في كل عام، ينتظر المسلمون في لبنان ضيفاً كريماً يستبشرون بقدومه من خلال هلال يرسم مدّة إقامته لديهم.. إنه شهر رمضان المبارك الذي يترقبون عودته من العام الى العام، لينطلقوا من جديد في رحلة التقرّب من الرب.
وإذا كان هذا الضيف لم يتغيّر على مرّ الأزمنة في عطاءاته ولمساته، فإن طغيان «العصريّة الحديثة» غيّرت طقوسه بحيث بدّلت سلوكيات وعادات كانت ارتبطت عند اللبنانيين به، وإن كان قلّة منهم ما زالوا يحاولون حتى اليوم تثبيتها وإحياءها في الشهر الفضيل، حفظاً لتراث ترسّخ فيهم أباً عن جد.. ولعل في مدينة بيروت اليوم صورة واضحة عن هذا التجاذب الذي يحمل في ما يحمل تناقضاً أو تبايناً بين أيام رمضان السالفة والحاضرة، ومنها قصص الكبار عن المقاهي القديمة والحكواتي والتزاور وتلاوة القرآن، وأخرى حاضرة تواكب العصرنة والحداثة في طقوس أكثر مدنيّة أكثر ما تتجلّى بسهرات النرجيلة في الخيم الرمضانيّة، والتي تمتدّ حتى موعد حلول الإمساك.
ففي بداية عام 1995، وبعد اندثار دور الحكواتي في المقاهي والساحات، انتشرت ظاهرة الخيم الرمضانيّة في بيروت عاماً تلو آخر، خصوصاً بعدما لاقت الخيمة الأولى في وسط بيروت التجاري نجاحاً كبيراً، ما شجّع التجار على اقتباس الفكرة، فاكتسحت هذه الظاهرة معظم الأحياء، وتحديداً في بيروت وبعض المدن اللبنانية الكبرى، وهي ظاهرة تلقّت ما يكفي من التمحيص والدراسة والتحليل، إذ اعتبرها البعض ظاهرة مقبولة وشكلا من أشكال التسلية، والبعض الآخر صنّفها في خانة الإساءة لشهر رمضان المبارك، والذي يفترض أنه شهر للتقوى والتعبّد وطلب المغفرة والتقرّب من الله.. وكان لكل فريق حججه الكثيرة التي تدعم رأيه حول حسنات وسيئات هذه الظاهرة.
وبمعزل عن حسابات التأييد والمعارضة، تجدر الإشارة الى أن هذه الخيم المصريّة المنشأ والتي ما لبثت أن اكتسبت صبغة لبنانية لم يبقَ من طابعها المصري سوى القماش الأحمر المنقوش الذي تُصنع منه في مصر الأماكن التي تعرف بــ «السراديق»، حيث تقام الحفلات الشعبية.. وعاما بعد آخر، أصبحت الخيم تكتسب صبغتها اللبنانية، بجميع اختلافاتها، وبقيت النارجيلة القاسم المشترك الذي تقدّمه جميع الخيم، حيث تُقام فيها سهرات فنية واستعراضية تمتد حتى ساعات السحور، استطاعت أن تحقّق صيتاً واسعاً في لبنان والعالم العربي.. علماً أن الخيم الرمضانية حطّت رحالها في الفنادق، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بحيث أصبح لكل فندق خيمة ولكل خيمة عدد من النجمات يخوّلها أن تكون «شعبيّة» أو «تجارية» أو خيمة بــ «خمس نجوم»، وطبعاً لكل منها مطرباً أو مطربة أو حكواتياً أو بصّارة أو «مونولوجيست» موهوبا
المصدر: جريدة البيان، وفاء عواد
نشرت فى 23 أغسطس 2011
بواسطة ramadaniat
رمضانيات
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
155,652
ساحة النقاش