مخرجات الكتابة الإبداعية
الكتابة الإبداعية هي أشبه بالصعود إلى قمة جبل، حيث يتساقط الضعفاء من السفح إلى الأسفل، فيما يواصل الأقوياء صعودهم نحو القمة، فكاتب النص الإبداعي القوي، هو القادر على مواصلة الإبداع من خلال برمجة مدخلات الكتابة مسبقا، مع تأشير المخرجات المتوقّعة مع توفير العوامل الضامنة لتحقيقها
لكل عمل مادي أو فكري أو معنوي مدخلات تنتهي إلى مخرجات محدّدة، كل الأعمال تخضع لهذا الشرط أو المعادلة، والعمل الإبداعي لا يخرج بعيدا عن هذه الآلية، وهذا يعني إن الكاتب يحتاج إلى مدخلات مدروسة لكي يضمن المخرجات المرتقبة من كتابته الإبداعية، وغالبا ما تُنجَز الكتابة الإبداعية في إطار طقوس كتابية تختلف من كاتب إلى آخر، وهناك كتاب مشهورون تحدثوا بالتفصيل عن هذه الطقوس.
مدخلات النص الإبداعي تختلف من كاتب إلى آخر، بحسب جاهزيته الفكرية وميوله وأهدافه، بالإضافة إلى نوع الوسط المستهدَف، فمثلا يتطلب النص المخصص للأطفال أفكارا وخيالا وأسلوبا مختلفا عمّا يفرضه النص الإبداعي للكبار، أما المخرجات فتأتي في مسارين، الأول يخص كاتب النص، والثاني يتعلق بالمتلقّي.
لهذا لا ينجح الكاتب ولا نصه ما لم تكن مدخلاته لكتابة النص متفرّدة وغنية وتوائم الوسط المستهدَف، وقادرة على الشروع بإنجاز كتابة إبداعية ملهمة مختلفة ومؤثّرة، فكيف يختار الكاتب مدخلات نصه قبل الشروع به، وهل يبقى بانتظار (المزاج الكتابي ومتى يتوفر له؟)، أم يبدأ الكتابة في أي وقت متاح؟، فالشعراء مثلا ينتظرون (الوحي) وانفتاح القريحة لكي ينجزوا كتاباتهم الشعرية.
السؤال المهم أيضا، هل كتّاب الأجناس الأخرى الأدبية، يحتاجون إلى (هبوط الوحي) عليهم لكي يباشروا بكتابة نصهم الإبداعي السردي أو المسرحي أو النقدي؟
هل هناك نظام معين للكتابة؟
هنا أتذكّر ما قاله ماركيز في مذكراته حين أجاب عن سؤال مفاده: (متى تكتب وهل لديك نظام محدد للبدء في الكتابة؟)، فقال ما مضمونه: (إنه ينظر إلى كتابة السرد (الإبداع) كمهنة لا تختلف عن المهن الأخرى، ويجب أن نحدد لها وقت البداية والاستراحة والنهاية، ويواصل ماركيز قوله، في الساعة الثامنة صباحا أرتدي بدلة عمل (الكتابة) وأبدأ عملي هذا حتى الظهر، ثم بعد ذلك أتفرغ للمهام الاجتماعية والفردية).
هذا يعني أن الكتابة الإبداعية غير محدّدة أو ملزَمة بـ (هبوط الوحي) أو بتوفّر المزاج الكتابي، إنه عمل لا يختلف عن أعمال البناء مثلا، فما يجب على عامل البناء أو الأسطى القيام به، يجب أن يقوم به المبدع في وقت محدد ومنتظم، أما إذا ربط الكتابة (بالوحي و المزاج)، فإنه سوف يهدر الكثير من وقته ومواهبه وطاقاته والكثير من إمكانياته، وهذا يقودنا إلى أهمية أن يتهيّأ الكاتب مسبقا لتوفير المدخلات اللازمة لكتابة النص، حتى يقطف المخرجات التي يخطط لها.
من هذه المدخلات ما هي فكرة النص الإبداعي الذي ينوي المباشرة بكتابته، ما هي المعلومات التي يحتاج لها لإتمام نصه، وما طبيعة هذا النص، هل هي تاريخية أو واقعية، سياسية أم نفسية، اقتصادية أو اجتماعية أخلاقية، وما الهدف منها، بعض المبدعين لا يشغلهم هدف النص ويعلنون بصراحة تامة، ودونما أدنى تردّد، أنهم لا يفكرون بهذا الجانب ولا يشغلهم أصلا، بل هم غير معنيين بالقارئ مطلقا، فيقول هؤلاء بأنهم يطلقون كلمتهم ويكتبون نصوصهم ثم ينسوها أو يتناسوها، لدرجة أن هناك شاعرا قال ذات مرة إنه يطمح أن يكتب نصّا مغلقا على مدى الأزمان!، أي لا يفهمه أحد حتى نهاية الزمن.
هذا يعني أن هذا النوع من المبدعين غير معني بمخرجات الكتابة الإبداعية، ولا علاقة له بما يخرج من نصّه، وهذا يعني بدوره أنهم غير عابئين أصلا بتوفير المدخلات التي تتطلبها الكتابة الإبداعية مسبقا، فتجيء نصوصهم جزافية لا حدود معروفة لها ولا أهداف وهي كما يُقال أقرب للهذيان.
الكتابة أشبه بالصعود إلى قمة جبل
على العكس من كتّاب ومبدعين يربطون كتابتهم الإبداعية بمقدار ما تتركه من تأثير واضح ومهم في القارئ والمتلقي، فينتج عن مدخلات النص الإبداعي مخرجات واضحة وهي في الأعم الأغلب تأتي في نسقين:
النسق الأول:
وهو يصب في صالح منتِج النص معنويا وماديا، كما هو الحال مع بيع ملايين النسخ من روايات كتّاب ناجحين يعيشون في مجتمعات ناجحة، مع منحهم الدعم المعنوي الذي يساعدهم على الاستمرارية بالإبداع
النسق الثاني:
يتعلق بالقارئ والمتلقي ومدى قدرة النص على تغيير القناعات والرؤى والتفكير، وهذه ميزة النصوص الإبداعية الخالدة للكتاب الخالدين.
فالكتابة الإبداعية كما يصفها كولن ولسن في كتابه (فن الرواية)، هي أشبه بالصعود إلى قمة جبل، حيث يتساقط الضعفاء من السفح إلى الأسفل، فيما يواصل الأقوياء صعودهم نحو القمة، فكاتب النص الإبداعي القوي، هو القادر على مواصلة الإبداع من خلال برمجة مدخلات الكتابة مسبقا، مع تأشير المخرجات المتوقّعة مع توفير العوامل الضامنة لتحقيقها، قبل المباشرة بالكتابة الإبداعية