الكاريكاتير.. الفن المناضل

إيمان شادي

الرسام الكاريكاتيري عمرو سليم
تعكس الرسوم الكاريكاتيرية أبرز المعاني وأشدها سخرية، وهي في كثير من الأحيان تلعب دورا أشد من الكلمة المقروءة إذا اعتبرنا الكاريكاتير هو الكلمة المصورة أو المرسومة، خصوصا إذا انتقلت من مجال السخرية بقصد الإضحاك وكفى، إلى معرض معالجة القضايا الجادة كالقضايا السياسية والاجتماعية، فالكاريكاتير السياسي على سبيل المثال له دور جيد في التحريض المباشر فضلا عن سهولة وصوله لكافة الشرائح القارئة على كافة تنوعها من الأكثر ثقافة حتى أشدها أمية.

وكان لرسامي الكاريكاتير دور هام في الصراع العربي – الإسرائيلي، فرسومات ناجي العلي، وبهاء الدين البخاري، وعلي فرزات، وصلاح جاهين، وأمية جحا، عكست كثيرا من جرائم الاحتلال وعدالة قضية المدافعين عن التراب والوطن، حتى وصل أن يدفع كثير من رسامي الكاريكاتير حياتهم ثمنا لهذا الدور على النحو الذي حدث لناجي العلي الذي دفع حياته -عندما اغتيل في لندن- ثمنا للدفاع عن القضية الفلسطينية.

نكتة مرسومة

عندما يحمل مضمون الصورة أعلى أنواع السخرية على واقع اقتصادي متردٍ، أو مشكلة سياسية، فحينها أنت تتكلم على فن الكاريكاتير، لكن هل تظل السخرية هي عماد الفن الكاريكاتيري؟ وهل يفقد بدونها شخصيته؟

يرى عمرو سليم -الرسام الكاريكاتيري، ونائب رئيس تحرير مجلة روزاليوسف- أن الكاريكاتير رأي يقال بشكل مرسوم وواضح يسهل وصوله للقارئ، وكينونة العمل الكاريكاتيري تكمن في السخرية والنبرة العالية في النقد، لذا يصل هذا الفن إلى قلوب الناس وعقولها؛ لما يتضمن من خفة دم وسخرية من أوضاع معينة، وإثارة الانتباه لقضايا تهم المجتمع، وعندما يتمتع الفنان بقدر عالٍ من السخرية يكون قادرًا على خلق الكوميديا السوداء، وعندها تشعر بألم وأنت تضحك.

ويضيف عمرو سليم أنه إذا لم يكن الكاريكاتير ناقدا فلن يجدي كثيرا، ففن الكاريكاتير فن تقدمي يسعى لتحديث الواقع وتطويره؛ ولذلك أحسد الفنانين المصريين لوجود مشاكل يومية في الواقع المصري يمكن تناولها..!!

وبالنسبة لعلاقة الكاريكاتير بالنكتة يرى سليم أنه من الصعب اختزال فن الكاريكاتير في كونه نكتة مرسومة، ويرى أن هذا ليس تقليلا من فن النكتة؛ ولكن قد يوجد كاريكاتير للضحك فقط، ولكن هذا لن يجدي ككاريكاتير حقيقي.

بينما يرى الدكتور عبد الخالق حسين -رئيس قسم الزخرفة بجامعة حلوان- أن الكاريكاتير هو فن لا بد أن تعمل حركة الخطوط فيه على التوضيح، وليس من الضروري أن يكون ساخرا، فبعض الأحيان يستخدم الفن الكاريكاتيري لرصد إيجابية ويمدحها، ويلفت د.عبد الخالق النظر إلى أن كل فنان يطرح ما تمليه عليه شخصيته، واهتماماته، وتفاعلاته مع المواقف التي يمر بها أو تصادفه، كل رسام لديه نقد داخلي يخرجه إذا وجد قدرا من الحرية التي تسمح بذلك، وهناك أمثلة كثيرة على الكاريكاتير الذي تناول مواقف إيجابية مثل الكاريكاتير الاجتماعي الخاص بأعياد الحب والمناسبات السعيدة.

وعن علاقته بالنكتة يرى د.عبد الخالق أن الكاريكاتير بالفعل هو فن التنكيت، ولكن هذا لا يقلل من شأن هذا الفن، ففن الكاريكاتير هو فن به غرابة، ينشط الحالة المزاجية للقارئ؛ ليصل لحالة من الغرابة، وقد يتساءل فيها عن المنطق.

بينما ترى د. سلوى أبو العلا -أستاذ مساعد بقسم الزخرفة بجامعة حلوان- أن الكاريكاتير هو بالأساس فن السخرية؛ لذا لا بد أن يحمل مضمونا ساخرا، فهو يتناول الموضوع بشكل كوميدي وأقرب للتنكيت، وأنه الفن الهزلي الأقدر الذي يستطيع توصيل المعلومة من خلال المبالغة والتبسيط.

الكاريكاتير.. فن القضية

الدكتور عبد الخالق حسين

باعتبار الكاريكاتير هو فن النقد والتعبير؛ لذا يغلب استخدام فن الكاريكاتير بين نظائره من الفنون البصرية في المجال السياسي والاجتماعي، وتكمن أهميته أيضا في احتوائه على سلاح السخرية، السلاح الأكثر فاعلية في إبراز عيوب ومثالب الخصوم؛ وهو ما يؤدي لقبوله السريع لدى الجمهور.

ويرى د. عبد الخالق أن للكاريكاتير –عموما- دورا هاما في الحياة لقدرته الكبيرة على توصيل المعلومة أو الموقف، وبشكل أسرع، ولقاعدة أكبر من الشعب، وتؤيده في ذلك د. سلوى، حيث تعتبر الكاريكاتير ممثلا للمثل القائل: "خير الكلام ما قل ودل"، وأنه الأكثر والأقرب للشعب، والأسرع في توصيل الرسالة، ولكن إذا وجد صاحب قضية.

بينما يعتبر أحمد سميح -الرسام بروزاليوسف- أنه على مر العصور كان للكاريكاتير دور كبير للتعبير عن القضايا الموجودة، سواء الاجتماعية أو السياسية، ويستطيع تذليل العقوبات، ويقوم بدور الإنذار المبكر مثله مثل المقالات السياسية، ولكنه أكثر جماهيرية، وأسرع وصولا للجمهور

مقص الرقيب

دور الكاريكاتير المعروف في تنوير الرأي العام ورفع الوعي السياسي والاجتماعي للمتلقي العربي، وإسهامه في الإنذار المبكر والنقد، وتوجيه متخذي القرار السياسي، وكذلك خدمة المجتمع، قد يصبح عندها مقص الرقيب أصعب العوائق التي تقابل رسام الكاريكاتير، ويرى عمرو سليم أن سقف المطبوعة هو الرقيب، فلكل مطبوعة سياستها وسقفها، هناك حرية صحافة؛ ولكنها لا تستطيع حل الأزمة، فجريدة الدستور تسمح بمهاجمة الحاكم، ولكن لا تسمح بمهاجمة الإخوان ولا أمريكا، وفي روزاليوسف غير مسموح بمهاجمة الحاكم في الوقت الذي تسمح فيه بمهاجمة أمريكا أو الإخوان، بينما في جريدة الأسبوع مسموح بمهاجمة أمريكا أو إسرائيل، وغير مسموح بمهاجمة الحاكم أو الإخوان.

وذات النقطة تكلم عنها د. عبد الخالق مشيرا إلى أن هناك بالفعل خطوطا حمراء في مجتمعنا العربي، وقديما كان يوجد داخل كل مجلة شخص يسمى الرقيب، وهو من يحدد هل ينشر الموضوع أو الرسم أو لا، وأصبح الآن رئيس التحرير هو الرقيب الذي يحدد ذلك، ومدى الأولوية للموضوعات، ويكون ذلك تبعا لسياسة الجريدة أو المجلة واتجاهها السياسي، وذلك يختلف من مجلة أو جريدة معارضة لمجلة أو جريدة رسمية وغيرها.

والقدر المتاح من الحرية هو الذي يحدد نمو الفن الكاريكاتيري، فمن الممكن أن يستمر تواجد هذا الفن في كل مكان سواء قصة كتاب أو جريدة، فهو يساعد دائما على العطاء، حيث إنه يساعد على قراءة الطلاسم حتى لغير المتعلمين، كما أنه ينمي الخيال لدى القارئ، فكل قارئ يفهم الرسالة بشكل معين، ويعطي الرسالة مفهوما معينا.

وينبه الدكتور عبد الخالق أن هذه الخطوط الحمراء في مصر أكثر من غيرها من الدول العربية، وهناك مشاكل حتى لمن يستطيع التعبير فيوجد عليهم ضغوط، منبها إلى أن الحرية تحتاج لتوطيد العلاقات مع السياسيين وغيرهم؛ لأن ذلك يحميهم، وحتى عندما يكون هناك نقد لا يكون شديدا للغاية، وإنما هناك لطف بعض الشيء.

وتعارض ذلك د. سلوى فتقول: إن المجتمع به حريات كثيرة، وإنه توجد جرائد معارضة تقول ما يحلو لها، والحرية مكفولة، خاصة داخل الحرم الجامعي، وتقول إنني لم أتعرض لأي موضوع سياسي ليس لأنني أخشى السياسة، وإنما لأنني لم أفكر في ذلك.

الكاريكاتير وأزمة التغيير

الفنان عمرو سليم يعتبر أن الكاريكاتير هو مجرد وجه آخر للكوميديا التي ازدهرت مع ازدهار النظام السياسي العربي في النصف الثاني من القرن العشرين، وأنه برغم انحيازه لرجل الشارع العربي ومعاناته، فإن تأثيره في الرأي العام ظل محدودا، وانحسر دوره مؤخرا، ولا يلعب دورا في التأثير على السلطة، ومن وجهة نظره فإن الصحافة في العالم الثالث لا تغير النظام، وكذلك في الدول المتقدمة ما لم يسمح النظام بذلك من البداية، فالمتلقي في العالم الثالث والدول النامية محكوم جدا، وبالفعل هناك حرية صحافة في أن نقول ما نريد وقتما نشاء، ولكن الحكومة سمحت بذلك لأهداف محددة، أهمها التنفيس عن الشعب ما دام أن هذا التنفيس لا يؤدي إلى تغيير حقيقي.

بينما ترى د. سلوى أننا الآن نفتقد الفنانين الحقيقيين الذين تعبر أعمالهم عن الواقع إلا ما ندر مثل مصطفى حسين، وقلة قليلة أخرى، وأصبح من الضرورة الشكلية أن توجد رسمة كاريكاتيرية حقيقية تحمل مضمونا وقضية، فلم تعد الرسومات تعبر كما كانت في شكل قوي وملف

الإبداع والخطوط الحمراء

في تقرير نشر بصحيفة الجارديان البريطانية اعتبر أن الكاريكاتير في مصر والأردن ولبنان وفلسطين والسعودية أقل جرأة بسب الخطوط الحمراء والتابوهات التي لا يمكنهم الخوض فيها، خاصة القضايا السياسية والاجتماعية، إلا بدرجة معتدلة.

يعلق عمرو سليم على تقرير الجارديان مازحا بأنه تقرير كتب على طبلية، وأن من أملاه لا يعرف شيئا، ويرى سليم أن الفنان يرسم ما دام أن هناك حرية وهذا متوافر، فلو أني رسمت ما رسمت على الرئيس مبارك في أيام الرئيس عبد الناصر لحكم بشنقي في الحال، ومن وجهة نظره هناك حرية كبيرة، بل وطفرة جيدة في مصر، خاصة وقد تزايد عدد رسامي الكاريكاتير، ويستدل سليم بجريدة الدستور ورساميها.

بينما يرى أحمد سميح أن تقرير الجارديان قد يكون صحيحا إلى حد ما، ولكن هناك حرية كبيرة في مصر أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة.

ويرى د. عبد الخالق أنه لابد من وجود قدر من الحرية للفنان، وإذا لم توجد هذه الحرية يخشى عندها الرسام من تخطي حدود معينة، ومن يتعامل مع الكاريكاتير السياسي يتعامل بتحفظ شديد؛ وهو ما يجعل حدود الفن تنحسر، وإذا وجدت حالات مثل علي فرزات أو مصطفى حسين فهي حالات لا تعبر بالضرورة عن رسامي الوطن العربي، فأنا أعتبرها حالات شاذة ولا يقاس عليها، بل يجب تعميمها حتى نتمتع بالقدر الذي نريده من الحرية.

ويعتبر د.عبد الخالق أن الإبداع لا بد له من الحرية، وإلا سيصاب الإبداع بالشلل ويتوقف المبدع عن إبداعه.


المصدر: الانترنت
  • Currently 177/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
59 تصويتات / 972 مشاهدة
نشرت فى 29 نوفمبر 2009 بواسطة razanonline

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

223,979