مقاربة تطبيقية في القصة الشاعرة (سحبية) للمبدع المؤسس محمد الشحات محمد:
النص المقارب:
ـــــــــــــــــــــــــــ
سحبية
كانت الأوناشُ تغلي؛ خُلعت بوابةُ،
استولى على مفتاح “شمهورش” بالونُ
وزارات التّنحّي ..، قال عفريت: هو
السّرّاق خلْف الشجر، اعتاد انتحال
الخطف مغلوبا على الـ ..، قاطعه
“الأعْورُ”: فاقطعْ حركاتِ الفتْحِ،
واستخرجْ له فيزا التّعدّي؛
ليس للبيت جدارٌ
ردت “السّحْبيّةُ”: اصْطَفّوا ..؛ مع الطالع
تخصيصُ قوانين الزبادي ..، ألْقت
الدّوريّة القبض على “كُدْية زارٍ”، سقط
الباب على سقف قناة النيل ..، مرّت أرْبع
المُوجز ..، نادت ربّةُ الوادي”فَكِيكًا”،
فاستَوَلى النسرُ على حزب كمَامَات “سليمانَ”،
التقينا!
أولاً: المقاربة الشكلية:
ـــــــــــــــــــــــــ
هذا نص من القصة الشاعرة مهذب في كمِّه الشكلي، نشر في موقع صوت الشعب الإلكتروني يوم13سبتمبر 2020م، وجاء على نسق تفعيلة بحر الرمل(فاعلاتن) منذ عنوانه(سحبية/ فالاتن المُشعَّثة)، ومرورًا بكل أسطره التي بلغت خمسة عشر، حتى كلمة الختام(التقينا/فاعلاتن).
والتدوير رابط عروضي بين أسطرها، في معظم أسطرها، وكذا جاء التضمين النحوي رابطًا إضافيًّا في هذه القصة الشاعرة، حيث نجد المضاف في نهاية سطر والمضاف إليه في بداية السطر التالي، وكذا المبتدأ في ختام سطروالخبر في بداية سطر، وكذا المعطوف في سطر والمعطوف عليه في سطر، والفعل في سطر والفاعل في السطر التالي، وهكذا دواليك!
والمعجم اللغوي للنص يمتح من حقلين دلاليين:
الأول: الحقل الأسطوري الخفي السحري المعروف في الأعمال الشعبية لا سيما العمل العربي العالمي(ألف ليلة ولية)، وذلك في بنية شخوص العمل حيث(سحبية ملكة الجن، وشمهورش، وعفريت، والأعور، وفكيك، ثم ربة الوادي) ولا ريب في أن كلاًّ منها يشير إلى نموذج بشري خاص في مخيلة مبدعنا، ثم نموذج بشري في مخيلة كل متلق للنص بعده!
والحقل الثاني هو الحقل المصري الحياتي الآني، ففي هذا النص ما يدل على أنه ابن لحظتنا الحالي، ابن النصف الثاني من سنة 2020م الغريبة والمريبة والعجيبة! حيث نجد ألفاظ: الأوناش، التنحي/بوابة/الخطف/الدورية/كدية زار/قناة النيل/كمامات/النسر...
والفعل الماضي مهيمن على النص، حيث الأفعال: (كانت/خلعت/استولى/قال/اعتاد/قاطع/ليس/ردت/ألقت/سقط/مرت/نادت/استولى/التقى)
وكأني بالمبدع يرى أن هذه الحالة الآنية ماضوية، ولا تمثل حاضرنا ولا تبشر بمستقبلنا، وأننا ينبغي أن نتعامل معها بأنها ماض انتهى أو سينتهي؛ حتى ننعم بلحظتنا الآنية، وإلا انكسرنا انكسارًا نفسيًّا قاسيًا!
وكذا التعبير الخبري الفعلي! وكأني بالمبدع بدعونا إلى التركيز في تأويل كل فعل من أفعال النص الذي يمثل حدثًا فاصلاً مؤثرًا!
والأسلوب الأبرز في النص هو الحوار بين شخوصه البارزين: عفريت/الأعور/سحبية/ ربة الوادي.
والتعابير البيانية الاستعارية المعمقة العالية التخييل، بادية في النص؛ حيث: الأوناش تغلي/بالون وزرات التنحي/السراق خلف الشجر/انتحال الخطف/اقطع حركات التح/قوانين الزبادي/سقف قناة النيل/حزب كمامات سليمان...
وقد وظف المبدع علامات الترقيم، حيث الفصلات الرابطة بين العبارات، والنقطتان المتجاورتان الدالتان على كلام مستتر أو أحداث مضمرة، وعلامة التأثر الدالة على حادث عجيب في ختام هذه القصة الشاعرة.
ثانيًا: المقاربة المضمونية:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إن القراءة الأولى السطحية السريعة المتسرعة سترى في هذا النص إغلاقًا، وتفككًا، وعدم ربط بين أحداث النص بل عباراته، بل ألفاظه!
ولكن القراءة الثانية، والثالثة والرابعة، والقراءات المتنوعة: حيث القراءة الجهرية، والقراءة السرية، والقراءة الأحادية، والقراءة الثنائية والقراءة الجماعية للنص توقفنا على الكثير، وتدلنا على أن هذا الفن يجمع المثقفين أويدعوهم إلى الاجتماع، بما فيه من إبهار وإغراب وغموض لذيذ!
وقد طبقت هذه القراءات لهذا النص، فخلصت إلى الآتي:
<!--تيمة هذا النص تتمثل في جلد الحالة الاجتماعية المضطربة المتصارعة في آننا ووطننا وكل وطن يشبهه، وفضح أطرافها داخليًّا وخارجيًّا!
<!--النص يتكون من أحداث أساسية بارزة، هي:
حادث الأوناش وخلع البوابة!
حادث استيلاء وزارات التنحي على المفتاح!
مقالة الشخصية(عفريت) ومقاطعة الشخصية(الأعور) له!
رد الملكة الجنية(سحبية)
نداء ربة الوادي
استيلاء النسر
الالتقاء!
وواضح أن الحدثين الأولين يمثلان سببًا للحوار الرباعي بين(عفريت/الأعور/سحبية/ربة الوادي).
ثم يكون الختام استيلاء النسر على الأمر، ثم يكون الالتقاء المفتوح في أطرافه، وفي نتيجته!
إن (الأوناش) تشير على حوادث الإزالة للتعديات والمخالفات التي تحدث بوطننا حفاظًا على الرقعة الزراعية حينًا، وحفاظًا على هيبة الدولة وحقها حينًا آخر، ومن ثم كانت هذه (الأوناش تغلي)، أي تضطرب، حنقًا على هؤلاء المعتدين، المتهاونين في حق الوطن والدولة!
كما أنها تغلي أي تضطرب لهؤلاء الذين ظلموا بسبب التطبيق التعسفي لهذه الإزالات، وعدم رعاية البعد الاقتصادي والاجتماعي، حيث كانت سببًا في تشريد بعض الفقراء والمحتاجين والمساكين، الذين لم يكن لهم سكن ولا مأوى إلا هذه البيوت المخالفة!
ويتبع غليان الأوناش أن تخلع بوابة، يجعلها المبدع بلا مضاف إليه؛ لتذهب النفس في تحديدها كل مذهب، بوابة عش، كوخ، بيت، فيلا، قصر، عمارة، برج سكني، عشوائيات، دار عبادة!
و(مفتاح شمهورش) إشارة إلى مقاليد الحكم والملك!
و(بالون وزارات التنحي) إشارة إلى الدولة العميقة، والنظام البائد، الذي هو عدو لكل جديد، ولكل إعمار!
وشخصية(عفريت) إشارة إلى الثائر الذكي الذي لديه قدرة على قراءة الأحداث والشخوص، بطريقة خفية ماكرة!
و(السراق خلف الشجر) هو ما كان يسمى العدو الخفي، والمخطط الخلفي، والقادر على السرقة المادية، والسرقة الفكرية(انتحال الخطف)!
و(مغلوبًا على الـ..) هاتان النقطتان تشيران إلى وسائل متنوعة للتحكم في هذا السراق بين مالية، وشهوانية، ومخدرات، ومناصب، ومكاسب، ووعود بمزيد من التمكين والتسلط!
وشخصية(الأعور) أنموذج الإنسان العادي الذي يخاف ويخيف، ويتخوف، وما عبارته(اقطع حركات الفتح) إلا إشارة إلى ترك الماضي بما فيه من فتح ونصر وتمكين، وما (فيزا التعدي) إلا رخصة الحكم والسيطرة، وجواز الرضا بالنظام القائم، وعدم التفكير في إصلاحه فضلا عن تغييره!
ثم تأتي الحجة الكبرى عند الأعور وأمثاله وحزبه: (ليس للبيت جدار)، فما البيت إلا الوطن، وما الجدار إلا الحامي والحافظ، فالوطن في هذه الحالة ضعيف، معرض لكل خطر، لودخلنا في متاهات الثورة وأوضارها!
وتاتي السحبية(الملكة الجنية) لتأمر(عفريت) وكل من يمثله، و(الأعور) وكل من يمثله بأن: (اصطفوا)!
ولعل شخصة(السحبية) رمز لكل شخص قيادي، أو كل حزب، قادر على السيطرة على الآخرين وتوجيههم!
ثم تخبر السحبية هذين الطرفين(عفريت/الأعور) بثلاثة أحداث خلال أربع سنوات أوفترات:
حادث تخصيص قوانين الزبادي
إلقاء القبض على كدية زار
سقوط الباب على سقف قناة النيل!
وما (قوانين الزبادي) إلا إشارة إلى القوانين التي تحقق الربح السريع السهل، أو أنها قوانين ضعيفة!
وحادث (إلقاء الدورية القبض) إشارة إلى القدرة الأمنية الظاهرة، و(كدية الزار) إشارة إلى جماعات الرفض الدجالة المغرضة المهووسة بالكلام الغنائي الغوغائي الذي لا نفع فيه، وقد يكون منه وفيه الضرر!
وحادث (سقوط الباب) يشير إلى تعرض البيت/الوطن للتقلبات والفتن ومظاهر التقتيل والتشريد والتخريب! وقد يكون (سقف قناة النيل) إشارة إلى ما يتعرض له النيل من مؤمرات ومكايدات وتربصات! و(الأربع) التي مرت قد تكون سنين، وقد تكون كديات، وقد تكون دوريات، وقد تكون جماعات، وقد تكون غير ذلك!
ثم تأتي شخصية (ربة الوادي) التي ترمز إلى الشخصية العالمية الكبرى المسيرة للأحداث والأشخاص في البيت، فتنادي (فكيكًا) كي يستولي بقوته المنظمة القاهرة(التي أشير إليها برمز النسر) على مقاليد الحكم الأساسية الداخلية والخارجية، والتي رمز لها مبدعنا بهذا التعبير الفذ (حزب كمامات سليمان)، وما الكمامة إلا العمل الخفي المخابراتي، وما سليمان إلا الملك القادر على تحريك الجن وتوظيفهم!
ثم تكون الخاتمة في القصة الشاعرة، هذه العبارة الفعلية المنفتحة:
التقينا
مَنْ يلتقي مَنْ؟
وكيف يلتقيان؟
وعلام يلتقيان؟
وأين يلتقيان؟
ما نتيجة الالتقاء؟!
وهذا سبب فنية القصة الشاعرة، إنها تقول الفكر الكثير العميق، باللغة الجامعة الشاملة، المعممة، المكثفة، القابلة لغير تأويل، والمناسبة لكل قارئ إيجابي مثقف أو يتثقف!