محتوى تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها:
معايير اختياره وتنظيمه
د. نصرالدين إدريس جوهر
(جامعة سونن أمبيل الإسلامية الحكومية – إندونيسيا)
1. مفهوم المحتوى
يقصد بالمحتوى "مجموع الخبرات التربوية، والحقائق، والمعلومات، التي يرجى تزويد الطلاب بها. وكذلك الاتجاهات والقيم التي يراد تنميتها عندهم. وأخيرًا المهارات الحركية التي يراد إكسابهم إيَّاها، بهدف تحقيق النمو الشامل المتكامل لهم في ضوء الأهداف المقررة في المنهج".
وفي ضوء هذ1 المفهوم العام للمحتوى يمكن أن يفهم محتوى منهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها أنه عبارة عن الخبرات التعليمية المستمدة من مهارات اللغة العربية وخصائصها وثقافتها التي يراد إكسابها للطلاب الأجانب بهدف تحقيق نموهم اللغوي الشامل في ضوء أهداف المنهج المحددة.
2. طرائق اختيار المحتوى
إنَّ اختيار محتوى المنهج لا يتم عشوائيًا، وإنما يتم في ضوء طرائق وأساليب معينة. وفيما يلي طرائق اختيار محتوى منهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها:
أ. المناهج الأخرى: يمكن لواضع المنهج أن ينتقي المحتوى اللغوي من مناهج تعليم اللغات الأخرى مثل الإنجلزية، وذلك مع الأخذ في الاعتبار التفاوت بين اللغتين (العربية والإنجليزية) وظروف البرامج.
ب. آراء الخبراء: يمكن لواضع المنهج أن يسترشد عند اختيار المحتوى بآراء الخبراء سواء أكانوا متخصصين في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، أم كانوا معلمين، أم لغويين، أم تربويين.
ت. المسح: ويقصد بذلك أن يستند واضع المنهج إلى نتائج دراسات ميدانية حول خصائص الدارسين، كأن تجرى دراسة حول ميولهم واهتماماتهم ودوافعهم واتجاهاتهم في تعلم اللغة العربية، وكأن تجري دراسة حول أخطائهم اللغوية الشائعة ودراسة تقابلية بين اللغة العربية ولغتهم الأم، ليستفيد من نتائجها في اختيار ما يناسبهم من محتوى لغوي.
ث. التحليل: ويقصد بذلك أن يستفيد واضع المنهج في اختياره المحتوى من تحليل المواقف التي يحتاج الطالب فيها للاتصال بالعربية، مثل تحليل مواقف الحديث الشفهي أو مواقف الكتابة بالعربية.
3. معايير اختيار المحتوى:
إلى جانب تلك الطرائق والأساليب ثمة معايير معينة ينبغي أن يتم في ضوئها اختيار محتوى المنهج، وفيما يلي بعض المعايير التي ينبغي أن يتم في ضوئها اختيار محتوى منهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها:
أ. أن يكون في المحتوى ما يساعد الطلاب على تخطي حواجز الاتصال باللغة العربية الفصيحة مترفقًا به في عملية التصحيح اللغوي، متدرجا معه حتي يألف من اللغة ما لم تتعود عليه أذنه أو يجرى به كلامه. ويتطلب هذا بالطبع التعرف على الرصيد اللغوي العربي الذي يقدُم به الطالب إلى المدرسة لمعرفة كيف يُبدأ التعليم ومن أين يبدأ.
ب. أن يكون في المحتوى ما يساعد الطالب على أن يبدع في اللغة، وليس فقط أن ينتجها كاستجابة آلية. فعلى المحتوى أن يوفر من الفرص ما يُثري رصيد الطالب من اللغة وما يمكنه من الاستعمال الفعال لها.
ت. أن يكون في المحتوى ما يُعرِّف الطالب بخصائص العربية وإدراك مواطن الجمال في أساليبها، وتنمية الإحساس عنده بالاعتزاز بتعلمها.
ويلاحظ أن هذه المعايير الثلاثة لاختيار المحتوى تتناغم ضمنيا مع ما يهدف إليه منهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها من تعليم استخدام اللغة وتعليم خصائصها، وهي من ثم تمثل علاقة وثيقة تقوم بين أهداف المنهج ومحتواه بحيث إن الأخير ترجمة لما ينصه الأول.
4. تنظيم المحتوى
بعد أن يتم اختيار المحتوى يأتي تنظيم المحتوى. ويقصد بتنظيم المحتوى ترتيب المواد التعليمية بطريقة معينة توفر أكبر إمكانيات لتحقيق أكبر قدر ممكن من أهداف المنهج.
وثمة طريقتان سائدتان يطرحهما الخبراء لتنظيم محتوى المنهج التربوي، هما:
أ. التنظيم المنطقي: ويقصد به تنظيم المواد الدراسية ذاتها لتصبح من الحقائق والمفاهيم المربوط بعضها ببعض ربطًا منطقيًا، وكل حقيقة أو معلومة سابقة تركز عليها حقيقة أو معلومة لاحقة لتصبح الخبرات التعليمية متسلسلة منطقيًا.
ب. التنظيم السيكولوجي: ويقصد به تنظيم المواد الدراسية في ضوء خصائص الطلاب مثل رغباتهم واحتياجاتهم واهتماماتهم، وليس في ضوء الترتيب المنطقي للمادة.
وفي ضوء هذين التنظيمين يمكن أن يتم تنظيم محتوى منهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها على أن يراعي نقطة التركيز لكل التنظيم. فتطبيقا للتنظيم المنطقي مثلا يمكن أن يبدأ محتوى المنهج بالتراكيب البسيطة وينتهى بالتراكيب المركبة أو المعقدة. وكذلك في تطبيق التنظيم السيكولوجي، فيمكن أن ينظم المحتوى حسب احتياجات الطلاب اللغوية والمواقف الاتصالية التي يمرون بها، فتأتي بالترتيب مثلا مادة الاستفهام، ثم مادة التعجب...إلخ.
5. معايير تنظيم المحتوى
من أهم ما يقترحه الخبراء من معايير تنظيم المحتوى ما يلي:
أ. الاستمرارية: ويقصد بها العلاقة الرئيسة بين المواد في محتوى المنهج، بحيث تؤدي كل مادة إلى إحداث أثر معين عند الطلاب تدعمه المادة التالية.
ب. التتابع: ويقصد به بناء المحتوى في صورة تتابعي منطقي، فلا تقدم مادة ما إلا في ضوء ما سبقها.
ت. التكامل: ويقصد به العلاقة الأفقية بين المواد الدراسية حيث يكمل كل منها الأخرى.
وفي ضوء هذه المعايير الثلاثة يمكن أن يتم تنظيم محتوى تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها ففي ضوء معيار الاستمرارية يتم تقديم مواد الأصوات والمفردات والتراكيب بشكل استمراري لما بينها من علاقة حيث تؤدى مادة الأصوات إلى أثر معين لدى الطلاب تدعمه مادة المفردات التي بدورها تؤدي الأثر نفسه تدعمه مادة التراكيب. أو تطبيق معيار التتابع في ترتيب المهارات اللغوية التي تأتي ترتيبيا من الاستماع، ثم الكلام، ثم القراءة، وأخيرا الكتابة. أو تطبيق معيار التكامل في ربط المهارات اللغوية عند تقديمها، فمادة الكلام لا ينفصل تقديمها عن مادة الاستماع، ولا ينفصل تقديمهما عن تقديم مادة القراءة...إلخ.
___________________
المراجع
رشدي أحمد طعيمة، تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها: مناهجه وأساليبه، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة-إسيسكو، الرباط، 1989م
حسن عبد الرحمن الحسن، دراسات في المناهج وتأصيلها، دار جامعة أمدرمان للطباعة والنشر.
نشرت فى 6 يونيو 2015
بواسطة sabaraa
(البراء) لتعليم اللغة العربية للناطقين بها ولغير الناطقين بها ِAl-Baraa For Teaching Arabic
* هذا الموقع يهتم باللغة العربية و تعليمها للناطقين بها ولغير الناطقين بها للكبار والصغار، كما يهتم بالباحثين في اللغة العربية وعلومها ناهيك عن تعليم العربية لغير الناطقين بها. * يمكنك من خلال هذا الموقع استخدام اللغة العربية في أنشطة تفاعلية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
21,750