شهادة الدكتور صلاح خليل عبد العال سرور، الحاصل على الدكتوراه في الدراسات اللغوية، جامعة القاهرة ٢٠١٠ه، وكبير المهندسين السابق بهيئة الطاقة الجديدة بوزارة الكهرباء:
رسالة الأزهر الشريف:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأزهر الشريف أعرق مؤسسة علمية قائمة في العالم حتى اليوم، وأقدم جامعة إسلامية ، وأشرف منارة للهدى والمعرفة، أقامها الإنسان بإيمانه العميق، وطموحه للعلم والفكر، وإدراكه الواعي للحقيقة الإلهية الكبرى واستيعابه لدوره الفريد خليفة الله في أرضه، وصانعًا للمجد والحضارة. ويعد الاهتمام بالأزهر والترويج لمكانته محليًّا وعالميًّا تجسيدًا حيًّا لأعظم ما في الحياة؛ فهو يجمع في آن واحد بين عظمة الرسالة وعبقرية الشعب وقدسية المكان؛ ذلك لأن الرسالة الإسلامية الخالدة هي في جوهرها دعوة للعلم والمعرفة، وأمر بالسعي وراء الحقيقة القرآنية الكبرى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (59) } . والرسالة الإسلامية في المقام الأول تأصيل لحرية الفكر والعقيدة، وتأكيد الواجب بالتدبر في شئون الكون والخلق، فلا حجر على رأي، ولا فرض لاجتهاد، ولا حرمان الشخص من حقه في الاطلاع والمناقشة، ولا إكراه في الدين. ثم إن الرسالة الإسلامية دعوة عالمية لا تعرف الفوارق والحدود؛ لأنها تقوم على وحدة الجماعة الإسلامية، التي تلتقي على طريق الحق والخير، وضمن هذا المفهوم العالمي الشامل تشكل الجماعة الإسلامية أمة واحدة، تربطها العقيدة المشتركة والقيم الروحية السامية والشعور الغامر بوحدة الهدف والمصير.
ولذلك كان طبيعيًّا أن يجسد الأزهر الشريف هذا المعنى الكبير، بطلابه الوافدين من المشرق والمغرب الذين قصدوه من كل صوب، على اختلاف جنسياتهم وأوطانهم، كما حضر أزهرنا الشريف بدعاته المنتشرين في شتى الأنحاء، وعلمائه الأجلاء، أولئك الذين أضافوا إلى العالم أجمع الكثير من العلم والحكمة، وعمقوا إدراكنا بجوهر الحياة، والتزامنا بتعاليم الله وحقوق عباده، ورسخوا ولاءنا للحقيقة، واهتداءنا بالمنهج العلمي في البحث والتقصي.
ومنذ أنشيء الأزهر سنة ٣٦١ه قصده العلماء والفقهاء وطلاب العلم واجتمع فيه قاضي القضاة والمحتسب، وبذلك اجتمعت في مكان واحد قدسية المسجد وكرامة الجامعة، وسمو دار العدل، وأصبح الجامع الكبير محرابًا للعبادة، ومنارة للعلم والمعرفة ومركزًا يسعى إليه المسلمون طلب للعدل والحق والفتوى. وكان الأزهر على مر القرون: القلعة الشامخة التي حفظت القرآن ولغته، وللحديث مكانته، وللدين تعاليمه، وللشريعة أحكامها، وللفقه أصوله وضوابطه، وللأمة الإسلامية تراثها الحضاري الفريد وأصالتها الفكرية الراسخة، في مواجهة محاولات الغزو الثقافي من الخارج، وضد عوامل الاضمحلال والتخلف التي تعرضت لها مجتمعات عديدة حولنا .
وبقدر ما كان الأزهر عالميًّا بشأنه وطبيعته، فقد كان مصريًّا بهويته وكينونته؛ لأن مصر الى اهتدت بنور الإسلام واحتضنت تعاليمه ومبادئه، وكانت لها سماتها الحضارية المتميزة
وتقاليدها ذات الجذور العميقة، التي كان من المتعين أن تصبح رافدًا أساسيًّا في تيار الحضارة الإسلامية، وبوتقة تنصهر فيها الآراء وتفاعل الاجتهادات...