{حقين } [ الحلقة التاسعة ] .................................. بقلم الأديب / محمد_نور‬

شذرات من أنين العصر ( 18 )
الحقيقة أننا لا نعرف وغير ذلك فهو ..
{حقين }
[ الحلقة التاسعة ] ...
سنستكمل بمشيئة الله تعالى الحوار ، حول السؤال الذي تم طرحه سابقاً وهو : 
هل يتحدث الله فقط مع الأنبياء ، أم أنه سبحانه وتعالى يتحدث إلينا أيضاً ؟؟!!
قبل أن نبدأ النقاش حول تلك النقطة الهامة ، يتوجب علينا أن نؤكد على معلومة جميعنا يعلمها ، وهي أن سبحانه وتعالى إذا تحدث مع أحد لا يتحدث ، معه إلا من وراء حجاب ، وبرغم يقيني أننا جميعاً ، نعلم ذلك إلا أنني أردت فقط أن أُذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين .
بالطبع لا خلاف على أن الله جل وعلا ، قد تحدث مع سادتنا الأنبياء ، إما بالتكليم ..
{ وَكَلَّمَ اللَّهُ موسى تَكْلِيمًا }
[ سورة النساء : 164 ] 
وإما من خلال الوحي ، أو بأي وسيلة أخرى الله سبحانه وتعالى أعلم بها ، وهنا لابد أن نضع في الحسبان أن ..
( الوحي ، أو الهاتف ، أو الإشارة ، أو الخاطر ، أو الرؤى ، أو الكشف .. إلخ ) ما هم إلا صور مختلفة لأساليب الحوار ، والتحدث .
أما فيما يخص البشر ، وغيرهم من الكائنات الأخرى ، دون الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم ، فمما لاشك فيه أنه سبحانه وتعالى قد ، تكلم معهم بنوع من الحوار ، لا يعلمه إلا هو .
فقد يحدث الحوار بين الخالق والمخلوق ، ويكون الطرف البادئ فيه هو ، الله سبحانه وتعالى ، وقد يكون المخلوق ، هو البادئ في الحوار مع الله سبحانه وتعالى .
فمثلاً في الحالة الأولى :
سنجد أن الله قد تحدث مع النحل ، عن طريق الوحي ..
{ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ(68) ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا ۚ يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)}
[ سورة النحل ]
وتحدث مع النار : 
{ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ }
[ سورة الأنبياء : 69 ]
وتحدث أيضاً مع الملائكة :
{ وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ }
[ سورة البقرة : 30 ]
وفي واقعة بناء مسجد ، ومنزل الحبيب المصطفى صل الله عليه وآله وصحبه وسلم حينما أتاه عتبان بن مالك وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال من بني سالم فقالوا : يا رسول الله، أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة .
قال : «خلوا سبيلها فإنها مأمورة» - لناقته - فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا وازت دار بني بياضة تلقاه زياد بن لبيد وفروة بن عمرو في رجال من بني بياضة فقالوا: يا رسول الله : هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة؟
قال : «خلوا سبيلها فإنها مأمورة» ، فخلوا سبيلها .
فانطلقت حتى إذا مرت بدار بني ساعدة اعترضه سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ، في رجال من بني ساعدة ، فقالوا : يا رسول الله، هلم إلينا في العدد والعدة والمنعة
قال : «خلوا سبيلها فإنها مأمورة فخلوا سبيلها ، فانطلقت حتى إذا وازت دار بني الحارث بن الخزرج اعترضه سعد بن الربيع وخارجة بن زيد وعبد الله بن رواحة في رجال من بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا رسول الله، هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة .
قال: «خلوا سبيلها فإنها مأمورة
فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا مرت بدار عدي بن النجار - وهم أخواله - دنيا أم عبد المطلب، سلمى بنت عمرو إحدى نسائهم، اعترضه سليط بن قيس ، وأبو سليط أسيرة بن خارجة في رجال من بني عدي بن النجار فقالوا : يا رسول الله، هلم إلى أخوالك إلى العدد والعدة والمنعة؟
قال: «خلوا سبيلها فإنها مأمورة .
فخلوا سبيلها فانطلقت حتى إذا أتت دار بني مالك بن النجار بركت على باب مسجده عليه السلام اليوم .
ولو نظرنا لهذا الحديث الشريف ، في قوله صلوات ربي وسلامه عليه " أنها مأمورة " لوجدنا أن هناك حوار حدث ، مع القصواء ، ناقة الحبيب صل الله عليه وسلم تم من خلاله ، أمرها بالموضع الذي ستبرك فيه ، لإقامة المسجد والمنزل النبوي الشريفين .
وهناك أشكال أخرى من الحوار دارت ، بين العديد من المخلوقات بخلاف الإنسان مع الله ..
فالملائكة تحدثت معه سبحانه وتعالى قائلة :
{ قالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ }
[ سورة البقرة : 30 ]
وإبليس لعنة الله عليه في كل وقت ، قد تحدث أيضاً مع الله قائلاً :
{ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (37) إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)}
[ سورة الحجر ]
والبحر ، والسماوات ، والأرض ، والجبال أيضاً تكلموا مع الله سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث القدسي :
{ قالت السماء : يا رب ائذن لي أن أسقط كِسفاً على بن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك، وقالت الأرض : يا رب ائذن لي أن أخسف بابن آدم فقد طَعِم خيرك ومنع شكرك، وقالت الجبال : يا رب ائذن لي ، أن أَسقط على بن آدم فقد طعم خيرك ومنع شكرك ، وقالت البحار : يا رب ائذن لي أن أُغرق بن آدم فقد طعم خيرك ، ومنع شكرك فقال سبحانه وتعالى : دعوني وخَلْقي ، لو خلقتموهم لرحمتموهم ، فإنْ تابوا إليَّ ، فأنا حبيبهم ، وإنْ لم يتوبوا فأنا طبيبهم. } 
فإذا كانت الجبال والسماوات ، والأرض ، والنار قد تشرفوا بكلام الله لهم ، فهل يُعقل أن يُحرم أكرم وأعز ما خلق الله ، من هذا الشرف العظيم ؟!
بالطبع هذا لا يُمكن أن يُعقل ، لكن كما ذكرت سلفاً أن أسلوب الحوار هو الذي يختلف من شخص إلى آخر ، ومن كائن إلى غيره ، لكن لا خلاف على أنه ، مهما كان هذا الأسلوب ، فان يخرج في النهاية عن كونه ، حوار أو حديث .
في الحقين إننا لا نعلم الكيفية ، التي خاطب به الله سبحانه وتعالى مخلوقاته سواء أكانوا من الملائكة ، أو الجبال ، أو البحار ، أو النار ، أو الأرض ، أو غيرهم من المخلوقات ، لكن لا خلاف من أن هناك حوار دائم ومتصل ، بين الله ومخلوقاته .
وأبلغ دليل على ذلك سيدي القارئ الكريم ، هو قول الله عز وجل : 
{ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } 
[ سورة يس : 82 ]
صدق الله العظيم
أرجو منك عزيزي القارئ الكريم ، أن تضع ألف خط تحت كلمة { يقول له } 
فهل هناك أبلغ من ذلك ، كدليل على أن الله سبحانه وتعالى ، يتحدث لكل ما يقع تحت سلطانه الأبدي السرمدي ؟!
الغريب أن ما دون الإنسان ، لا يُخطئ فهم ما يقال له من الله عز وجل ، بل إنه يعي ويفهم ، ويلبي الأمر فوراً إلا مخلوق واحد :
فغالباً ما يُخطئ في فهم ..
ما يقال له ..
هذا إن انتبه ..
إلى أن الله ..
يُخاطبه ..
ويتحدث معه ..
إلا من رحم ربي ..
لا تجعل العجب ..
يأخذك .. 
عزيزي القارئ ..
فذاك هو ..
الإنسان .
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله
*******
‫#‏الأديب_محمد_نور‬