بِسْمِ اللّٰــه الرَّحمٰــن الرَّحيــم
محاضرة:
أبجديات في موسيقى الشعر
في مقرر: (موسيقى الشعر)، بالفرقة: الثانية، تخصص الأدب والنقد، شرح الأستاذ الدكتور : صبري فوزي أبو حسين، إعداد الباحثة: إسراء رمضان
عناصر المحاضرة:
<!--تعريف اصطلاحات: الوزن والموسيقى والإيقاع .
<!--تقسيم الإيقاع إلى داخلي وخارجي .
<!--تعريف الإيقاع الداخلي وتقسيمه.
<!--تعريف الإيقاع الخارجي وتقسيمه .
قبل أن ندخل إلى محاضرات موسيقى الشعر العربي لابد لنا من التعرف على اصطلاحات رئيسة، تستخدم كثيرًا في شرح مفردات هذا المقرر. وهي:
<!--أنماط الشعر العربي العروضية:
توجد أربعة أنماط عروضية من شكل الشعر العربي، عبر مسيرته التاريخية الطويلة، وهي:
١-الشعر البيتي: هو ذلك القالب الموروث المحافظ ، الموجود منذ أولية الشعر العربي الجاهلية إلى الآن، والقصيدة تتكون فيه من أبيات، والبيت يتكون من شطرين . وواضع عروضه الخليل بن أحمد الفراهيدي.
٢-الشعر المقطعي: هو ذلك الشعر الذي يتكون من عدة مقاطع، كل مقطع له نظام خاص في وزنه وقافيته، مثل الموشحات وما تفرع منها من الدوبيت والمخمسات، والمسمطات، إضافة إلى الأشكال الشعبية المستحدثة من القوما، السلسلة، والمواليا والزجل وغيرها..وواضع عروضه ابن سناء الملك(ت608هـ) في كتابه (دار الطراز في عمل الموشحات)، وصفي الدين الحلي(ت752هـ) في كتابه (العاطل الحالي والمرخص الغالي).
٣-الشعر السطري: وهو شعر التفعيلة أو الشعر الحر، و تتكون فيه القصيدة
من أسطر، وليس من أبيات أو أشطُر أو مقاطع! ومنظرة هذا النوع من الشعر هي الناقدة العراقية نازك الملائكة(ت2007م) في كتابها (قضايا الشعر المعاصر)، ومن الأزهريين أستاذي الدكتور محمود علي السمان في كتابه (العروض الجديد). .
٤-الشعر المنثور: ويقال له (قصيدة النثر)! حيث لا يوجد في النص بيت ولا ولا شطر، و لا مقطع ولا تفعيلة، ولا قافية، وفي عده شعرًا خلاف، والأرجح أنه نوع من النثر راق، إن جاء محلقا في شكله ومضمونه! وللدكتور عزت جاد محاولة في دراسة موسيقا قصيدة النثر! .
<!--تعريف الوزن والموسيقى والإيقاع:
الوزن:
هو مجموع تفاعيل منتظمة، يتكون منها البيت الشعري. وكلمة (وزن) خاصة بالشعر البيتي وما يتفرع منه، كما أنها لفظة خاصة بالشعر المقطعي أيضًا. وهذا التعريف للوزن يُخرج الشعر الحر، حيث لا يوجد انتظام في تفاعيل الشعر الحر! ومصطلح (الوزن) موجود عند القدماء في تعريفهم الشعر بأنه قول "موزون مقفَّى يدل على معنى"، ويعرف ابن خلدون الشعر بأنه "الكلام المبني على الاستعارة والأوصاف، المفصل بأجزاء متفقة في الوزن والروي"؛ فتعريف ابن خلدون هذا هو تعريف قدامة بن جعفر نفسه حيث جعلا (الوزن والروي) هما اللذان يُفرقان بين الشعر والنثر، وإن أضاف ابن خلدون عنصر الخيال .
ويرى الدكتور إبراهيم أنيس أن القدامى العرب كانوا لا يرون في الشعر أمرًا جديدًا يُميِّزه من النثر إلا الأوزان والقوافي، وقد قال أرسطو قبلهم أن الشعر يُميَّز بشيئين أو يرجع إلى علتين: أولهما المحاكاة، والثانية الإحساس بالموسيقى أو النغم.
و قال إبراهيم أنيس: إن المحدثين (أي النقاد الغرب في نظره) وضعوا ثلاثة أركان أو عناصر يجب أن تتحقق في الكلام ليُسمَّى شعرًا، وهي :
العنصر الأول : أن معانيه تُصَبُّ في صور خيالية تُثير خيال القارئ أو السامع . (الصورة)
إذًا أول فارق عند المحدثين بين الشعر والنثر هو (الصورة) أي أن الشعر يوجد فيه صورة بينما النثر لا يوجد فيه صورة ! ويعلق الدكتور صبري على هذا العنصر قائلاً: هذا الفارق بين الشعر والنثر غير صحيح؛ لأن في النثر صورًا مثل الشعر، لاسيما عند الكتاب الكبار كالمنفلوطي والرافعي وغيرهما.
العنصر الثاني: أن تتوافر في ألفاظه صفة التجانس بين اللفظ والمعنى ، وأن تتوافر فيه صفة الجرس الموسيقي، وألا يكون اللفظ مبتذلًا أو كثير الشيوع غير مُلائم للذوق الشعري .وهو ما يُسمى (بالإيقاع الداخلي).
وهذا العنصر في مُجمله يُسمى بالإيقاع الداخلي، ومن ثم فإن المحدثين جعلوا (الإيقاع الداخلي) الفارق الثاني بين الشعر والنثر .
العنصر الثالث: الوزن الشعري وخضوع الكلام في ترتيب مقاطعه إلى نظام خاص . وهو ما يُسمى (بالإيقاع الخارجي).
الموسيقى :
هي عنصر جوهري في (جميع أنواع الشعر)، و يُقصد بها درجة النغمة الصوتية
صعودًا وهبوطًا، وهي فن ترتيب الأصوات من خلال عناصر اللحن، والانسجام، والإيقاع والجرس. وهي من أقوى عناصر الإيحاء فيه، وهي ضوضاء منتظمة، يصنع انتظامها تقارب وتباعد درجاتها.
مفهوم الإيقاع :
الإيقاع ذو جذر غربيّ من كلمة يونانية بمعنى: التدفُّق والجريان. وقد عرفه الدكتور محمد مندور بأنه الذي:" يتولد عن رجوع (أي تكرار) ظاهرة صوتية أو ترددها على مسافات زمنية متساوية أو متجاوبة أو متقابلة. وهو كذلك أصوات تتكرر أو تحدث بتتابع زمني محدد منتظم، مهما تباطأ هذا التتابع أو تسارع. والمراد بالإيقاع وحدة هذا النغم، وينبع أساسًا من الأصوات والمقاطع والتفاعيل.
و(الموسيقى) عامة و(الإيقاع) خاص؛ فهو عنصر من عناصر الموسيقى. و(الوزن) موجود في الموسيقى لا الإيقاع. ويرى باحثون أن الموسيقى تتسم بأنها تُؤدَّى مع الإيقاع أو بدونه، وتعتمد في التأليف على ارتفاع وانخفاض الطبقة الصوتية، و أن طبقاتها الصوتية غير متاحة لجميع البشر.
والتعريفات السابقة جميعها اجتمعت على أن الإيقاع فيه تكرار للنغم وفيه تكرار للأصوات وترديد للأصوات بطريقة منتظمة .
أهمية الإيقاع:
١-الإيقاع ليس شيئًا عرضيًّا أو زينة شكلية يمكن الاستغناء عنها ، بل هو خاصية جوهرية في بناء الشعر، فلكي يكون الشعر شعرًا لا بد من اشتماله على الإيقاع .
٢-الإيقاع أقوى وسائل الإيحاء أي أننا نجد الشعر الحزين له إيقاع وكذلك نجد للشعر الفرِح إيقاع وأيضا نجد الشعر الوصفي (أي شعر لا حزين ولا فرِح ) .
٣-الإيقاع هو الذي يعبر عن المعاني، والشاعر الجيد هو الذي يُوَظِّف
الإيقاع في نصِّه .
مصطلح الإيقاع في التراث النقدي:
واستخدم مصطلح (الإيقاع) ناقدان عربيان قديمان، هما: (ابن طباطبا العلوي (ت324هـ)، وابن فارس(ت395هـ). فابن طباطبا يقول:" وللشعر الموزون إيقاع يطرب الفهم لصوابه ويرد عليه من حسن تركيبه واعتدل أجزائه، فإذا اجتمع للفهم مع صحة وزن الشعر صحة المعنى وعذوبة اللفظ، وصفَا مسموعه ومعقوله من الكدر تمَّ قبوله له واشتماله عليه، وإن نقص جزء من أجزائه التي يعمل بها، وهي اعتدال الوزن وصواب المعنى وحسن الألفاظ، كان إنكار الفهم إياه على قدر نقصان أجزائه".
ويلاحظ على نص ابن طباطبا:
<!--أنه استخدم كلمة (الموزون) بجوار لفظة (الإيقاع) ، وبهذا نجده قد فرَّق بين الوزن والإيقاع .
<!-- أنه ربط الإيقاع بالمعنى وباللفظ وذلك في قوله: "إيقاع يطرب الفهم لصوابه"، ، وهو بهذا القول يعني أننا في الشعر نفهم المعنى عن طريق الإيقاع، فجعل للإيقاع وظيفة معنوية.
<!--ربط الإيقاع باللفظ في قوله :"وما يرد عليه من حسن تركيبه، واعتدال أجزائه"، فقد قال: إن الإيقاع يأتي من حسن التركيب واعتدال الأجزاء، كما سبق أن ذكرنا في تعريف المحدثين السابق للإيقاع أنه عبارة عن أصوات تتابع وتتكرر، والتتابع والتكرار يساويان عبارتيْ (حسن التركيب واعتدال الأجزاء) في تعريف ابن طباطبا العلوي.
أما ابن فارس فيقول: "إن أهل العروض مُجْمِعون على أنه لا فرق بين صناعة العروض وصناعة الإيقاع، إلا أن صناعة الإيقاع تُقَسِّم الزمان بالنغم، وصناعة العروض تُقسِّم الزمان بالحروف المسموعة ".
ويتضح من هذا التعريف أن ابن فارس أيضًا يُفرق بين العروض والإيقاع، حيث يقول: إن الإيقاع خاص بالنغم، والعروض خاص بالحروف. فالعروض صوتي حسي ظاهر، والإيقاع لحن نغمي دقيق!
وينبغي أن نعرف أن الموسيقى والإيقاع ليسا خاصين بالشعر فقط بل قد يوجدان في النثر
أيضًا، فيوجد بحثان في موسيقى النثر لأستاذي الدكتور عبد الموجود متولي بهنسي-رحمه الله-، وهما منشوران في مجلة كلية اللغة العربية في المنوفية.
يقول الدكتور إبراهيم أنيس :"ونثر الكلام قد يشتمل على نوع من الموسيقى، نراها في صعود الصوت وهبوطه أثناء الكلام، كما قد نراها في صورة قوافٍ تنتهي بها فقرات، ما يسمى بالسجع، ذلك الذي يُلتزم فيه غالبًا طول معين، وعدد من المقاطع يكاد يكون محددًا؛ ففي كل هذا ولكنها في الشعر من نوع أرقى، بل هي في الشعر أسمى الصور الموسيقية للكلام وأدقها؛ لأن نظامها لا يمكن الخروج عنه؛ ففي هذا النص يشير إلى أن الموسيقى كما توجد في الشعر توجد في النثر، كما أضاف لنا كيفية وجود الموسيقى في النثر فقال: نراها في صعود نغمة النثر وهبوطه وأيضًا إذا وُجد السجع والجناس وسائر المحسنات البديعية اللفظية في النثر؛ فهذه المحسنات تُعد موسيقى نثر؛ لأن وظيفة المحسنات البديعية اللفظية هي التأثير في الأذن، ثم يفرق بين الموسيقى في الشعر والنثر فيقول: لكن الموسيقى في الشعر أرقى وأسمى وأدق ونظامه لا يمكن الخروج عنه.
تقسيم الإيقاع:
ينقسم الإيقاع إلى إيقاع داخلي، وإيقاع خارجي. وهاك بيانهما:
الإيقاع الداخلي:
هو نغم خفي تحسه النفس عند قراءتها العمل الأدبي شعرًا أو نثرًا، ويتكون من وحدات إيقاعية تُزَيِّن النص، ويكون من تكرار صوتي أو لفظي أو أسلوبي، حيث الموازنة بين الأصوات والألفاظ والتَّجاوُر الصوتي، وغير ذلك مما يُحدِث في النص لذَّة نغمِيَّة . وسبيل معرفته علم الأصوات وعلم البديع.
ويقسم الإيقاع الداخلي إلى ثلاثة أنواع، وهي:
(أ)إيقاع صوتي (حرفي) .
(ب)إيقاع لفظي (معجمي).
(ج)إيقاع أسلوبي (تعبيري).
الإيقاع الخارجي:
وهو النغم الظاهر البارز، الناشئ عن حضور الوزن والقافية والتصريع في القصيدة. وسبيل معرفته علم العروض. والإحصاء أداة رئيسة في تحليل الإيقاع داخليًّا أو خارجيًّا.