الفـــن الشـعبي.. جميـل جمـال! |
|
|
|
الجميل هو ذلك الفن الذي ابتدعته الجماهير؛ لتزين ما تتطلبه حياتها اليومية من أدوات، أو ما تتطلبه عقائدها الفطرية أو أفراحها أو مناسبتها على اختلاف غاياتها ومظاهرها. الفن الشعبي فن وتطبيق: إن إمعان النظر في فنون الشعوب البدائية يثبت بجلاء أن الإحساس الجمالي غريزي لدى معظم الناس، بغض النظر عن وضعهم الذهني. وفكرة إنتاج أشياء نافعة للإنسان في استعمالاته اليومية وهي في الوقت نفسه جميلة، فكرة قديمة قدم الإنسان، فقد كان الإنسان البُدائي يُجَمِّل الحراب التي يستعملها في الصيد إما بزخارف هندسية محفورة قوامها الخطوط المتوازية والمتقاطعة أو المثلثات، أو برسم أشكال حيوانات عليها. ومع بدء الحضارة الزراعية وما تقتضيه من استقرار، بدأت تظهر أنواع أخرى من الفنون الشعبية التطبيقية التي تغطي حاجات الإنسان التي تزايدت مع تزايد الوعي الحضاري نتيجة التجارة ووفرة المنتجات الزراعية. وكان ميدان الفنون الشعبية واسعًا وثريًّا في الفنون اليومية مثل الأثاث والحلي وأوعية المأكل والمشرب وأدوات الزينة، وكلما مارس الفنان الشعبي هذا الإبداع اليومي تميزت هذه الأشياء بجمال أشكالها ومناسبتها لوظائفها. وهكذا نرى أن الفن الشعبي هو خليط من الفنون النفعية التي نحتاج إليها في حياتنا اليومية، وجميع القيم الجمالية التي تميز العمل الفني الإبداعي. وقد كان الفن الشعبي طوال العصور يسير جنباً إلى جنب مع الفن الرسمي، والتراث العربي غني بالفنون الشعبية، في الأدب والغناء والموسيقى والفنون التشكيلية والزخرفية. هذه الفنون تكشف عن قدرات ومهارات الفنان الشعبي الذي ينفذها في يسر وبساطة. وكان الفنان الشعبي هو التيار الصحي الذي تحتفظ الجماهير العريضة من خلاله بضميرها الفني، وحسها الجمالي، وبخاصة عندما تضعف الدولة وتنحسر عنها قدراتها الإبداعية في فنون الحاكمين. وفي هذه الفترات تقل سطوة التقاليد الفنية الرسمية وتزداد طلاقة الفنون التي تقترب من الفنون الشعبية. ودائمًا نرى الفن الشعبي يتجه إلى الاعتزاز بالبطولة وتمجيدها، واعتبار أبطال القصص الشعبي هم المثل العليا لكل شاب، وقد كانت قصص "أبو زيد الهلالي" و"عنترة بن شداد" تمثل –دائمًا- كلٌّ منهما فارسًا يمتطي جواده وقد سلّ سيفه البتار. كل ذلك من الفنون المتوارثة المنحدرة إلينا من آلاف السنين؛ وهي تعكس أشكالًا وموضوعات مستمدة من التراث أو من الأسطورة أو الحدوتة أو من ذكريات غامضة تسللت عبر سنوات طويلة منحدرة من جيل إلى جيل نعرفها وقد لا نعرف مدلولها. وكثيرًا ما ترمز الأشكال المختلفة في الفن الشعبي إلى أسطورة وطنية أو معتقد فطري، كما قد تشير الألوان المستعملة إلى معانٍ خاصة رمزية متصلة بالفطرة الإنسانية. بعض خصائص الفنون الشعبية: * تتميز الفنون الشعبية باستخدام الخامات المحلية والوحدات التي تستمدها من البيئة. ومن خلال دراستنا للفن الشعبي نستطيع أن نتتبع الكثير من جذور فنوننا الأصلية التي يبدو أننا فقدنا الكثير منها بعد أن دخل على حياتنا الكثير من التعبيرات التي تفصل بين حاضر فنوننا وماضيها. * والفن الشعبي فن جمالي لا يعرف الفردية؛ لأنه فن الجماهير العريضة، والفنان الشعبي لا يتناول سوى الموضوعات التي يعرفها معرفة متوارثة، وتتجاوب مع احتياجات المجتمع الذي يعيش فيه، فالرسم عند الفنان الشعبي يمثل واقعًا عقليًّا أكثر مما يمثل واقعًا بصريًّا، كذلك فإن الرسم تعريف للأمور بواسطة الرسم كبديل للكلام، وهو يوضح في صورة واحدة مجموعة مشاهد كأنما يحكي قصة، كما أنه يرسم الأشياء المرئية وغير المرئية ما دام غير المرئي معروفًا، كما أن الفن الشعبي لا يعترف بقواعد المنظور. * يعتمد الفنان الشعبي في زخرفة منتجاته على عنصرين: الأول الوحدات الهندسية البسيطة، ويغلب استعمالها في المنتجات التي تفرض صناعتها والخامة المستعملة فيها هذه الوحدات، أي أن الزخارف الهندسية في أغلب الأمر وليدة طريقة الصناعة نفسها، والعنصر الآخر: الزخارف العضوية البسيطة التي تعتمد على خطوط منحنية لينة قليلة أيضاً كفرع صغير، أو أزهار بسيطة التركيب أو حركة أمواج المياه ورجرجتها. * وبالطبع فإن الميل إلى التزيين طبيعة كامنة في الإنسان، وكان دائمًا المطلوب من وحدات الزينة الشعبية في مختلف الأماكن ومختلف الشعوب أن تلفت النظر، سواء بسبب اللون أم الشكل أم الصوت، وكل العناصر محققة في الحلي الشعبية، ولا شك أننا نستطيع أن نجد علاقة من حيث الشكل بين الكردان والقلادة التي كانت تغطي الصدر ويغلب أن تكون مكونة من صفوف الخرز الملون أو صفائح الذهب المشغول والمرصع. وأغلب زخارف الحلي هندسية قوامها الخطوط والمثلثات، ويغلب أن تكون مشغولة بخيوط رفيعة من المعدن ( ذهب أو فضة) * والتصوير الحائطي كان من أهم أساليب التعبير لذلك الفن، كما كانت دائمًا تتعدد أشكاله واستخداماته من أعمال الكليم والحصير والسلاسل وأواني الفخار والأباريق المزخرفة بالأشكال الهندسية وأعمال التطريز على الملابس والحلي وغيرها تبعاً للبيئة الخاصة التي يعيش فيها الفنان الشعبي والخامات المتاحة له في هذه البيئة، فالبيئة الزراعية مثلا كانت تفرض على الفن الشعبي وفنانيه نوعًا خاصًّا من الفنون مثل صناعة الفخار، حيث تتوفر الطينات الصالحة له في أماكن كثيرة، كما أن الأواني الفخارية تغطي نسبة كبيرة من احتياجات منزل الفلاح. كذلك درج الكثير من الفلاحين على غزل الصوف والقطن بمغازل يدوية؛ لتتميز هذه المنسوجات بألوانها الطبيعية وزخارفها الكثيرة ذات الخطوط العريضة بألوان طبيعية داكنة. أما في البيئة الصحراوية أو البدوية فإن صناعات الجريد تأخذ المقام الأول حيث يكون النخيل مصدرًا هامًّا من مصادر الخامات الأولية اللازمة للحرف الشعبية؛ فيصنع من الجريد الأقفاص والكراسي والأَسِرَّة والموائد الصغيرة بتصميمات جميلة، ويصبغ الخوص بألوان زاهية، ويستعمل في تجميل المنتجات المختلفة. أما الأماكن الرعوية التي تقوم الحياة فيها على رعاية الأغنام والماعز فإن الصناعة الشعبية التي تفرض نفسها هي صناعة السجاد والأكلمة ذات الزخارف الهندسية بألوان وغزل الصوف المأخوذ من صوف الأغنام. وبسبب صدق وأصالة الفن الشعبي فإن المثقفين كانوا ولا يزالوا يسعون إلى استلهامه، ثقة من أن أصوله مضمونة الجذور نابعة من الأرض والتقاليد والتراث، ومن حاجة الإنسان العادي للحياة والأمن والحب.
|
المصدر: الانترنت
نشرت فى 29 نوفمبر 2009
بواسطة razanonline
عدد زيارات الموقع
223,762
ساحة النقاش