بعدما تناولنا كتابه الأول: المفاتيح العشرة للنجاح، نعود مرة ثانية مع الدكتور إبراهيم الفقي وسلسلة النجاح التي ألفها، لنتناول هنا الكتاب الثاني والذي عنونه باسم: قوة التحكم في الذات. بداية يجب القول أن هذا الكتاب لا يستوعبه المرء منا بسهولة أو من أول مرة، لكن ما أن تتخطى البدايات حتى تغوص في معاني الأفكار والنقاط التي ينبهنا الكاتب لها، في خضم البحث عن الطرق والسبل لتفجير منابع التفكير الإيجابي الذاتي، والاندفاع للتحول من السلبية إلى الإيجابية في كل شيء.
تحكي مقدمة الكتاب قصة الفيل الذي جلبه صاحبه ليضعه في حديقة قصره، رابطاً قدم الفيل شديد القوة بكرة ثقيلة من الحديد. على مر أيام وأسابيع حاول الفيل تخليص قدمه من القيد، حتى يأس من الأمر وتوقف عن المحاولة، حتى جاء يوم أبدل فيه صاحب القصر كرة الحديد بكرة من الخشب – لو كان للفيل صاحبنا أصابع لهشم هذه الكرة الخشبية بأصبعه الصغير – وفي يوم سأل سائل صاحب القصر، كيف لا يحاول الفيل تحطيم الكرة وتخليص نفسه من الأسر، فرد عليه صاحب الفيل: “إن هذا الفيل قوي جدًا، وهو يستطيع تخليص نفسه من القيد بمنتهى السهولة، لكن أنا وأنت نعلم ذلك، لكن الأهم هو أن الفيل لا يعلم ذلك، ولا يعرف مدى قدراته الذاتية!”.
الفيل صديقنا يعاني مما نسميه البرمجة السلبية، لقد غدا غير واثقًا في قدراته الذاتية، مثله مثلنا جميعًا، لكن البشرى هي أننا نستطيع تغيير كل ذلك، وهذا التغيير يجب أن يبدأ بخطوة أولى، هذه الخطوة هي أن نقرر التغيير. أي تغيير في حياة كل منا إنما يحدث أولاً في داخلنا، في الطريقة التي نفكر بها.
الفصل الأول: التحدث مع الذات – ذلك القاتل الصامت
يقول ديل كارنيجي في كتابه “دع القلق وابدأ الحياة” كيف أن 93% من الأحداث التي نؤمن أنها سوف تسبب إحساسات سلبية لنا لا تحدث أبداً، وأن 7% أو أقل من التي تحدث فعلاً لا يمكن لنا التحكم فيها مثل الطقس أو الموت مثلاً.
يرى الكاتب أن هناك مصادر خمس للبرمجة الذاتية
1- الوالدان
2- المدرسة
3- الأصدقاء
4- وسائل الإعلام
5- أنت نفسك، فما تضعه في ذهنك (سلبي أو إيجابي) ستجنيه في النهاية
ينصحنا الكاتب بمراقبة النفس وحديثها، في أربع جمل تحدد مصير كل منا:
راقب أفكارك لأنها ستصبح أفعال
راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات
راقب عاداتك لأنها ستصبح طباع
راقب طباعك لأنها ستصبح مصيرك
أسوأ ضرر يلحقه الإنسان بنفسه هو ظنه السيئ بنفسه، لكن في باستطاعة كل منا تغيير أي برمجة سلبية لحقت به وإحلال برمجة إيجابية بدلاً منها، والسبب بسيط، إذ أننا نتحكم في أفكارنا، فنحن المالكون لعقولنا، ولذا يمكننا أن نغير فيها وفقًا لرغباتنا. أفكارك تحت سيطرتك أنت لا يستطيع غيرك توجيهها دون موافقتك، ومن الممكن ببساطة تحويلها إلى الاتجاه السليم. يقول جاك كانفيلد ومارك فينسن في كتابهما “تجرأ لتكسب”: كلنا متساوون، نملك كلنا 18 مليون خلية تتكون منها عقولنا، كل ما يلزمها هو التوجيه.
الآن يجب التفرقة بوضوح بين العقل الحاضر والعقل الباطن، فالحاضر هو من عليه تجميع المعلومات وإرسالها إلى الباطن لتغذيته بها، وهذا الأخير لا يعقل الأشياء، بل يخزنها ويكررها فيما بعد دون تفكير. بناء على ذلك، إذا قمت بالقول لنفسك أنك قوي، أنك سعيد، أنك قادر على توفير حلول لمشاكلك، واستمررت تكررها، فسيخزنها العقل الباطن، حتى تصبح منهجك في الحياة، على أن ذلك ليس سهلاً كما يبدو.
هناك قواعد خمس لبرمجة عقلك الباطن:
يجب أن تكون رسالتك له: 1- واضحة ومحددة، 2-إيجابية، تدل على الوقت الحاضر، يصاحبها إحساس قوي وصادق بمضمونها، 5- يجب تكرارها حتى ترسخ تمامًا.
الفصل الثاني: الاعتقاد – مُولد التحكم في الذات
لا يتطلب الاعتقاد أن يكون الشيء حقيقة فعلاً، لكن كل ما يتطلبه هو الاعتقاد بأنه حقيقة، ولكي ننجح في الحياة علينا أولاً أن نؤمن أننا قادرون على النجاح، كما قال الكاتب الأمريكي نابليون هيل: “ما يدركه ويؤمن به عقل الإنسان – يمكنه أن يتحقق”.
يسرد الكاتب أشكالاً خمس لهذا الاعتقاد:
1- الاعتقاد الخاص بالذات، فما تعتقده في نفسك يمكنه أن يساعدك على النجاح، أو يدمر حياتك، فأنت نتاج ما تعتقده في نفسك. في إجابته عن سؤال ما الذي يصنع البطل العظيم، رد محمد على كلاي: لكي تكون بطلاً يجب أولاً أن تؤمن وتعتقد وتصدق أنك الأحسن، وإذا لم تكن الأحسن فتظاهر وتصرف كأنك الأحسن (نريد هنا تشجيع السلبيين، لا إصابتهم بالغرور).
2- الاعتقاد فيما تعنيه الأشياء
3- الاعتقاد في الأسباب (مثل من يعتقد أن التدخين مفيد، يريح أعصابه، حتى يصاب بجلطة في القلب، يخرج بعدها معتقدًا أن التدخين مضر ومميت، وكلا الحالتين بقى التدخين كما هو لم يتغير).
4- الاعتقاد عن الماضي (تمدك الأحداث الماضية (سلبية أو إيجابية) بحصيلة من التجارب تؤثر على سلوكك وتتحكم في تصرفاتك المستقبلية، فاعتقادك في ماضيك سيؤثر على حاضرك ومستقبلك)
5- الاعتقاد في المستقبل (لن أجد وظيفة حين أنهي دراستي الجامعية، لن أجد الزوجة المناسبة، أي التركيز على التفكير فيمن لم يجدوا ضالتهم، وإسقاط – أولئك الذين وجدوا ضالتهم فعلاً وأدركوا النجاح – من الحسبان).
يختم الكاتب فصله الثاني بطلب: ابدأ حالاً من اليوم، من الآن، قم ببناء ثقتك بنفسك وبقدرتك، ثق أنه يمكنك تغيير أي اعتقاد سلبي وإبداله بآخر إيجابي يزيد من قوتك… ثق أنك تستطيع تغيير أي ضعف فيك وتحويله إلى قوة.. ثق في أنه يمكنك أن تكون وتملك وتعمل أي شيء ترغب فيه
جاء تجاوبكم مع طلبي في نهاية الجزء الأول من التلخيص ضعيفاً، في رسالة مفادها أن الطريق لا زال طويلاً، وأن الجهد المطلوب لا زال كثيرًا… وعليه دعونا نكمل اليوم الجزء الثاني من كتاب قوة التحكم في الذات، للدكتور إبراهيم الفقي، عسى أن ينتفع به زائر في يوم من الأيام، ولعل رد الفعل ذلك مُقدر لمثل هذه النوعية من الكتابات، فتلخيصي هذا يأتي بعد نشر الكتاب لأول مرة في عام 2000!!
الفصل الثالث: طريقة النظر للأحداث – أساس الامتياز
إن نظرتك الإيجابية -تجاه كل شيء- هي سبيلك إلى مستقبل أفضل، وهي ليست الغاية ولكنها طريقة للحياة. القاسم المشترك بين غالبية الناجحين في الحياة هي نظرتهم الإيجابية تجاه كل شيء، وعدم تركيزهم على الفشل بل النجاح، وعدم بحثهم عن الأسباب – بل عن الحلول.
لكن – هل يمكن تغيير نظرتنا تجاه الأشياء؟ بالتأكيد نعم! إن نظرتك تجاه الأشياء هي من اختيارك أنت، فبإمكانك أنت وحدك أن تبتسم لقراءة هذه الجملة، أو تضغط × وتنسى الأمر تمامًا. لألبرت آينشتين العبقري مقولة مفادها: “تُقدر القيمة الحقيقية للإنسان – بدرجة تحرره من سيطرة ذاته”.من أجل نظرة صحية وسليمة تجاه الأشياء في حياتنا، يجب تفادي السلبيات الخمسة التالية:
1- اللوم (لومك الآخرين والظروف والمواقف والأقدار يجعلك تعطيهم القوة لقهرك، بل يجب عليك التوقف عن لوم الآخرين وتحمل مسؤولية حياتك – لوم الآخرين يقف بينك وبين استخدامك لإمكانات الحقيقية)
2- المقارنة (يميل الإنسان بطبعه لمقارنة نفسه بالآخرين، وهذا الخطأ الأكبر، بل يجب على الإنسان أن يقارن نفسه على مر السنوات، فمنذ عشرين سنة كيف كنت، ومنذ عشر سنوات، ومنذ خمس سنوات، كذلك قارن كيف يمكن لك أن تكون بعد خمس سنوات، وعشر وعشرين).
3- العيش مع الماضي (الفشل في الماضي شمعة تضيء لنا طريق النجاح، ويجب ألا نقف عند فشل في الماضي، بل نطلق سراحه وننطلق لتجارب ناجحة في المستقبل).
4- النقد (نقدك لغيرك سيولد أحاسيس سلبية متبادلة مع الغير، وقبل نقدك لأحدهم، عليك التركيز على مزاياه الإيجابية ونقاط القوة فيه/ فمن يعامل الآخرين بلطف يتقدم كثيرًا)
5- كلمة أنا (كن بخيلاً في استعمال كلمة أنا، وكن مفرط الكرم في الحديث بالخير عن الآخرين، خاصة كلمة أنت).
دعنا نساعدك على النظر للأشياء بشكل سليم، عبر هذه النصائح الست:
1- ابتسم (يضحك الأطفال 400 مرة في المتوسط يوميًا، بينما نحن الكبار نضحك 14 مرة فقط، الابتسام يستخدم 14 عضلة من عضلات الوجه الثمانين، بينما العبوس يكاد يستخدم جميع عضلات الوجه، ما يساعد على سرعة قدوم التجاعيد – الابتسامة كالعدوى تنتقل من شخص للآخر، دون أن تكلفنا أي شيء، مصداقاً لقول معلم البشرية عليه صلاة الله وتسليمه إذ قال: تبسمك في وجه أخيك صدقة(.
2- خاطب الناس بأسمائهم (لن تتخيل التأثير السحري لهذه النصيحة حتى تجربها مع كل من تقابل في الطريق وفي العمل، فمن تناديه باسمه لن تحصل على اهتمامه وحسب، بل ستسعده كذلك)
3- أنصت للآخرين وأعطهم الفرصة للحديث (هل فكرت لماذا تحمل أذنين وفم واحد؟)
4- تحمل المسؤولية الكاملة لأفعالك وأخطائك (تحملك للمسؤولية يعني استخدامك لجميع قدراتك وإمكانياتك، فلا نجاح دون تحمل للمسؤولية)
5- جامل الناس (الإنسان بطبعه يتلهف لسماع تقدير الغير وثنائهم عليه)
6- سامح وأطلق سراح الماضي – مع العواطف السلبية المصاحبة له، لكن مع استيعاب دروس الماضي لعدم تكرار الأخطاء.
الآن إليك هذه الخطة من أجل وجهة نظر سليمة تجاه كل شيء:
1- استيقظ صباحًا وأنت ممتلئ بالسعادة (اطرد أي فكرة سلبية، واستجمع أي فكرة إيجابية وركز فيها بكل قوة)
2- احتفظ بابتسامة جذابة على وجهك (حتى إذا لم تكن تريد أن تبتسم فتظاهر بالابتسام)
3- كن البادئ بالتحية والسلام
4- كن مستمعًا جيدًا
5- خاطب الناس بأسمائهم
6- عامل كل شخص وكأنه أهم شخص في الوجود
7- كن البادئ بالمجاملة
8- دون تواريخ المناسبات التي تهم من تهتم لشأنهم وشاركهم فيها
9- فاجئ من تحب بما يدخل السرور على قلبه
10- ضم من تحبه إلى صدرك (وفقًا للاختصاصية فيرجينا ساتير: نحن بحاجة لأربع ضمات مملوءة بالحب للبقاء، و8 لصيانة كيان الأسرة، و12 ضمة للنجاح في الحياة)
11- كن السبب في ابتسام أحدهم كل يوم
12- كن دائم العطاء
13- سامح نفسك وسامح الآخرين
14- استعمل دائماً كلمتي: “من فضلك” و”شكرًا”
الفصل الرابع: العواطف
يرى ريتشارد باندلر: “يظن البعض أن الشعور بالسعادة نتاج طبيعي لإحراز النجاح، لكن الواقع يثبت أن النجاح هو نتيجة الشعور بالسعادة“. كم من المرات انتظرنا حدوث شيء ظنًا منا أنه سيجلب لنا السعادة، وعندما تحقق لم نشعر بالسعادة المتوقعة أو سمها المنشودة. كم من مشاهير المغنيين ملكوا كل شيء، ورغم ذلك انتحروا لأنهم يكونوا سعداء في حياتهم. في حياة كل منا فترات كنا فيها سجناء المشاعر السلبية، متمثلة في صورة حزن أو خوف أو ألم…
والآن، ألم يحن الوقت لنتحرر من المشاعر والعواطف السلبية، لنتحرر من القيود التي قيدنا بها أنفسنا بأنفسنا، ألم يحن الوقت لنسيطر على مشاعرنا ولا نسمح لإنسان أو لأي شيء بأن يملي عينا أحاسيسنا التي نشعر بها؟ ذلك هو موضوع فصلنا هذا.
العواطف والمشاعر مثل المصعد، ترتفع وتنخفض، لكنك أنت المتحكم فيها، كما قال الرئيس الأمريكي ابراهام لنكولن: “يكون المرء سعيدًا بمقدار الدرجة التي يقرر أن يكون عليها من السعادة”.
المبادئ الأربعة للسعادة:
1- الهدوء النفسي الداخلي (ابحث عن السلام الداخلي مع نفسك وروحك، وليكن ملاء قلبك الحب، ما يجعلك تقاوم تأثيرات العالم الخارجي)
2- الصحة السليمة
3- الحب والعلاقات السليمة بالآخرين
4- اجعل لنفسك هدفًا تعمل لبلوغه ومن ثم تحقق ذاتك وتشعر بقدرتك على النجاح وتحقيق أهدافك، وقم بمكافأة نفسك كل أسبوع، بمشاهدة فيلم مضحك أو قراءة كتاب أو تناول الطعام في مطعم تحبه.
الفصل الخامس والأخير: السلوك (الطريق إلى الفعل)
منذ تفتح أعيننا على الحياة ونحن تتم برمجتنا عن طريق الآخرين المحيطين بنا، وننسخ منهم طريقة الكلام والتصرفات والسلوك، دون أن نتساءل عما إذا كانت هذه البرمجة مفيدة لنا وتساعدنا على النمو والتقدم في الحياة، أو إذا كانت تعوق سعينا لتحقيق ما نتمناه.
قدم د. تشاد هلمستتر تعريفه للسلوك فقال: السلوك هو ما نفعله أو ما لا نفعله، فالسلوك معناه التصرف، أو عدم التصرف، وهو المتحكم في نجاحنا أو فشلنا. نتائج أفعالنا تحدد سلوكنا. نظرة كل منا الذاتية لنفسه تعمل بمثابة المفتاح لشخصيته وسلوكه – تغيير هذه النظرة الشخصية يترتب عليه تغيير الشخصية والسلوك والتصرفات.
إنه أوان إنهاء السلوك السلبي، وإحلال السلوك الإيجابي محله، والتوقف عن الحكم على الآخرين والانشغال بالتركيز على أسباب السعادة، والتوقف عن النظر بسلبية إلى أنفسنا، واعلم أن بإمكانك دائماً أن تكون الشخص الذي تتمنى أن تكونه، وآمن بقدرتك الذاتية على تحويل اعتقاداتك السلبية إلى أخرى إيجابية، حتى تمدك بقوة أكبر.
وتذكر دائمًا أن الحياة أمل – يصاحبها ألم – ويفاجئها أجل، أو كما قال الشاعر. عش حياتك بالأمل، وتوقع الخير. حدد أهداف تعيش من أجلها، اكتبها، وضع الخطط لتحقيقها، وقابل تحديات حياتك بعزم وقوة وتوكل على الله، الله الذي يحب الصابرين، والله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
ابدأ من الآن، وقم بتغيير حياتك للأفضل، وساعد الآخرين، وتذكر أن سعادتك بيديك أنت
ساحة النقاش