الظل والنور

مع دخول الإسلام مصر بدأ الفنان المصري الإسلامي في الاستفادة من البيئة وما تحتويه من خصائص شأنه في ذلك شأن جدوده السابقين .فتناول ظاهرة الضوء الساطع وما له من تأثير علي الأشكال والأحجام بتحديد معالمها ،وطبق ذلك في خدمة الفلسفة الجديدة للإسلام ،فاستخدم ظاهرة الظل والنور في علاقة الأشكال بأرضيتها واستطاع أن يتحكم في شدة الضوء بخلق"المشربيات"التي تحجب الضوء وتلطف من حدته وذلك عن طريق الزخارف التي يلعب فيها الشكل تارة كأرضية والعكس.

وتكرار الزخارف يخلق حركة لا نهاية لها تثير الخيال وتشغل البصر ليمتد معها في متعة لا نهائية يدور ويدور منطلقا من نقطة إلي أخري دون الإحساس بالملل أوالرتابة وانتقال النظر من وحدة إلي أخري متابعاً تلك الوحدة الزخرفية يساعد الرائي علي أن تشف وتصفو نفسه حيث تجذب هذه الوحدة عيناه لرؤية نسيج يعكس غني الحياة واستمرارها.

ولقد استفاد الفنان الإسلامي أيضا من الضوء في عمل الزخارف الخارجية البارزة علي أسطح القباب والمآذن وواجهات المساجد التي تؤكد ارتباط الفنان المصري الإسلامي ببيئته وما تحتويها من خصائص. ويطالعنا بالقاهرة العديد من القباب التي تمثل الاستفادة التامة مما تحدثه الشمس من أضواء وظلال في إبراز أشكال وأحجام الأشياء.وما نراه من وضوح للزخارف علي القباب – تلك الزخارف البارزة والواطئة التي سبق الإشارة إليها – إنما يؤكد هذه الحقيقة. فنشاهد ذلك في قبة المدارسة الجوهرية بالجامع الأزهر وكما تشاهده أيضا في قبة الأمير بريسباي  وقبة زين الدين يوسف وغيرها من القباب المنتشرة علي أرض مصر حيث يلعب الظل والنور دورا هاما في تحديد وتجسيد زخارفها.ويوجد الكثير من الزخارف النحتية التي تعلو كل المساجد والتي تختلف أشكالها وتصميماتها،غير أن كل هذه الزخارف إنما تعتمد اعتمادا كليا علي ظاهرة الضوء وما يحدثه الظل والنور في خلق أشكالها وهناك أمثلة عديدة لهذه الزخارف النحتية التي تعلو المساجد المختلفة تذكر منها تلك الزخارف التي تعلو مسجد أحمد بن طولون والجامع الأزهر والعديد من المساجد الأخرى.