصرخ منصور .. واسماعيل يرفع الحجر ويهوي وأنا أصرخ ..  ومنصور !!  العيال الذين تجمعوا حولنا يقفون كالأشجار .. لا أحد يتحرك .. فقط عيونهم تبحلق في جزع ورعب.. وأنا رأسي يدور ويدور .. والأرض تدور، والحجر يرتفع ويهوي وثمة صوت غريب يطن في أذني " تقتلون العيال ياجبناء.. تقتلون العيال ياجبناء"..


samibatta

أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى ، كما أرجو أن تتواصل معى وتفيدنى بآرائك ومناقشاتك وانتقاداتك ..

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 147 مشاهدة
نشرت فى 1 نوفمبر 2012 بواسطة samibatta

ساحة النقاش

سامى عبد الوهاب بطة

samibatta
أهلاً ومرحباً بك عزيزى القارئ .. أرجو ألاّ تندم على وقتك الذى تقضيه معى على صفحات هذا الموقع .. كما أرجو أن تتواصل معى بالقراءة والنقد والمناقشة بلا قيود ولا حدود .. ولكل زائر تحياتى وتقديرى .. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

97,903