قراءة أولى في شخصية نجيب الكيلاني وآثاره.

--------------------------------------

أعجوبة في حياته كلها، حياة تكاد تمثل أبناء الريف المصريين، الكادحين المجاهدين، المعمرين في كل سني حياتهم. ولا يهمنا في مجال الدرس الأدبي توجهه السياسي؛ ما دام غير مؤثر في نتاجه الذي نقرؤه ونحلله في هذه الوقفة النقدية التمهيدية الأولى في إبداع ذالكم الأديب الضلعة، الهمام، الذي قامت على إبداعه نظرية الأدب الإسلامي روائيا وقصصيا ومسرحيا، إضافة إلى جهده التنظيري فيها ولها. 

ويكفي هنا أن نستدعي شهادة الأديب المصري العالمي الكبير  نجيب محفوظ الذي قال عنه في عدد مجلة أكتوبر عام 1989: «إن نجيب الكيلاني هو منظّر الأدب الإسلامي الآن»؛ ذلك لأن مقولاته النقدية، وأعماله الروائية والقصصية تشكل ملامح نظرية أدبية لها حجمها وشواهدها القوية، التي عززتها دراساته حول «آفاق الأدب الإسلامي» و«الإسلامية والمذاهب الأدبية»، و«الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق» و«مدخل إلى الأدب الإسلامي»، و«تجربتي الذاتية في القصة الإسلامية».

وهذا الشيخ العلامة الهندي أبو الحسن الندوي يقول: استطاع الأديب الراحل نجيب الكيلاني أن يثبت أنه وثيق الصلة بواقع الحياة، ويقف شامخا في مواجهة الآداب الأخرى، ويرد علميًّا على الإبداعات التافهة، عبر حياة جادة كانت حافلة بالعطاءات الأدبية.

إنه نجيب عبداللطيف إبراهيم الكيلاني، طبيب و أديب ومثقف مصري، متنوع الفنون والملكات، والتآليف. ولد في قرية شرشابة من مركز زفتى بمحافظة الغربية، عاش ثلاثا وستين سنة، في الفترة من  أول يونيو 1931 -حتى مارس ١٩٩٥م. وكلها حركة طموح، غير جموح، سنون فاعلة هادرة بناءة خيرة! 

تثقفه

-------

 على غرار عادة أهل الريف في هذا الوقت التحق نجيب الكيلاني بكُتَاب القرية في سن الرابعة، حيث تعلم القراءة والكتابة والحساب وقدراً من الأحاديث النبوية الشريفة وسيرة الرسول ﷺ، وقصص الأنبياء وقصص القرآن، وكانت أسرته تعمل بالزراعة، وكان منذ صغره يمارس العمل مع أبناء الأسرة في الحقول.

ثم التحق بالمدرسة الأولية ثم مدرسة الإرسالية الأمريكية الابتدائية بقرية سنباط ثم قضى الثانوية في مدينة طنطا وأخيرًا التحق بكلية الطب بالقاهرة عام 1951م، وبعد تخرجه عمل بوظيفة «طبيب امتياز» في «مستشفى أم المصريين» بالجيزة عام 1961م ثم طبيباً ممارساً بقريته ثم انتقل ليعمل في وزارة النقل والمواصلات، وتسلم عمله في القسم الطبي بهيئة السكك الحديدية، ثم سافر إلى دولة الكويت ليعمل طبيباً هناك، وذلك في اليوم الحادي والثلاثين من شهر مارس 1968م ثم انتقل منها إلى دولة الإمارات العربية وقضى بها ما يقرب من ستة عشر عاما.

وقدر الله له أن يتزوج عام 1960م من الأديبة الإسلامية «كريمة شاهين» شقيقة الأديبة الإذاعية المصرية «نفيسة شاهين» ورزق بثلاثة ذكور هم الدكتور جلال، والمهندس حسام، ومحمود المحامي، كما رزق بأنثى واحدة هي د. عزة.

وقد اتصف ببشاشة الوجه وروح الدعابة والتواضع الجم، وهو الخطيب المفوه صاحب الفكر المتفتح يقول عنه أحد أبنائه تشعر بأن خلقه القرآن، يرى الخالق في كل معاملاته، يتحامل على نفسه من أجل إسعاد أهله وذويه ولم تكن طموحاته كبيرة في الدنيا لأنه كان يحمل قوة إيمان عميقة وتواضعا جما. وقد تحمل الكيلاني آلام مرضه دون أن يبث همه وألمه لأحد حتى أقرب الناس إليه، فقد صبر على آلام الكبد الوبائي سي ثم آلام السرطان،  مستمسكًا بحبل الله وأنى له أن ييأس أو يخنع وهو الراضي بقضاء الله وقدره.

نتاجه الأدبي

----------------

تميز كل نتاج أديبنا بالهادفية والخيرية، ولا أدل على ذلك من شهادة الناقد الكبير  د. محمد حسن عبد الله أن كل إنتاج الكيلاني ذو هادفية مؤمنة، وعمق وشفافية متصوفة تبدو كومض الخاطر بين السطور، وهو جاد وعميق ومؤثر، ومتصل أوثق الاتصال بروح هذا الشعب، ويملك التأثير في حياة قومه التي كان واحدًا من أفذاذها المتفردين.

الكيلاني في شعره لا يقل منزلة عن قصصه ورواياته، فهو شاعر «الأمل الطريد»، الذي يمتلك ناصية الإيقاع والإبداع عبر دواوينه الثمانية، التي تنطق بالفن الأصيل، ذي الضوابط والغايات، عبر اللفظة الموحية، والنغمة الربانية، والتلمس الراهف لقواعد الفن الجميل.

ومن ينظر في مسرد مؤلفات وإبداعات أديبنا يراها تتنوع بين الفن الروائي، والقصة القصيرة، و الشعر، والمسرحية على النحو الآتي:

رواياته

---------

للأستاذ نجيب الكيلاني ستة وثلاثون عملا روائيا متنوعا، هي:

الطريق الطويل، اليوم الموعود، في الظلام،، قاتل حمزة ، و أهل الحميدية، مملكة البلعوطي، نور الله، (جزآن)،ليل وقضبان، رجال وذئاب، حكاية جاد الله، مواكب الأحرار، عمر يظهر في القدس، ليالي تركستان، عمالقة الشمال، أميرة الجبل، عذراء جاكرتا، اعترافات عبدالمتجلي، امرأة عبدالمتجلي، الكابوس، رحلة إلى الله، الرايات السوداء، ملكة العنب، النداء الخالد، رأس الشيطان، الربيع العاصف، طلائع الفجر، أرض الأنبياء، الذين يحترقون، على أبواب خيبر، قضية أبو الفتوح الشرقاوي، دموع الأمير، ليالي السهاد، نهاية طاغية، رمضان حبيبي، الرجل الذي آمن، وتحت راية الإسلام.

مجاميعه القصصية القصيرة

--------------------

لقاصنا سبع مجاميع قصصية قصيرة هي، عند الرحيل و،موعدنا غداً ، و العالم الضيق، ورجال الله، وفارس هوازن، و حكايات طبيب، والكابوس.

وقبل رحيله ترك ثلاثين فكرة لثلاثين رواية إسلامية، ودونها في مفكرة صغيرة عن مشكلات المجتمع المسلم. 

ونظرا للإبداع الفني الساحر والآسر في كثير من أعماله فقد تحول الكثير من أعماله الروائية إلى أعمال فنية، حيث فاز فيلم ليل وقضبان عن روايته ليل العبيد بالجائزة الأولى لمهرجان طشقند السينمائي عام 1964، كما تحولت رواية الليل الموعود إلى مسلسل إذاعي وتليفزيوني إنتاج مصري ليبي مشترك قدّم في شهر رمضان باسم (ياقوتة ملحمة الحب والسلام) عام 1973. كما تحولت رواية( الذين يحترقون )إلي مسلسل تلفزيوني مصري قدَّم باسم (الذين يحترقون) عام 1977.

كما ترجم الكثير من أعماله إلى اللغات العالمية المختلفة من الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والأردية والفارسية والصينية والإندونيسية والإيطالية والسويدية.

مسرحيات

------------------

في أيام الرحيل أبدع  أديبنا الكبير مسرحية وحيدة بعنوان «حبيبتي سراييفوا» التي لم ينتبه إليها القرّاء والنقّاد، فلم يذكرها كثير ممن ترجموا له ودرسوا آثاره.   وهي تعالج الأوضاع المأساوية في البوسنة والهرسك، وتقدم الأمل من خلال رسالة التبشير والتطهير التي يحملها الفن الإسلامي. إضافة إلى  مسرحيتيه: كفر الطماعين، والعلم نورن.

آثاره الكتابية

---------------

لكاتبنا الطبيب ثمانية عشر كتابا، جاءت في توجهات ثلاثة، التوجه الإسلامي العام، وذلك في كتبه:الإسلام والقوى المضادة

والطريق إلى اتحاد إسلامي، أعداء الإسلامية، نحن والإسلام، حول الدين والدولة.

والتوجه الطبي وذلك في كتبه:  المجتمع المرضي، وفي رحاب الطب النبوي، التثقيف الصحي للطلاب وأفراد المجتمع، الصوم والثحة، الغذاء والصحة.

وله ثمانية كتب في التوجه الأدبي الإسلامي، وتمثل خلاصة تجربته الأدبية والنقدية، وهي كتبه:مدخل إلى الأدب الإسلامي،والإسلامية والمذاهب الأدبية، وآفاق الأدب الإسلامي، والأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق، وتجربتي الذاتية في القصة الإسلامية، وإقبال الشاعر الثائر، وشوقي في ركاب الخالدين.هذا إضافة إلى سيرته الذاتية بعنوان (لمحات من حياتي، سيرة ذاتية(.

دواوينه الشعرية:

--------------------

استطاع الكيلاني أن يوظف كثيرًا من آليات الفن القصصي في شعره، فاستخدم الرمز والقناع والحوار والسرد والتعبير المتلاحق، والارتداد (بالإنجليزية: flashback)‏ (تذكّر الماضي والرجوع للوراء) والمفارقة، واللقطات المقتطعة من خلال الأشكال والمضامين التعبيرية المتفردة، كما يرى د. جابر قميحة.

و أول دواوين أديبنا الكيلاني هو  «نحو العلا» عام 1950 م نظمه وهو طالب بالمرحلة الثانوية، وآخرها «لؤلؤة الخليج» وهو الديوان الذي لم يكتمل، مرورًا بـستة دواوين شعرية، هي:  أغاني الغرباء، 1963م، وعصر الشهداء، وكيف ألقاك، 1978م، ومهاجر، 1986م،ومدينة الكبائر، 1988م، وأغنيات الليل الطويل، 1990م.

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 118 مشاهدة

الأستاذ الدكتور صبري فوزي عبدالله أبوحسين

sabryfatma
موقع لنشر بحوثي ومقالاتي وخواطري، وتوجيه الباحثين في بحوثهم في حدود الطاقة والمتاح. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

276,328