***** قصة قصيرة بعنوان
( الفارس الفريسة)
.....وجده أحـد الرعـاة فحمـة ســوداء ، ملقـى علـى شـــفا وادي الخليـل ،المنحـدر بهـدوء من الشـــمال للجنـوب متهاديـا مـن شــرق قريـة الظاهريـة ليفصــل النقـب المنبســـط عـن تلالهـا وهـو ينحنـي نحـو الغـرب
...... مـن حـرق هـذا الضبـع الذكـي الغـدار الحـذر ؟ كيـف ؟ لا أحـد يعلـم *
.....رجـال الظاهريـة أشـــداء ،مشـــهـود لهـم قتـل الضبـاع بـل وإمســـاكهـا وإحضـارها حيـة للقريـة ، لكـن !!! لـم تســـجـل لهـم الأيـام حرقـه ، نشــيطـون بالوراثـة ، هـم أحفـاد الجباريـن ، ورجـالات الظاهـر بيبـرس المشـــهـود لهـم فـي تاريـخ البطـولات ، وفلاحـون من الطـراز الأول ، علمـاء بالتقلبـات الجويـة بالتجربـة والخبـرة والمواســم الزراعيـة ،رســمـت طبيعـة القريـة ومناخهـا الممـزوج المســـتعـار من جبـل الخليـل الشـــامـخ والنقـب الصــحـراوي المنبســـط علامـات الفروســـيـة والدرايـة علـى وجوههـم الطيبـة وصــفاتهـم الحميـدة **
.....نســــــاؤها يتمتـعـن بالحيويـة والحركـة النشـــطـة والنباهـة والطاعـة ،والانتمــاء العميـق للأســـرة ،والتعلـق بالتطريـز الـذي يعـد الصــديـق اللصــيـق بهـن أكثـر أيـام الســـنـة ، بالإضافـة لجمالهـن الســـاحـر ، وتعـد المرأة اليـد الحانيـة علـى الأبنـاء والبانيـة للبيـت ، وقـد اعتمـدن لهـن شـــعارا : ( الرجـل جنـى والمـرأة بنـا )*
..... تهيـأ موســـم الحصـاد : شـــد الرجـل مئـزره ،جهـز القـادم و شـــــبـاك ربـــط القـــش والمنجـل والقالـوش و(الحـورة ) ،والمـذراة ومتطلبـات الموســـم المبـارك المعطـاء * وركنـت المـرأة كــل نشـــاطاتهـا جانبـا أو أنهتهـا ، إلا مـا يتعلـق بالحصــاد : خاطـت الخيمـة وضــمـدت جراحهـا بالترقيـع ، وشـــــــدت حبالهـا بهـا ،أخطبوطـا أرضــيـا وضــمـت باقـة أوتـادها ، ونفخـت الأكيـاس بالجميـد والطــحيـن والبرغـل والزبيـب والبنـدورة المجففـة لرحلـة الخيـر و البركـة ****
..... مـع انبثـاق الفجــر الصـــادق (شـــق العـلام) كانـت الخيمـة وملحقاتهـا تمتطـي ظهـر الحمـار، ثم تعتليـه الزوجـة ســـارة الحماديـن ، وقـد دســت فـي عبهـا الواســـع دزينـة مـن علـب الكبريـت ، وأمســـكـت بيمناهــا الطاهـرةعنـان الحمـار توجهـه بـه ، وبيســراها زجاجـة مملــوءة بالكـاز لإضـاءة الســـراج ليـلا ***
.....قـال لهـا زوجهـا حســـيـن حميــدان قبـل المســـيـر :اســـبقينـا ! ســنلحـق بـك بعـد صــلاة الصــبـح ، انصــبـي الخيمـة جانـب الســــدرة !
..... أومـأت برأســــهـا بالطاعـة والتنفيـذ ، ثــم **** وابتـدأت رحلتهـا الميمونـة ***
...... بدايـة موســــم الحصــاد ، وفـي الـدرب الريفـي الممتـد بامتـداد الســـفـح نحــــو الجنـوب والـذي لا يســـتقبـل إلا دابــــــة واحـدة لوعورتـه، انطلقـت ســـارة الواثقـة فـي طريقهـا الآمـن جنوبـا نحـو حقـل /ابـو مســـعـود/ المـزروع بالشـــعير لبـدء انطلاقـة عمليـة الحصــاد مـن هنـاك قبـل جفـاف عيـدان الـزرع تمامـا فتتقصــف ســــنابلهـا وتســـقط أرضــا هـدرا ، وبينمـا كـان الحمـار ســـائـرا فـي منحـدر ضــيـق حـرج وخطيـر ، والظلمـة تحيـك مؤامرتهـا ،انهـال نحـو الركـب ضــبـع كاســـر مـن الســـفـح الشــــرقـي تلاطـم قدمـاه الحصــى ،فتتدحـدل نحـو الأســـفل حيـث الراحلـة ، وأســـنانـه تصــطـك بقـوة وســـرعـة ليخيـف فريســـــتـه الدســـــمـة المأمولـة ،ولكنـه لـم يـــدن كثيـرا ، لأنـه جبـان بالطبـع * ومـا إن أحـــس بـه الحمـارواشـــتـم رائحتـه النتنـــة حتـى توقـف ، وانتابتـه رجفـة شـــــــديـدة وخـارت قـواه ،فـأدركـت الـمـرأة المحنكـة المجربـة خطـورة الموقـف ،وعرفـت أن الوحـــش الذي يقتـرب منهـا ضــبـع ، وذلـك لأن الحمـار إذا أخـذ يرتجـف وبـدأت قـواه تخـور ، فهـذا يعنـي اقتـراب ضــبـع منـه ، فحلـت علـى عجـل حزامهـا القماشـــي التلحمـي ، وألـقـت بـه عـلـى عـينـي الحمـار كـي لايـرى الضــبـع ،فيـزول خوفـه ،وتعـود قـواه كمـا كانـت عليـه ، ووجهتـه بالعنـان/الرســـن/ إلـى الـدرب الســـــوي*تمنـت حينهـا لـو كانـت بقرتهـا /الــبــرقـــاء/ معهـا *فالبقـرة إذا اقتـرب منهـا ضــبـع ولـو لمســـافـة غيـر قريبـة ، فإنهـا تهجـم عليـه وتطـارده وتنطحـه بقرنيهـا إن لحقـت بـه ،فيولـي هـاربـا منهـا *
،،،،،اســــــتمـرت محـاولات الضـــــبـع ، مســــــتعينـا بالظلمـة ، وســـــــوء الطريـق ، ووعورتهـا وخلـو المكـان مـن الســـابلـة : يقتـرب ، يـذر بولـه على الفريســـة ، يبتعـد وضراطـه يتبعـه ، ثـم يقتـرب أكثـر فأكثـر إلـى أن حـاذى الحمـار ، محـاولا إيقافـــه أوإخافـة ممتطيتـه ثـم أســـقاطهـا أرضـا فيفترســـــهـا بســــــهولـةلقــد ســـاور ســـارة بعـض الخـوف لحظتهـا ولكنـه لـم يتملكهــــا ، وأخـذ يحـك جانبـه برجلهـا وفخذهـا اللتيـن تجمدتـا خوفـا لبرهـة ،ويســـيـر موازيـا الحمـار التعيـــــــس ، فانبثقٌـت ثـم لمعـت الفكـرة الرشــيـدة ، مـن ابنـة الظاهريـة الفطنـــــة ســــريعـة البديهـة ، فأخـذت بالـمـقابـل تحـك ظهـره بلطـف ونعـومــــة ، وتمســح عليـه بإمـرار يـدها علـى طـول ظهـره فأحــــس بالراحـة والاطمئنـان علـى صــيـده ، بينمـا فتحـت ســـارة زجاجـة الكـاز ، وأخـذت تصــب بعضــا منـه فـي يدهــا فتضعـه علـى ظهـر الضــبـع مـع حكـها ظهـره بليـن، وكـررت ذلـك ، ثـم فتحـت علبـة الثقـاب ، فأخرجـت ثلاثـة أعـواد ، قربتهـا وجانـب العلبـة من جســـمـه ، و بعـد ثانيـة كـان الـوادي يعلـن عـن انطـلاق ســـهـم نـاري خـلال الـوادي الطويـل
*/انتهت/
************شرح مفردات:******
1)النقب:الجزء الجنوبي من فلسطين ،شبه صحراوي ***
2)القادم:أداة خشبية يربط عليها القش وتوضع على الحمار***
3)القالوش:قطعة حديدية نصف دائرية ولها مقبض غير مسنونة يحصد بها***
4)الحورة:جلد طري يضعه الحاصد على طول جسمه من الأمام لحماية جسمه وملابسه من خدش القش***
5)الجميد: اللبن المجفف قطعا***
6) شق العلام :مصطلح فلسطيني بمعنى :ظهر الفجر الصادق***
7)الحزام التلحمي:الحزام المصنوع في بيت لحم في فلسطين***
8) العنان والرسن: مقود الدابة***
9) البقرة البرقاء:ذات اللونين فأكثر***
10) السابلة : المارون
..... الأحد 2015/12/20
القاص:خليل حسين اطرير/الأردن/الرصيفة
ملاحظة:جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة
(الفاتحة لروح أمي الحاجة سارة عيسى الحمادين ، تغمدها الله برحمته، آمين)