لم أُخْطِئ في الكتابة وأنسى التاء المربوطة في عنوان مقالي،ولكنّي أقصدُ الذكورة في هذه الوظيفة التي هيمَنَ عليها الإناث حتى وقتَ كتابة هذه الأسطر،وربما يكونُ هذا الذي أفكر فيه مجالاً ارتاده غيري ممّن يحبّون الإتيان بالغريب والمخالِف،أمّا أنا هنا فلستُ بصددِ سحْبِ الأحقّية من دورٍ أبدَعَتْ فيه المرأة من القِدَم ولا بغرِضِ الثورة على مأثور أو عرفٍ سائدٍ تشتركُ فيه الثقافات والأيدلوجيّات والعوالم،بل أتعمَّدُ بحديثي قياسَ الفائدة وحسْب ..في مجتمعنا الذي اختار في القرن الأخير العودة لصلابة النصوص الشرعيّة دونَ أن يسبرَ أغوارها كمادّة قابلة للتجاوب مع كلّ المعطيات استقرَّ رأيُ المُشرّعين على أن يُسمَحَ للنساء بمزاولة مهنة التعليم للأطفال بجِنْسيْهم "الذكور والإناث" طالما هم في سنٍّ لم يبلغوا معّه التمييز الذي يؤدّي للفتنة وحُجّتُهم في ذلك قوله تعالى "والطِّفْلِ الّذينَ لمْ يَظْهروا على عَوْراتِ النَّساء" ليستمرَّ التمسُّكُ بهذا النّهجَ ليسَ لأنّ الأنثى أقدرُ على إكسابِ الطّفلِ المهارات والمعلومات والسلوكيّات اللازمة بل لمجرّد السّماح الشرعي بذلك حسبَ الفهم الذي أظنّه كانَ قائداً رئيساً للاستمرار دونَ إعادة نظر ..
ماذا لو جازَفَ أحدُ المستثمرين وطلبَ أن يستغلّ ما لديه من ثروةٍ في مشروعٍ تعليمي يقلبُ فيه العادَة ويفتتح روضةً للأطفال يعملُ بها رجالٌ فقط،يستقبلون الأطفال من الجنسين ويعتنون بتعليمهم وإكسابهم المهارات والسلوكيات اللازمة ويستغلون ما لديهم من عاطفةٍ جيّاشة لها طبيعةٌ خاصة تجاه الأطفال في إظهار قُدرتِهم على خوضِ هذا المجال الذي ملّ المرأةَ ومَلَّتْ هي منه حتى أخذَها العالم لميادين الرجولة والصعوبة والخشونة بحجّة حقوقها والعدل والمساواة ..
ليس من قبيل الانتقام أن يتّجه الرجلُ لتعليم الطفل في هذه المرحلة المبكرة ولكنّ ذلك من سياسة الالتفاف والمناورة ليعرِفَ بأنّ أداء الأدوار قد يستكينُ لأحد الطرفين دونَ الآخر بالمُمارسة والتدريب،والباحثون في علم النفس وخصائص النفس البشريّة يقرّون بأنّ القَدْرَ الذي لدى كثيرٍ من الرجال من العواطف والمشاعر كبيرٌ جداً يسمحُ لهُ أن يكونَ أكثرَ مرونةً وليونَة في الصّبر على الأطفال تعليماً وتهذيباً، ولكنّ المرأة بسرعة استجابتها العاطفية حسب المواقف ولو بالقليل ممّا تمتلكه اشتهرَت بذلك شهرة دعاية لا شهرة استحقاق ..
إنّ الدور الذي تقومُ به "معلّمةُ الأطفال" في الروضة من الناحية الفنّية والتقنيّة والمنهجيّة قادرٌ على أن يقومَ به أخوها "مُعلّمُ الأطفال" ويتمايزُ الاثنان حسبَ تأهيلهم وقدراتهم المهنيّة وجدارتهم الوظيفيّة،أمّا ما تمتلكُه الأنثى من طبائع غريزيّة من كونِها أمّاً وحاضنةً وراعيةً منزليّة تزيدُ من اطمئنان أولياء الأمور على أطفالهم في هذا السنّ الذي يفارقونَ فيه أمّهاتهم بعدَ أن لبثوا في البطن تسعة أشهر وفي الرضاع حولين كاملين وفي التدليل والإطعام والرعاية والأحضان عاماً آخر أو عامين ..
وفي التعلّمِ يحتاجُ الطّفل صرامةً في القرار من دون هتكٍ لطفولته،ويحتاجُ جرأةً في الأوامر من دون جرحٍ لبراءته، ويحتاجُ صبراً لأخطائه من دون إغفالٍ لقصده وتعمّده، وقد تغيبُ هذه المفاهيم عن بعض "المعلمات" نتيجة طغيانِ المحبّة والعفو والدّلال، لينتقلَ الأمر لمعاناة كبيرة مستقبلاً يصطحبها نزرٌ من الأطفال لمراحل متقدّمة في الابتدائية والإعدادية،وليسَ من حلٍّ في ذلك الوقت إلا أن يعيدَ الأخصائي الاجتماعي أو الأخصائية النفسية في مدارسهم قراءة سِيَيِرهم الطفولية وقد يعثرُ على أنثى أخطأت ويتغاضى ..
وجدتُ عدداً لا يُستهانُ به من الرجال في أعمارٍ مختلفة ومنهم من لهُ أبناءٌ أطفالٌ ومنهم من لديه ذريةٌ كانوا أطفالاً يوماً من الأيام ومنهم من لم يتزوج بعد ولكنّهم اشتركوا جميعاً في حُسنِ تعاملٍ مع طفلة الرابعة وطفل الخامسة وطفلي الثالثة من العمر، بل ووجدوا في الوقت الذي يقضونه مع هذه الفئة مناخاً رائعاً لاختبار حقيقة محبّتهم لهذه الصفحات البيضاء من البشر التي تغري الرسامين الأتقياء برسم السلوكيات الناصعة فيها وكتابة الأخلاقيات الفاضلة بداخلها وغرس القيم النبيلة بها ..
وكلّنا يعرفُ بأنّ مجتمعَ "الطفولة" كبيرٌ بكلّ معانيه التي لا تخفى على أحد،وعظيمٌ بمراميه التي يتمنّى النجاح فيها كلّ مُشرّع أو معلّم،وكلّنا يشعُرُ بأهمية هذه المرحلة المبكرة في التعليم التي يُبنى عليها ما بعدها ضرورةً واقتضاءً،وللمرأة "معلّمة الأطفال" نجاحاتٌ باهرة وشمسٌ واضحةٌ في هذا المضمار ولكنّ الانزلاق الذي يعتريها في مجتمعاتنا العربيّة نحوَ الخَلطِ بين كونِها معلمة في روضة وبينَ كونِها أمّاً تتعاملُ مع أبناء أحشائها بعفويّة طبيعيّة تعوّدوا هم عليها ويستغربُها طِفلُ الروضة هوَ بيتُ القصيد ..
اعتقادي بأنّ للرجلِ حظٌّ وافرٌ أن يشتركَ مع "معلمة الأطفال" ويدخلُ معها في منافسةٍ مستحقّة لخوض هذه المهمّة إِنْ هوَ أحسنَ التدريبَ والتعليم والتأهيل واستغلّ الرحمة القهريّة التي صبَّها الله تعالى في قلوب أغلب الذكور تجاهَ أطفالٍ لم يحملوا بهم كما حملَتْهُم أمّهاتهم ولم يُرضعوهم كما أرضعتهم والداتهم ولكنّه التقسيم الربّاني الذي يوازنُ بين المربّين ويزيدُ من عاطفةٍ لدى الجنس الخشن لتعدلَ كفّة التربية ويستفيدَ هذا الطفل ممّا أودعَهُ ربُّه في الجنسين ..
ومن الأمور التي تشهدُ لي بأنّ ما أقوله قريبٌ من الصواب ما يمرُّ علينا يوميّاً عبر الإعلام من رجالٍ كُثْرٍ برعوا مع الأطفال وسحروهم وأضحوا نجوماً في عالمهم سواءً على مستوى النشيد أو الفنّ أو الأدب أو الترفيه،رغم أني لا أغفل من يشاركهُم من نساءٍ في الجملة،وبعضُ دراساتٍ غربيّة أعلنت بأنّ الرجال أقدرُ على منحِ مساحاتٍ كبيرة من الحرية للأطفال أكثر من النساء اللاتي يعترِضْنَ على الصغائر والكبائر ..
ولدى مراقبتي لأطفالٍ طيلةَ وقتٍ كنتُ أدرسُ فيه موضوع المقال قبل أن أشرعَ في تدوينِه لاحظْتُ الميلَ الكبير منهم لأن "يلعبوا ويتحاورا ويتعلّموا" من رجلٍ أكثرَ من رغبتهم في ذلك من امرأة بوجه عام،وعندَ ترجمتي للغةِ الأطفال عرِفتُ بأنّ السبب يعودُ لروحِ التّسامح التي يتحلّى بها ذكورُ عالمنا العربي تجاه الأطفال وهم يرونهم يُبهِجونَ حياتَهم المليئة بالعرَقِ والبحث عن الرزق ..
وللطّفلِ أن يقفَ مَزْهوّا وسطَ هذا العراك الإيجابي الذي "افتَعلْتُهُ" بين الرجلِ والمرأة للفوزِ بقلبِه الأبيض وروح النضرِة وحبّه القهري غير المزوّرِ ولا المُبالغ فيه،ويستحقّ منا أطفالنا أن نَتَنافسَ لنقدَّمَ لهم تعليماً وتربيةً تُقدِّمُ لنا ـ لا محالةَ ـ جيلاً طيبَ الأعراقِ يستطيعُ أن يعيدَ تصنيفَ الأعمال والمهام بتوزيعٍ مناسب لكلا طرفي النزاعِ الأبدي ويغيّرَ الوجهَ الذي عكّرَتْ صفاءَهُ المفاهيمُ الخاطئة والمقاصدُ السيئة في تحقيقِ عدالةٍ بين الجنسين يظنُّها الواهمون تتحقّقُ بتبادلِ الأدوار .
المصدر: محمد أحمد بابا - الجزيرة توك - ينبع - السعودية
أب مصري أحاول أن أقدم لأبنائي وللقائمين على رياض الأطفال مواد تعليمية تساعدهم في الحصول على تعليم جيد.
نشرت فى 9 مارس 2010
بواسطة rawdah
روضة الأطفال
موقع يقدم مواد تعليمية للأطفال من 4 إلى 6 سنوات »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
1,993,304
ساحة النقاش